صحراء سيناء المصرية معقل جديد للمسلحين الإسلاميين

تربة خصبة لخلايا صغيرة من المتطرفين خرجت من سجون مبارك

TT

دخلت مساحات شاسعة من صحراء سيناء المصرية في حالة من الانفلات وغياب القانون خلال الأشهر الأخيرة، مما شكل تربة خصبة لخلايا صغيرة من المسلحين المتطرفين الذين خرجوا من الظل وأقاموا سرا معسكرات تدريب بالقرب من الحدود مع إسرائيل، بحسب مشايخ من البدو وخبراء أمنيين.

ومن بين هؤلاء المسلحين رجال حاربوا في أفغانستان وباكستان خلال السنوات الأخيرة، إضافة إلى إسلاميين تم إطلاق سراحهم من السجون عقب اندلاع الثورة الشعبية عام 2011 التي أسقطت الرئيس حسني مبارك وقادت معظم جهازه الأمني القوي إلى الاختباء.

وقد اكتسب المسلحون، الذين لم يحظوا باهتمام يذكر طوال فترة شهدت تطورات مثيرة في القاهرة، جرأة وظهورا متزايدين وسط انهيار أمني أوسع نطاقا في تلك الصحراء ذات الأهمية الاستراتيجية، التي تعد منطقة فاصلة بين إسرائيل ومصر. كما أدى اختفاء السلطات أيضا إلى ظهور محاكم شرعية يديرها علماء مسلمون وتقوم بفض المنازعات وفقا للشريعة الإسلامية.

وقد أثار فشل الحكومة المصرية في إعادة النظام إلى سيناء حالة من التوتر داخل إسرائيل، وكان من أسباب ذلك تعرض أحد المواقع الحدودية الإسرائيلية لهجوم مؤخرا. ويخشى بعض الأهالي من أن تبادر إسرائيل في النهاية إلى الرد من جانب واحد، وهو احتمال يثير رعب من عاشوا تلك الحروب المتعاقبة التي شهدتها سيناء بين الجارتين خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي.

ويقول نصار أبو عكرة، وهو تاجر وشيخ من المشايخ في المنطقة يخشى من أن يؤدي ظهور حركة مسلحة تستعمل العنف إلى إحداث رد فعل مدمر من جانب إسرائيل: «خلال عام واحد، قد يصبح كل هذا خطيرا للغاية. إذا ردت إسرائيل من أجل حماية أراضيها، فسوف تكون كارثة بل مجزرة. فحتى الناس العاديون، وليس المجاهدين وحدهم، سيقاتلون ويقتلون إذا عادت إسرائيل».

ويتزايد القلق لدى المسؤولين الأميركيين من تدهور الأوضاع الأمنية في سيناء، ومن المؤكد أن هذا الموضوع سيثار أثناء زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري رودهام كلينتون إلى القاهرة هذا الأسبوع، وخصوصا بعد أنباء ترددت عن اختطاف اثنين من المواطنين الأميركيين في المنطقة يوم الجمعة الماضي.

وقد كانت شبه جزيرة سيناء منطقة متنازعا عليها طيلة معظم فترات القرن الماضي، ويعود هذا في معظمه إلى أنها بوابة إلى قناة السويس، التي تصل ما بين البحر المتوسط والبحر الأحمر. وقد احتلت القوات الإسرائيلية سيناء عامي 1956 و1967، ودخلت في حرب ضد القوات المصرية خلال العقد التالي، إلى أن استعادت مصر السيادة كاملة على سيناء عقب معاهدة السلام التي تم إبرامها عام 1979 بوساطة من الولايات المتحدة. وهناك كتيبة من الجيش الأميركي مكونة من عدة مئات من الجنود ترابط في سيناء ضمن قوة حفظ السلام الدولية الموجودة هناك.

