اجتماع للقادة الميدانيين في إدلب يعكس إحباطهم من نقص المال والسلاح

80 مجموعة قتالية تعمل في إدلب وحدها.. وتتنافس على الموارد.. والبعض يبيع سياراته وعقاراته لتمويل الثورة

مجموعة من عناصر الجيش السوري الحر المنتمية لكتيبة الفرسان بالقصير أول من أمس (أ. ف. ب)
TT

وقف قائد إحدى كتائب المعارضة السورية المسلحة، ويدعى أبو مؤيد، ولوح بذراعيه بشدة في وجوه القادة الآخرين الذين احتشدوا في غرفة تغمرها أشعة الشمس الحارقة، قائلا: «إن مقاتليه بحاجة إلى المال والسلاح، ولكنهم لا يتلقون الدعم الذي وعد به المانحون وقادة المعارضة في الخارج».

وصرخ أبو مؤيد قائلا: «إننا نقترض المال لإطعام جرحانا، ولا يتم توزيع السلاح، ونحن الذين ندفع ثمن كل أسلحتنا».

وتناول اجتماع القادة الميدانيين، الذي عقد بعد صلاة الجمعة في مدينة أنطاكيا التركية قرب الحدود الشمالية لسوريا، أولويات التشكيلات المسلحة للمعارضة السورية في هذه المرحلة من النزاع المتفجر منذ 17 شهرا، ودار نقاش محدود عن أعمال القتل الجماعية التي شهدتها قرية التريمسة، على الرغم من أن القادة العسكريين للمعارضة المسلحة قد سمعوا بها، وأن واحدا منهم على الأقل قد فقد أقارب له في تلك المجزرة. ولم يتطرق الاجتماع للحديث عن المراقبين الدوليين التابعين للأمم المتحدة أو مبعوث السلام كوفي أنان أو المناقشات التي لا تنتهي في مجلس الأمن، والتي تهدف إلى إنهاء النزاع في سوريا. وبدلا من ذلك، ركز القادة على الأساسيات اللازمة لشن حرب على نظام الرئيس بشار الأسد.

وكان أبو مؤيد، من مدينة إدلب، ضمن عشرات القادة الذين توافدوا لحضور الاجتماع الذي دعا إليه مجلس قيادة الثورة في إدلب. واتفق المشاركون في الاجتماع، الذي عقد في غرفتين كبيرتين في أحد المباني السكنية، على توسيع نطاق التنسيق بين المجموعات المقاتلة ضد نظام الأسد داخل سوريا، كما عبروا عن إحباطهم من القيادة السياسية للمعارضة في الخارج.

وخلال الاجتماع، اشتكى القادة من أن المجلس الوطني السوري، وهو ائتلاف من جماعات المعارضة الموجودة في الخارج ويتخذ من العاصمة التركية إسطنبول مقرا له، منفصل تماما عن المعارك التي تدور رحاها على الأرض في سوريا، كما كانت هناك شكوى أخرى من قبل القادة الميدانيين بأن بعض أفراد المعارضة السياسية السورية في تركيا، والذين لم يتم الكشف عن أسمائهم، متورطون إما في تحويل أموال أو تهريب أسلحة وأموال عبر الحدود.

وقال القائد عصام عفارة للقادة الموجودين في الاجتماع: «كان من المفترض أن نحصل على قذائف هاون وخراطيش بالأمس، ولكن هذا لم يحدث. لقد اتصلت وطالبت بوصول تلك الأسلحة، ولكن أين هي.. أين؟».

وبعد النجاح التكتيكي الذي حققته المجموعات المسلحة المناهضة للرئيس الأسد، فإنها تواجه الآن نفس المشكلة التي تواجه جميع الانتفاضات المسلحة. وقال قادة ميدانيون: «إن ما لا يقل عن 80 مجموعة قتالية تعمل في إدلب وحدها، وقد بدأت غالبيتها العمل في شبكات صغيرة أو مجموعات من العسكريين المنشقين، ثم توسعت بعد ذلك».

وفي بعض الأحيان، تشترك بعض المجموعات في نفس الاسم أو تعمل في منطقة واحدة. ومع تزايد عدد أعضائها وتعاظم حاجتها للسلاح والدعم الخارجي، وجدت بعض هذه المجموعات نفسها تتنافس فيما بينها على الموارد، كما أعربت عن استيائها من السوريين الذين يتولون مواقع قيادية في المعارضة ولا يشتركون في العمليات القتالية، ولكنهم يوزعون أموالا، تقول مجموعات قتالية كثيرة إنها لا ترى منها أي شيء.

