الجوع يسهم في زيادة حالات زواج الصغيرات بالنيجر

الظاهرة تتفاقم رغم سن قوانين رادعة.. ومساع للحد منها بتشجيع التعليم في الأرياف

بالكي سولي (14 عاما) تزوجت في سن 12 وفقدت جنينها بعد فترة حمل عانت خلالها من نقص الغذاء
TT

فقدت بالكي سولي جنينها أثناء الولادة منذ بضعة أيام. كان جسدها واهنا، وكانت في حالة من الإنهاك بسبب نقص الغذاء، إلى حد أنها كانت على شفا الموت هي الأخرى. قالت في خجل وهي ترقد على أرضية جناح الولادة المزدحم في أحد المستشفيات: «عند عودتي إلى قريتي، سأحاول إنجاب طفل آخر». وتبلغ بالكي، التي تزوجت في سن الثانية عشرة، من العمر الآن أربعة عشر عاما.

تشهد النيجر أعلى معدل لزواج الأطفال في العالم، حيث تتزوج فتاة من كل اثنتين قبل سن الخامسة عشرة، وبعضهن يتزوجن في سن السابعة. ومع تأثير أزمة المجاعة على الملايين هنا وعبر منطقة الساحل بغرب أفريقيا، تحدو العاملين في مجال تقديم المعونات مخاوف من لجوء الآباء المتعثرين ماديا إلى تزويج بناتهم في سن مبكرة طمعا في المهور، والتي تشمل حيوانات وأموالا، مما يساعدهم على العيش. ويقول دجانابو ماهوند، رئيس قسم حماية الأطفال في منظمة «اليونيسيف»: «ما نخشاه هو أنه إذا استمرت أزمة الغذاء، فقد يزيد عدد الآباء الذين يلجأون إلى الزواج كطريقة للبقاء».

وفي دولة من دون منفذ بحري وبها أحد أسرع معدلات السكان نموا في العالم، تعتبر أزمة الجوع أحدث العقبات التي تعرقل جهود النيجر الرامية لمحاربة الزواج المبكر. وسنت حكومة النيجر تشريعا يحظر الزواج دون سن الخامسة عشرة؛ وفي بعض الحالات، يلقى القبض على الآباء ويتم حبسهم. وقد أطلق عاملون في مجال الخدمة الاجتماعية بالحكومة ومنظمات دولية خاصة بتقديم المساعدات مبادرات في القرى النائية لتشجيع الفتيات على استكمال دراستهن، إلا أن الزواج المبكر لا يزال مقبولا على نطاق واسع من قبل الأسر عبر قطاعات عريضة في البلاد، يحفزه ارتفاع معدلات الفقر والأمية والأعراف القبلية القديمة والمعتقدات المحافظة التي لها تأثير يفوق القرارات الحكومية في المجتمعات الريفية.

ولدى المرأة العادية هنا في النيجر أكثر من سبعة أطفال، حيث يوجد فيها أعلى معدل خصوبة في العالم. ونصف السكان، الذين يتوقع أن يزيد عددهم على أكثر من 17 مليونا اليوم إلى نحو 59 مليونا في عام 2050، دون سن الخامسة عشرة. وكما هو الحال في الكثير من أجزاء القارة الأخرى، تقع النيجر التي تعاني من تقلص مساحة الأراضي الصالحة للزراعة وهبوط معدل سقوط الأمطار، فضلا عن انخفاض مستويات التعليم، تحت وطأة أزمة مستديمة ما لم يتباطأ معدل النمو فيها، حسبما يتوقع كثير من الخبراء. وفي المستشفى الإقليمي الذي كانت ترقد فيه بالكي، قال المدير، إن عدد المواليد المبتسرين والأمهات اللائي يعانين من سوء التغذية في تزايد. وفي المعتاد يقل وزن 5 في المائة من المواليد الجدد عن 5 أرطال. وفي هذا العام، زادت هذه النسبة لتصل إلى 8 في المائة.

ويعد الزواج المبكر ظاهرة عالمية، غير أنه أكثر انتشارا في أفريقيا وجنوب آسيا. وفي الكثير من المجتمعات الفقيرة، ينظر للفتيات كسلع يجني منها الأهل أموالا لتسديد ديونهم. ولتأمين حياتهن في الظروف الاقتصادية السيئة، يجري أحيانا تزويج الفتيات من رجال ينتمون لأسر شديدة الثراء. وإضافة إلى ذلك، فإن أفكار الأخلاق وشرف الأسرة تعتبر بمثابة محرك لحالات الزواج المبكر، إذ عادة ما يتم تزويج الفتيات لحفظ شرفهن. وفي بعض الحالات «يتفق» رجال على الزواج بفتيات صغيرات السن في وقت لاحق كوسيلة للم شمل الأسر والمجتمعات.

