زيباري: السفير المنشق كان يمضي معظم وقته في سوريا

وزير الخارجية العراقي قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن هناك كثيرين يقفزون من السفينة الغارقة

هوشيار زيباري
TT

قال وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري إن السفير السوري في بغداد الذي أعلن انشقاقه عن النظام في دمشق كان قليل الوجود في بغداد؛ إذ كان يأتي إليها مرة كل شهرين. واعتبر زيباري انشقاق نواف الفارس، وقبله آخرون، بمثابة «القفز من السفينة» التي تغرق.

والتقت «الشرق الأوسط» الوزير زيباري في باريس بمناسبة وجوده فيها لحضور تدشين مبنى السفارة العراقية الجديد القائم في جادة «فوش». والتقى زيباري عصر أمس وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس للتشاور في الأوضاع الإقليمية وأولها الملف السوري.. وقد شارك زيباري في لقاء جنيف لـ«مجموعة العمل» التي شكلها المبعوث الخاص للأزمة السورية كوفي أنان. وفي ما يلي نص الحوار:

* ما قصة انشقاق السفير السوري في بغداد نواف؟

- أمانة، انشقاق السفير السوري شكل بالنسبة لنا مفاجأة. ولكن بعد التحقيق الذي أجريناه مع كل الأطراف، والكشف على تحركات السفير في الأيام الأخيرة، تبين أنه أعلن انشقاقه وهو خارج العراق، أي إنه ترك العراق. وهو موجود على الأرجح في تركيا أو قطر (أعلن في وقت لاحق أن السفير في قطر)؛ إذا وبالتأكيد، هذا السفير ليس موجودا في العراق. وكل معلوماتنا عنه أنه سفير معتمد لدى العراق منذ عام 2008. ومنذ اندلاع الحركة الاحتجاجية في سوريا، كان قليل الوجود في بغداد، ومعظم أوقاته كان يمضيها داخل سوريا، وكان يأتي إلى السفارة مرة كل شهرين أو ما قارب.

* هذا انشقاق أول دبلوماسي سوري من هذا المستوى وقبل أيام انشق العميد مناف طلاس وقبلها جنرالات وضباط من رتب مختلفة وأسلحة مختلفة. كيف تقرأون هذه الانشقاقات؟

- الواقع أن الأزمة تشتد في سوريا من ناحية استخدام العنف، أو توسع دائرة الاحتجاجات، أو من جهة أن هناك المزيد من الناس يقفزون من السفينة.

* أي إنها اقتربت من الغرق؟

- هذا هو الانطباع. فهذه القيادات العسكرية والمدنية وبعض رجال الأعمال أخذوا يرون أن الأوضاع لا تسير على ما يرام.. وحاليا، الجهود كلها تبذل باتجاه الضغط نحو العثور على حل سياسي مشرف أو معقول.. وعملية انتقال سياسية منضبطة في سوريا حتى لا تكون هناك تداعيات على الدول الأخرى في المنطقة مثل لبنان والأردن والعراق وتركيا. هذا همنا حقيقة، ولدينا قلق ومخاوف من أسلوب عملية التغيير ومدى انضباطية عملية الانتقال السياسي. وإلا؛ فموقفنا معروف منذ قمة بغداد ومن خلال المبادرة العراقية التي هي قريبة جدا مما طرحه كوفي أنان: وقف العنف، وعدم تدخل دول الجوار بأي شكل من الأشكال، وعدم تسليح الطرفين، وتفويض الرئيس صلاحياته لمن يراه، وإجراء حوار بين المعارضة وأطراف مقبولة في الحكم تؤدي إلى حكومة انتقالية. وكل ذلك من شأنه تهيئة الأجواء لإقرار دستور والاستفتاء عليه، تتبعه انتخابات عامة. هذا ما يراه العراق، وهو ما عرضناه في جنيف (في إطار مجموعة العمل).

الوضع كما نراه صعب ومتأزم، ولكن الأمور وصلت إلى مرحلة المعالجات: مباحثات ومبادرات ومؤتمرات..

* لقد حضرت اجتماع جنيف وشاركت من الداخل في ما حصل وتحديدا في بلورة «ورقة» جنيف التي ينظر إليها على أنها خارطة الطريق لتطبيق مبادرة أنان ذات النقاط الست.. ولكن كيف يمكن شرح الخلاف الذي اندلع مباشرة بعد الاجتماع في تفسير بنود الورقة؟ وفق قراءتك، هل سيكون للأسد، وفق صياغة الورقة وبحسب فهمك لها والمناقشات التي سبقت إقرارها، دور في عملية الانتقال السياسي أم لا؟

