السفير السوري المنشق ينتقل من بغداد إلى أربيل فقطر.. ولم يقرر مكان استقراره بعد

قال إن إيران هي سبب من أسباب المشكلة في سوريا .. ولا يمكن أن تشارك في الحل

TT

أكدت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط» أن السفير السوري المنشق نواف الشيخ فارس انتقل إلى محافظة أربيل حيث يقيم «لدى بعض الأصدقاء»، في انتظار انتقاله إلى قطر، ومنها إلى دولة أخرى. فيما أشارت مصادر في المعارضة السورية لـ«الشرق الأوسط» إلى أن اتصالا تم من موسكو بين رئيس المجلس الوطني السوري عبد الباسط سيدا والسفير المنشق، أطلع خلاله الأخير رئيس المجلس الوطني على ظروف انشقاقه و«الوضع المهتز» داخل النظام. وأشار الفارس إلى أنه بصحة جيدة، لكنه لم يقرر بعد أين سيستقر.

وكانت قناة «العراقية» الرسمية نقلت عن وزير الخارجية، هوشيار زيباري، قوله إن «السفير السوري غادر البلاد وهو الآن في قطر». ولاحقا أطل فارس، عبر قناة «الجزيرة»، مؤكدا أنه كان «منذ اليوم الأول مع الثورة السورية»، مضيفا «لكن هناك ظروفا خاصة حتّمت بقائي حتى الآن لإعلان انشقاقي، وأنا تاريخيا في مسيرتي كنت معارضا وضد الممارسات الخاطئة التي أوصلت سوريا إلى ما وصلت إليه، وقد كان النظام يعدنا بوعود الإصلاح التي تبين أنها سراب، بل أتت بمزيد من القتل والتشريد والتدمير». وقال «كان لديّ أمل، وكان هناك اتصال بشكل مباشر مع الرئيس السوري بشار الأسد بأنه ستكون هناك خطوات إصلاحيّة متقدّمة، وقد كُلّفنا بنقلها للشارع، كما وعد بالإصلاح في كل شيء، في الحزب والإدارة والسياسة والديمقراطية وقانون الأحزاب والدستور، وأوهمنا بأنه مقتنع بأن العالم تغيّر وعلينا التغيّر، لكن لم يتم تغيير أي منهج من مناهج النظام، وكل شيء بقي بيد الرئيس، والحزب كله غطاء لقيادة فرد ديكتاتور في سوريا، وإلغاء المادة الثامنة لن يُقدّم ولن يؤخّر، فالحكومة بيد الرئيس والحزب والمحافظين الانتخابات، فما نفع الدستور الجديد». وأضاف «التعددية الحزبية وهمية وشكلية، لأن كل شيء بيد وزير الداخلية الذي يوافق على حزب ويرفض حزبا آخر وفق قانون الأحزاب الجديد».

وشدد الشيخ فارس على أنه لم يود «إحراج السلطات العراقية بإعلان الانشقاق من العراق، كون الحكومة العراقية على علاقة جيدة بالنظام السوري»، وأضاف «فضّلت الخروج من العراق وإعلان انشقاقي، وبالطبع كانت هناك بعض الجوانب التنسيقية مع المعارضة، وأعلنت انضمامي لثورة الشعب السوري وبالدرجة الأولى للمعارضة الداخلية وللجيش السوري الحر والتنسيقيات والثوار الذين يدفعون الدم»، مضيفا «كما أن المعارضة في الخارج بذلت جهدا، لكن هناك فجوات بين الداخل والخارج، وهناك عتب كبير عليهم، وأعرف بماذا يتحدّث الشعب السوري عن المعارضة في الخارج».

وقال «لن أتحدث عن ظروف انشقاقي لأنها قد تكون هي نفسها المستخدمة في انشقاقات أخرى وذكرها سيضر بالثورة». وأضاف «أنا من الأساس متواصل مع التنسيقيات، وهم بحاجة لكل شيء، وسنعمل لمساعدتهم، وأنا جزء منهم، فهم أهلي وإخوتي، وبقدر ما أستطيع سأساعد». وأردف «انشقاقي تم بخفاء كبير عن السلطات العراقية، وكنت حريصا على عدم إحراجهم».

وإذ توقع «الكثير من رد الفعل من السلطات السورية كالذي يحصل مع الشعب السوري كله من تدمير وقتل منهجي على مرأى كل العالم الذي يقف عاجزا أمام هذه الجرائم البشعة»، أوضح الشيخ فارس أن «موقع السفير هو موقع متقدم، وهو يمثل رئيس البلاد في الدولة التي هو فيها، ولديه خبرة وعلاقات، وبالتالي انشقاق أي سفير يكون له أثر كبير».

وعن قوّة النظام السوري، قال الشيخ فارس «البنية الأمنية والعسكريّة هي التي يملكها النظام السوري، وهو لا يمتلك أي بنية شعبيّة في الطوائف على اختلافها». وسأل «لكن إلى متى يستطيع الجيش البقاء متماسكا؟ لقد بدأت الانشقاقات تنهك الجيش وكذلك الأجهزة الأمنية».