ومثل هذه الزيجات عادة ما يكون لها عواقب صحية وخيمة. فمثلا، توجد في النيجر أعلى معدلات الإصابة بناسور الولادة، وهي حالة مرضية تصاب بها الفتيات والتي عادة ما تحدث عندما يلتصق الجنين بالحوض، مما يؤدي إلى توقف الدورة الدموية وتعفن الأنسجة. وإذا لم يتم علاج هذه الحالة، فقد تعاني الأم من سلس البول والبراز، مما يؤدي إلى أشكال أخرى من العدوى، إضافة إلى مشكلات اجتماعية ونفسية.

عندما ألحقت بالكي بالمستشفى، كانت تعاني من أنيميا نقص الحديد، وهي أحد الأسباب الرئيسية لوفاة الأمهات في المستشفيات، والتي تزيد من خطر الإصابة بالنزيف والعدوى أثناء الولادة. يذكر أنها لم تحصل على الغذاء الكافي خلال ستة أشهر. وقد صارع جسدها الصغير النحيل من أجل نقل نسبة الحديد الضئيلة لديها إلى جنينها. وكتقليد متبع، أمضت الشهور القليلة الأخيرة من فترة حملها مع والديها. ويوما بعد يوم، كانت تقل الكميات التي تحصل عليها من الذرة البيضاء، الغذاء الوحيد المتاح لها. وأجبر والدها على العمل بنظام اليومية. وكان أكبر دخل يحصل عليه يوميا يتراوح ما بين 1 و1.50 دولار يوميا، وهو ما يكفي بالكاد لإطعام أسرة مؤلفة من 15 فردا. ويقول والد بالكي، محمد سولي: «أحيانا ما كنا نجد الغذاء، وأحيانا ما لم نكن نأكل». ويضيف: «في أي وقت يتبقى فيه لدينا طعام، كنا نعطيه لبالكي. وإذا لم تشعر بالشبع، لم يكن بوسعنا القيام بأي شيء».

أعلنت منظمة «رعاية الأطفال» مؤخرا أن النيجر أسوأ مكان في العالم للإنجاب، لتحل محل أفغانستان التي مزقتها الحرب. وفي تقريرها، توصلت المنظمة غير الحكومية إلى أن الفتاة العادية في النيجر لا تتلقى إلا أربع سنوات من التعليم ويبلغ متوسط عمرها نحو 56 عاما. ويموت طفل واحد من بين كل سبعة أطفال قبل أن يتم عامه الخامس، مما يعني أن «كل أم في النيجر من المرجح أن تفقد أحد أطفالها». وأشارت المنظمة إلى أنه ليس من قبيل المصادفة أن سبع دول من بين العشر الواردة في ذيل قائمتها السنوية تعاني من أزمة غذاء. تدور الأمهات الشابات في «حلقة مفرغة»، حيث يلدن «أطفالا مبتسرين لم يحصلوا على الغذاء الكافي في رحم أمهاتهم».

وفي اليوم الذي كان من المقرر أن تلد فيه، نزفت بالكي بغزارة وكانت على شفا الموت. ولو كتب لوليدها الحياة، لكان ناقص الوزن بدرجة مفرطة ولتأثر نموه الذهني والجسدي جراء سوء التغذية.

وفي ظل ثقافة تشجع إنجاب عدد كبير من الأبناء، للمساعدة في الأعمال المنزلية وفي الحقول، يتم الضغط على بالكي بشدة من أجل إنجاب طفل. وفي جناح الولادة، قال أقاربها إنها قد تسربت من المدرسة قبل عامين. وقالت جدتها، أمينة أدو: «إذا لم تكن الفتاة تذهب إلى المدرسة، فماذا ستفعل؟ سيكون عليها أن تتزوج وتنجب». وبعد بضع دقائق، قالت عمتها سا رابيو: «بعض صديقات بالكي ممن هن في نفس عمرها لديهن بالفعل طفلان».

يسترجع القاضي عمر بوبكر، الذي يتعامل مع قضايا إساءة استغلال الأطفال في مارادي، قصة نادرة لزواج مبكر تعامل معه زميل والذي يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الحكومة في القضاء على هذه الممارسة. إذ وعد عم فتاة عمرها 13 عاما بتزويجها من شخص يدين له بمبلغ من المال كوسيلة لتسديد دينه، ولكن من دون علم أبيها. وعندما علم والدها بهذا الزواج المرتقب، سارع بتزويجها برجل آخر. ولما علم عمها، الذي يعتبر أيضا الوصي عليها بموجب التقاليد المحلية، قام برفع دعوى قضائية ضد أبيها.

وقف القاضي في صف أبيها وسمح بالزواج الأول، على حد قول بوبكر. وبشكل قانوني، قال القاضي، إنه كان من اللازم أن يقضي ببطلان الزواج لكون الفتاة دون سن الخامسة عشرة. وقال إن «التقاليد والدين محركان قويان جدا»، مضيفا أنهما أقوى من الالتزام بالقانون.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»