- في جنيف حصلت مجموعة من التوافقات، ونحن شاركنا في كل المشاورات والجلسات. وكل ما صدر عن جنيف، كان لنا رأي ودور فيه. الخلاف كان حول مشروعية اللجوء إلى مجلس الأمن والفصل السابع. عدة أطراف تدخلت وأكدت أن لا فائدة من السعي للتفاهم مع الأسد ولذلك من الضروري العودة إلى مجلس الأمن واستصدار قرار ملزم تحت الفصل السابع. لكن الجانب الروسي كان له رد فعل؛ إذ قال: نحن مجلس الأمن وليس أنتم (متوجها إلى قطر وتركيا والآخرين غير الأعضاء في مجلس الأمن). وبرأيه أنه ليس لهذه الدول أن تقول لمجلس الأمن ما يتعين عليه فعله أو عدم فعله؛ بل إن ذلك من صلاحيات أعضاء المجلس الحصرية. وبحسب الوزير الروسي، فإن أنان طرح خطة «النقاط الست»، ولذا يتعين تجريب تطبيقها لرؤية ما إذا كانت ستنفذ أم لا. وإذا لم تنفذ يمكن العودة إلى مجلس الأمن للنظر في الخطوات المقبلة. لذا رفض في جنيف إعطاء التزام بقبول اللجوء إلى مجلس الأمن تحت الفصل السابع.

النقطة الأخرى التي شهدت جدلا تتناول عملية الحوار (بين النظام والمعارضة)؛ إذ قبل البدء في عملية الانتقال السياسي وتشكيل مجلس انتقالي تنفيذي وحكومة انتقالية، لا بد من حوار. والحوار يجب أن يكون بين المعارضة والحكومة. لكن المفاوضين الحكوميين يجب أن يكونوا من غير الذين تلطخت أياديهم بالدماء، أو أن لا تكون عليهم إشكالات أمنية أو قانونية. والحضور يكون بالتوافق المتبادل، أي يحق لأي طرف الاعتراض على حضور هذا أو ذاك من الطرف الآخر.

الموضوع الخلافي الآخر تناول مسألة العقوبات أو الحظر العسكري والاقتصادي على سوريا. وقال الوزير الروسي (لافروف): أنتم عندما فرضتم عقوبات على سوريا لم تستشيرونا؛ لا أنتم بصفتكم دولا عربية، ولا أوروبا أو أميركا. لماذا تأتون اليوم لتجبرونا على قبول العقوبات؟ لا. أما بالنسبة للتسليح، فقد قال الروس: ثمة دول تسلح المعارضة وأخرى تمولها. ونحن لدينا عقود تسليحية مع النظام يتعين علينا تنفيذها شرط أن لا تستخدم ضد المدنيين. والحل الذي اخترع توافقيا هو عدم عسكرة النزاع بحيث تنطبق هذه الصيغة العامة على الطرفين (النظام والمعارضة). أما بشأن الإجراءات الميدانية (المنصوص عليها في خطة أنان) والانسحاب من المدن (الآليات العسكرية والقوات)، فقد تساءل الروس: ما الذي سيحصل بالنسبة للمعارضة التي تسيطر على كثير من المناطق والمدن وبالتالي من يضمن انسحابهم؟ والصيغة التي عثر عليها تقول بضرورة الانسحاب من غير الاهتمام بما يقوم به الطرف الآخر.

* كوفي أنان زاركم في بغداد وأفاد الأخير أن أفكارا متبادلة طرحت. وسؤالي: ما الذي عرضه عليكم أنان وما اقترحه العراق؟

- عندما التقيناه في جنيف، قلت لأنان: أنت تروح وتجيء بين العواصم ولا تأتي إلى بغداد، علما بأن العراق يمكن أن يساعدك أكثر من أي بلد آخر، وقبل أن تكلف بمهمة الوساطة، أيدت قمة بغداد تفويضك وما ستقوم به في سوريا.. لذلك مجيئك إلينا ضروري على الأقل لسماع ما نقوله نحن لأننا طرف معني (بما يحصل في سوريا). والحقيقة أن أنان جاء ليستمع. وهو وصل إلى بغداد قادما من طهران. وتناول في حديثه عدة نقاط أولها أنه من الضروري مساهمة إيران في الجهود، ونحن مع هذا الرأي.. حقيقة، طرف.

* لهذا السبب يرفضها الغرب لأنها طرف؟

- أعلم ذلك. ولكن إذا أردت أن تجد حلا للمشكلة، يتعين عليك جمع الأطراف للتعاون على حلها.