وعن مقارنة النظام السوري بالنظام الليبي السابق بقيادة العقيد معمر القذافي، قال «النظام الليبي مختلف عن النظام السوري في كثير من أمور، والظروف الدولية التي أحاطت بالثورة الليبية مختلفة عما يحصل مع سوريا، فالمجتمع الدولي تدخل فورا في ليبيا، مما أعطى دفعا كبيرا للثورة الليبية، فيما الوضع السوري مختلف. الانشقاقات ستحصل، وقد بدأت وهي تؤثر بشكل كبير، لكن المعوّل عليه هو الشعب السوري، الذي منذ اليوم الأول اعتمد على الله وعلى نفسه فقط، ورفع ذلك شعارا منذ اليوم الأول لأنه يدرك أن النظام لن يُقدّم أي تنازل مهما تحدث المجتمع الدولي عن مبادرات ومؤتمرات».

وتوجّه السفير السوري المنشق إلى رئيس الوزراء العراقي، وقال «أذكّر نوري المالكي وأقول له أنت تعرف تماما ماذا فعل الأسد بالشعب العراقي، وأجهزتك الأمنية تعرف تماما أن آلاف العراقيين قتلوا على يد الأسد، وكل القوى السياسية العراقية تعرف ذلك، ولدي بالتالي عتب كبير على موقف المالكي الذي يتناقض مع وقائع الأمور، فهو يعرف تمامًا ماذا فعل بشار الأسد به هو وبالإخوة الشيعة، فقد قتل الآلاف بالتفجيرات وعبر تنظيم القاعدة، فبشار الأسد فتح الأبواب لقتل الشعب العراقي وعقد اتفاقات شرف مع (القاعدة) في هذا الخصوص».

وأوضح الشيخ فارس «العراق له موقفان، موقف داخلي مدرك تماما ولا يريد للنظام السوري أن يستمر، وموقف معلن لاعتبارات يُقدّرها ويراعي ويجامل فيها، فهناك ضغوط من إيران على العراق كله وعلى سوريا وعلى لبنان وعلى المنطقة كلها للأسف». واستغرب «الموقف الإيراني كون الإخوة الشيعة تقوم مرتكزات مذهبهم السياسية على المظلوميّة ورفع الظلم»، وسأل «أين هم من الظلم الذي يقع على الشعب السوري الذي يذبح بكامله، وهم يعرفون تماما النظام السوري الفاسد والقاتل؟». وأضاف «لا يجوز إطلاقا لإيران أن تقف مع ديكتاتور يذبح شعبه بهذه الطريقة أيا تكن المصالح، فمصلحتها مع الشعب لا مع النظام، وبشار الأسد سينتهي عاجلا أم آجلا». وتابع «إيران هي سبب من أسباب المشكلة في سوريا فكيف تكون جزءا من الحل؟.. فهي التي تشجّع الأسد على البقاء بالحكم، وبالتالي من غير المقبول أن يتم إشراك الجهة التي أسهمت في قتل الشعب السوري في الحل، ولا يستطيع أحد أن يفرض على الشعب السوري أي حل رغما عن إيران وكل الدول المشاركة في تغطية النظام السوري».

واعتبر الشيخ فارس أن «انتصار الثورة السورية سيكون بإرادة الشعب، والتاريخ بليغ في دروسه في هذا المجال، وعمليا لا خارطة طريق للحل في وجود نظام بشار الأسد، لأن أي خطة يُتّفق عليها دوليا مستحيل أن ينفذها لأنه لن يرحل عن الكرسي إلا بالقوّة، والشعب السوري يدرك هذا الأمر، وإمكانيّاته كبيرة». وأضاف «بشار الأسد قتل ما لا يقل عن 30 ألف سوري حتى الآن، وغيّب عشرات الآلاف، وسجن مئات الألوف، وهجّر الملايين، فبأي منطق يُفرض بقاء هذا المجرم بعد كل هذه المآسي التي لحقت كل بيت في سوريا؟! فبرحيل بشّار يمكن كل شيء، لكن لا حل في وجوده».

ومن جهتها، تبرأت وزارة الخارجية السورية من السفير السوري المنشق نواف الفارس، وقالت إنها أعفته من مهامه كسفير لسوريا لدى العراق. وقالت الخارجية في بيان صدر يوم أمس إن نواف الفارس أدلى أول من أمس بتصريحات إعلامية «تتناقض مع واجبه الوظيفي بالدفاع عن مواقف القطر وقضاياه الأمر الذي يستوجب المساءلة القانونية والمسلكية»، مشيرة إلى أن الفارس كان قد «غادر مقر عمله في السفارة السورية في بغداد من دون الحصول على موافقة مسبقة من وزارة الخارجية والمغتربين كما تنص التعليمات المعمول بها في السلك الدبلوماسي والبعثات الدبلوماسية».

وأعلنت الوزارة أن نواف الفارس قد «أعفي من مهامه أصولا ولم تعد له أي علاقة بالسفارة السورية في بغداد أو بوزارة الخارجية والمغتربين»، وأن السفارة السورية في بغداد ستواصل «عملها المعتاد».