قاعدة عائمة للولايات المتحدة في الخليج تضيف قوة جديدة لمواجهة إيران

السفينة «بونس» ستكون منصة لانطلاق المقاتلات وتنفيذ عمليات عسكرية تخريبية ومحاربة الإرهاب

طائرة هليكوبتر تحلق فوق «بونس» في مكان لم يحدد ( نيويورك تايمز)
TT

وصلت واحدة من أقدم سفن النقل التابعة للبحرية الأميركية، التي تحولت الآن إلى واحدة من أحدث منصات انطلاق العمليات الحربية، قبالة الشواطئ البحرينية قبل أيام، في إضافة كبيرة إلى الوجود الموسع للقوات الأميركية في الخليج العربي بهدف مواجهة إيران.

كان العمل في إنشاء السفينة، التي تحمل اسم «بونس»، قد بدأ في عام 1966، ومع اقترابها من نهاية الخدمة، كان من المفترض أن يتم تكهينها، إلا أنها ولدت من جديد في صورة قاعدة عائمة أمامية لانطلاق العمليات العسكرية الهامة في أنحاء المنطقة وهي أحدث مثال لطريقة الحرب الأميركية الجديدة.

وكان مقصودا أن تكون أول مهمة للسفينة «بونس» في ثوبها الجديد مهمة محدودة ودفاعية، وهي أن تكون مركزا لعمليات إزالة الألغام في مضيق هرمز، في محاولة للتصدي للتهديدات التي أعلنتها طهران بإغلاق ذلك المجرى المائي التجاري الحيوي. وفي إطار هذا الدور، سوف تكون السفينة «بونس» منصة لانطلاق المروحيات ومقرا لفرق الغواصين تحت الماء ومحطة خدمات بحرية لتزويد كاسحات الألغام البحرية بالوقود والصيانة.

ولكن في ظل الإضافة البسيطة نسبيا المتمثلة في وضع ثكنات مجزأة على السطح، فإن السفينة «بونس» أصبح يمكنها أيضا أن تصبح قاعدة متحركة لانطلاق عدة مئات من قوات العمليات الخاصة من أجل تنفيذ مهام مثل إنقاذ الرهائن ومحاربة الإرهاب والاستطلاع والقيام بعمليات تخريبية وتوجيه ضربات عسكرية مباشرة. وحتى مع إضافة الثكنات، فما زال هناك متسع كبير للمروحيات والقوارب الصغيرة السريعة التي يفضلها جنود الكوماندوز.

ورغم أن الحلفاء والأصدقاء لهم دور مهم، فمن الممكن أن يعترضوا على انطلاق مهام أميركية من قواعد عسكرية داخل أراضيهم، لذا فإن السفينة «بونس» تعمل في المياه الدولية. ومع إدراك مدى أهمية عنصري المفاجأة والسرعة بالنسبة لنجاح العمليات العسكرية، فإن السفينة «بونس» تستطيع الإبحار بالقرب من مناطق الصراعات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن امتلاك القدرة على تنفيذ مهام متنوعة لصالح مختلف أفرع القوات المسلحة له قيمة أكبر من مجرد توافر منصة أسلحة لا تفعل سوى شيء واحد لصالح فرع واحد من أفرع الجيش.

وينظر قادة إيران إلى السفينة «بونس» بنظرة مختلفة بالطبع، حيث انتقدوا بشدة عمليات حشد القوات الأميركية، متهمين واشنطن بتصعيد وجودها العسكري بصورة استفزازية (كما تضمنت التعزيزات الأميركية مضاعفة عدد كاسحات الألغام إلى 8 وإضافة المقاتلات والطائرات الحربية الهجومية التابعة للقوات الجوية)، بل وهدد أحد قادة الحرس الثوري الإيراني بأن بلاده سوف تتصدى لتلك التحركات عن طريق إصدار أوامر بزيادة عدد الصواريخ التي يمكنها تهديد السفن الحربية الأميركية وقواعدها العسكرية داخل الدول المتحالفة معها في المنطقة.

وتوجد قناعة لدى البحرية الأميركية بأن القدرة التي تقدمها السفينة «بونس» ضرورية بالنسبة للعمليات العسكرية المستقبلية، وقد اقترحت أن يستكمل الكونغرس برنامجا ممتدا لمدة 4 سنوات بتكلفة 1,2 مليار دولار من أجل بناء سفينتين جديدتين مخصصتين فقط لما سماه سلاح البحرية «قواعد انطلاق أمامية عائمة». وذكرت أليسون ستيلر، نائبة السكرتير المساعد لشؤون برامج السفن في سلاح البحرية الأميركية، أن السفينتين، اللتين لا تزالان تحت الإنشاء، هما أول سفينتين يتم بناؤهما خصيصا لهذه المهمة، في مقابل السفن الحربية التي يتم تكليفها مؤقتا بهذه المهمة. ومن المقرر أن تكون أولى السفينتين الجديدتين متاحة بحلول عام 2015، والثانية بعدها بعام، إذا وافق الكونغرس على الطلبات المتعلقة بالميزانية.