النقطة الثانية التي أثارها أنان تتناول كيفية التعاطي مع العملية السياسية. وتساءل أنان: هل يمكن الاستفادة من التجربة العراقية؟ والجواب أن تجربتنا في عام 2004 قد تكون مفيدة، لأننا وقتها كنا نعيش حالة فوضى أمنية وسياسية، ووقتها أرسل أنان وكان أمينا عاما للأمم المتحدة، لنا الأخضر الإبراهيمي إلى بغداد ومعه (الوزير اللبناني الأسبق) غسان سلامة. وقد عملا مع كل الأطراف لتشكيل حكومة انتقالية بالتراضي (وليس بالانتخاب) رأسها الدكتور إياد علاوي وبرعاية أممية مع تحديد مهمتها بالتحضير للانتخابات. ألا يمكن الاستفادة من هذه التجربة لتخطي المأزق الحالي في سوريا وتشكيل حكومة انتقالية مؤقتة؟

* لكن المشكلة تكمن أساسا في أن النظام في سوريا على ما يبدو لا يريد سوى الحل الأمني؟

- صحيح. وهذا (الخيار) خطأ.

* إذن كيف تستطيع العمل لحل سياسي إذا كان النظام يسعى لحل أمني؟

- صحيح العنف زاد والقتل زاد وتنفيذ خطة أنان لم يبدأ بعد. لكن السؤال: من لديه حل أفضل (للأزمة في سوريا)؟

* رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أصدر بيانا عقب لقائه أنان جاء فيه أنه «طرح أفكارا». ما هذه الأفكار؟

- لدينا خطة. ولقد عرضنا على أنان المساعدة وقلنا له: إذا أردت أن نتحدث للسوريين مباشرة وأن نزور دمشق ونلتقي الرئيس الأسد، فنحن حاضرون ومستعدون، وذلك من موقع أننا لسنا دولة معادية، وهم يعرفون مواقفنا ومتيقنون أننا مستقلون في طروحاتنا وسيكون لكلامنا وقع أفضل. ولكن طلبنا لذلك تغطية عربية ودولية.

* ما دور إيران في مجمل هذه العملية؟

- إيران لها بالتأكيد مصالح في سوريا وتحالفها مع دمشق ليس جديدا.

* هل من بعض تأثيرات الدور الإيراني دفع الأسد لالتزام موقف متشدد؟

- حتى الإيراني عندما تتحدث إليه، فهو يقول لك إنه مع الشعب السوري ومع كل ما يقرره الشعب السوري. ولكن لإيران مصالح مع النظام وفي لبنان مع حزب الله، وتستفيد من الإطلالة على البحر الأبيض المتوسط. ومصالحها الإقليمية والاستراتيجية والجيوسياسية تعتبرها مهددة في حال سقوط النظام أو إذا حصل تغيير سياسي باتجاه المد الإخواني السلفي.. وبالتأكيد، فإن الأوضاع ستصبح أكثر تعقيدا بالنسبة لهم من الناحية الاستراتيجية. لذلك، فإن إيران تسعى للإبقاء على هذا النظام لأطول وقت ممكن.

* هل يمكن أن نتصور أن تسير إيران في «حل وسطي»؟

* أي بلد مهما يكن حجمه وقوته يفكر بداية بمصالحه؛ بما فيها روسيا التي أخذت تتحدث إلى المعارضة السورية. ولا يضع أي طرف «كل بيضه في سلة الأسد». هذا البلد يرى أن مصالحه مع الشعب السوري. وهذا يمكن أن ينطبق على إيران، ونحن في العراق كذلك.

* ما الثمن المطلوب روسيًّا لتفك موسكو تحالفها مع نظام الأسد؟

- بالنسبة لروسيا؛ المسألة أولا مبدئية؛ أي دور روسيا في النظام العالمي ولمن تعود سلطة القرار؛ هل دولة أم مجموعة دول أم منظومة الأمن الجماعي (مجلس الأمن)؟ الروس يشعرون أنهم خدعوا في ليبيا وفسرت القرارات (الخاصة بليبيا) بشكل مخالف. وهم يقولون: لن نسمح أبدا بتكرار ذلك.

* مشروع القرار الغربي (المقدم إلى مجلس الأمن) يشير للفصل السابع، ولكن من غير اللجوء إلى القوة العسكرية؟

- صحيح. ولكن روسيا كلما تشير إلى الفصل السابع، فإن رد فعلها هو الرفض.

* ولكن ماذا عن «تطور» الموقف الروسي الذي يقال إنه حاصل؟

- هناك تغيير، وفي تقديري أن هناك نوعا من التفاهم الروسي–الأميركي على معالجة الأزمة السورية. فقد لاحظنا وجود تغيير في الموقف الروسي في اتجاه إيجاد مخرج. ولم تعد روسيا تقابل أي طرح بالرفض المنهجي. والتوافقات التي حصلت في جنيف والتي تحدثت عنها سابقا تبين أن الروس مستعدون (لتسوية) ويشعرون أن موقفهم في العالم العربي وأمام الرأي العام العربي ليس إيجابيا، ولديهم مصالح فيه يتعين أخذها بعين الاعتبار.