وقال عفارة، على سبيل المثال: «إن الأموال التي تتدفق من خلال جماعة الإخوان المسلمين لا تذهب إلى مجموعات يتم النظر إليها على أنها علمانية، وهو ما يثير غضب المقاتلين الذين تصدوا لقوات الأسد وردوها على أعقابها بتضحيات جسيمة، ثم يقال لهم إنهم ليسوا مؤهلين للحصول على الدعم المالي من الجهات المانحة الخارجية؛ لأن المواصفات لا تنطبق عليهم».

وأضاف عفارة الذي يقود وحدة في مجموعة أكبر تسمى كتيبة شهداء إدلب: «نقول لهم (ألسنا إخوة؟) كيف؟ نحن مسلمون، ونريد ثورة شعبية شاملة يشترك فيها المسلمون والمسيحيون والدروز».

وعبر القائد العسكري عبد الغفور عن غضب المقاتلين الآخرين قائلا: «لا تحسبوا أننا لا ندرك ما يحدث، فلدينا 600 شهيد»، مشيرا إلى أن المجلس الوطني السوري «لا يمثلنا، والثورة هي الناس الموجودون هنا والذين يقاتلون ضد العبودية».

وقال عبد الغفور إن البحث عن المال أو السلاح قد يصبح مصدر إحباط، مثله في ذلك مثل التعامل مع هيئات الإغاثة الخاصة والمنظمات غير الحكومية التي تقدم معونتها في بعض الأحيان مقابل الاتفاق مع وجهة نظرها، محذرا من أن «الثورة برمتها يمكن أن تتحول إلى مشروع منظمة غير حكومية، وهو ما أعترض عليه».

ومن جهته نفى، المتحدث باسم المجلس الوطني السوري، محمد سرميني وجود تحيز في منح الأموال لجهة على حساب جهة أخرى، بالشكل الذي يشتكي منه القادة الميدانيون، مؤكدا في اتصال هاتفي من إسطنبول أنه «لا يوجد أي تمييز». وقال سرميني إن المجلس بدأ يهتم بصورة أكبر بتمويل مقاتلي المعارضة، مضيفا: «نحن على وشك أن ندفع رواتب إلى جميع الضباط».

وقال قادة ميدانيون: «إن أسعار الأسلحة الخفيفة قد ارتفعت بحدة خلال النزاع الذي تشهده البلاد، وأصبح الرشاش يتكلف آلاف الدولارات، في حين تصل تكلفة البندقية الجديدة إلى 2000 دولار».

وقال مقاتلون وقادة ميدانيون: «إنهم يجمعون المال بأنفسهم الآن لتسديد ثمن مشترياتهم من السلاح، ويقومون في بعض الأحيان بتجميع تبرعات من القرى والأحياء التي يعيشون فيها، مشيرين إلى أنهم كانوا يبيعون سياراتهم وأراضيهم في أحيان أخرى». وقال قادة ميدانيون إنهم يحصلون على الأسلحة عن طريق ضباط مرتشين في الجيش السوري أو من خلال ما أسموه «المافيا التركية والروسية» في تركيا.

وقال قائد ميداني شاب، قدم نفسه باسم الكابتن بلال وكان مصابا برصاصة في أسفل ساقه اليمنى وكان الجرح على وشك الالتئام إن حاجته للسلاح دفعته قبل أشهر إلى أن يطلب من خطيبته إعادة الجواهر التي كان قد أعطاها إياها. وأضاف بلال: «قالت لا، ولذا فقد انفصلت عنها واستعدت الجواهر واشتريت الأسلحة التي كنت بحاجة إليها».

وتحول اجتماع القادة العسكريين في بعض الأحيان إلى مبارزة في الصراخ، وعبر عدة قادة عن غضبهم من أحد القادة بالقول: «إنه حصل على أسلحة»، ولكن هدأت الأمور بمرور الوقت وقال القادة إنهم يعتزمون العمل معا، وطالبوا الاجتماع بالعمل على تحسين الأوضاع.

وقال قائد ميداني اسمه أبو حمزة: «إن المشاحنات والمشادات الكلامية قد لا تبدو لائقة بقادة ميدانيين ولكنها معهودة في ثورة تتسع صفوفها وتتفتح آفاقها»، وأضاف أن «الاجتماع أظهر استعداد كثير من المجموعات القتالية لتعزيز التنسيق فيما بينها».

وعندما انتهى الاجتماع وجلس القادة لتناول الطعام، قال أبو مؤيد: «إننا نريد أن نكون يدا واحدة وجبهة واحدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»