وقال اللواء بحري كينيث بيري، نائب قائد قيادة الألغام والعمليات الحربية المضادة للغواصات في الأسطول الأميركي: «إن قاعدة الانطلاق الأمامية العائمة تمنحنا القدرة على نقل إمكانات مواجهة الألغام هذه إلى مسرح العمليات مباشرة».

ويعمل اللواء بيري في سان دييغو، إلا أنه تحدث عن دور السفينة «بونس» أثناء حوار هاتفي من مقر الأسطول الخامس الأميركي في البحرين، الذي انتقل إليه كي يتولى الإشراف على تدريبات إزالة الألغام، وربما مستقبلا عمليات إزالة الألغام.

وقد دأب الجيش الأميركي طوال عقود على الاستعانة بالعديد من السفن الحربية وبواخر تقديم الخدمات كمنصات لانطلاق العمليات، سواء في حملة الهجوم على جزر المحيط الهادي أثناء الحرب العالمية الثانية أو الحملات النهرية أثناء حرب فيتنام. وفي مثال أحدث وأكثر ابتكارا، قام الأسطول الأميركي بتفريغ حاملة الطائرات «كيتي هاوك» من الطائرات الحربية الهجومية قبل غزو أفغانستان عام 2001 وتسليمها إلى قوات العمليات الخاصة من أجل شن غارات على أهداف من حركة طالبان.

وقد اكتسبت فكرة إنشاء أسطول خاص من القواعد العائمة جاذبية كبيرة في تسعينيات القرن الماضي، مع تقليص حجم القوات المسلحة الأميركية عقب انهيار الشيوعية والبحث عن سبل للعمل بصورة مستقلة قرب المناطق المتنازع عليها. وكان من بين الأفكار المطروحة سحب منصات عملاقة للتنقيب عن النفط البحري إلى منطقة النزاع وربطها معا بحيث تشكل مطارا كبيرا بما يكفي للمروحيات بل وحتى طائرات النقل، وتم رفض هذه الفكرة في النهاية لأن المنصات ستكون مكشوفة للغاية أمام أي هجوم ولن تتمتع بما يكفي من سهولة الحركة.

ويقوم تصميم القواعد العائمة على تطوير لما يسمى بمنصة الإنزال المتحركة، التي تستخدم في نقل قوات المارينز ومعداتهم القتالية من السفينة إلى الشاطئ. وتقوم ببناء منصات الإنزال هذه شركة «جنرال دينامكس ناسكو»، وهي الشركة نفسها التي تتولى إنشاء القواعد العائمة الجديدة، التي تبدو للعين غير المدربة شبيهة للغاية بناقلات النفط. ولكي تتناسب مع المهام الكثيرة لمختلف أفرع القوات المسلحة على متن القاعدة العائمة، فسوف يتم تجهيز هذه السفن بحظيرة للمروحيات على السطح وبوابات دخول للقوارب الصغيرة السريعة، كما سيقام على متنها جناح طبي ووحدة لتنقية المياه.

وتوضح ستيلر، المسؤولة بالبحرية: «ستكون سفينة (مبنية خصيصا) بحيث تتمتع بتلك الإمكانية، بينما كنا نأخذ السفينة بونس ونقوم بتحويلها كي توفر تلك الإمكانية، أو نأخذ سفينة أخرى من نشاطها الطبيعي لأداء هذه المهمة».

وأشار مسؤولو البنتاغون والأسطول إلى أن العمل الذي استمر لعقود من أجل الحصول على قاعدة انطلاق أمامية عائمة تم إسراع وتيرته، ليصبح أخيرا حقيقة واقعة، بسبب الضغوط القادمة من قادة العمليات العسكرية العالمية، وخاصة من كبار الضباط في القيادة المركزية وقيادة العمليات الخاصة.

وأكد المقدم تي جي تايلور، المتحدث باسم القيادة المركزية: «إن عمليات مكافحة الألغام حيوية للغاية من أجل حماية خطوط المواصلات البحرية عن طريق تحديد مواقع الألغام البحرية وإبطال مفعولها. الألغام البحرية لا تفرق بين ضحاياها وتستلزم وضع برنامج مضاد فعال لضمان سلامة جميع السفن البحرية».

* خدمة «نيويورك تايمز»