وأثناء الاضطرابات الأخيرة، دأب المسلحون على تنفيذ هجمات على ضباط الشرطة بتسليحهم الخفيف على مدار الأشهر الأخيرة، كما يقال إنهم قاموا بتفجير خط الأنابيب الذي ينقل الغاز الطبيعي إلى إسرائيل. وفي غضون ذلك، قام بعض أبناء العشائر من البدو ممن لديهم مظالم من الدولة باختطاف سياح أجانب وبعض جنود حفظ السلام الدوليين، كما استغل تجار المخدرات ومهربو البشر اللحظة وأضفوا على هاتين التجارتين المربحتين المزيد والمزيد من العنف.

وبعد فترة وجيزة من ثورة المصريين في القاهرة أواخر يناير (كانون الثاني) عام 2011 ضد نظام مبارك الاستبدادي، دخل الأهالي في شمال سيناء في هوجة من السلب والنهب، حيث أشعلوا النار في أقسام الشرطة وغيرها من الرموز التي تمثل دولة أصبحت مكروهة بسبب القبضة الحديدية لأجهزتها الأمنية وضآلة الخدمات التي كانت تقدمها لأهالي هذه المنطقة القاحلة والمحرومة.

ومع سقوط مبارك، اختفى ضباط الشرطة بزيهم الأسود الذين ظلوا طوال عقود يعاملون الملتحين في سيناء على أنهم مشتبه في كونهم إرهابيين، وتحولت أقسام الشرطة ونقاط التفتيش إلى أكوام من الرماد والأطلال، واتخذ جنود الجيش مواقعهم بطول الطريق الواصل ما بين القاهرة وقطاع غزة، محصنين أنفسهم داخل الدبابات وغيرها من المركبات الحربية المحاطة بأسوار من أكياس الرمل.

ومع تقوض أركان الدولة البوليسية، غادر مئات من الإسلاميين السجون بعضهم بأوامر إفراج، والبعض الآخر عن طريق الهروب. وقد كان مرعي عرعر، وهو رجل أشعث اللحية يبلغ من العمر 41 عاما، من بين أولئك الإسلاميين الذين تم تحريرهم، وهو يقول إنه لا يقر أعمال العنف التي يرتكبها المسلحون في سيناء، الذين قال إنه يعرف بعضهم، ولكن لا بد أن ينظر إليهم في السياق الصحيح.

وأوضح بينما كان يحرك أصابعه على أزرار هاتف «آي فون»: «إنهم يشعرون بأنه ما زال هناك ظلم باق. ما زال لدينا سجناء نريد إخراجهم، وهناك انتهاكات ضد إخواننا في فلسطين، وهناك حرب على الإسلام في جميع أنحاء العالم. إنهم متأثرون بهذا. إنهم لا يستطيعون التحكم في أنفسهم».

ويقول اللواء المصري المتقاعد سامح سيف اليزل، الذي يرأس أحد مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية في القاهرة، إن الوضع الراهن في سيناء لا يمكن الدفاع عنه. وأشار إلى أن من بين المقاتلين المتطرفين في سيناء رجالا سبق أن حاربوا في أفغانستان وباكستان خلال السنوات الأخيرة، وقد ضموا قواتهم إلى الإسلاميين الذين تم تحريرهم مؤخرا من السجون.

وتابع سيف اليزل، الذي يعتبر الكثيرون أن آراءه في الشؤون الأمنية تعكس آراء القادة العسكريين في البلاد، قائلا: «إنهم يريدون فرض الشريعة الإسلامية على الدولة. يجب أن تفرض الحكومة سيطرتها وسيادتها على سيناء. القانون الآن لم يعد يحترم».

وأوضح مسؤول شرطي مقيم في مدينة العريش بسيناء في حوار أجري معه، أن الاحترام هو أقل ما يقلقه، حيث إن الرجال من أمثاله أصبحوا مطاردين. وأضاف الضابط وهو يتحدث داخل مقهى مواجه للشاطئ بصوت خافت، وأصر على عدم ذكر اسمه خوفا من الانتقام منه: «نحن نترك عائلاتنا كي نؤدي واجبنا، فلماذا نعود إلى منازلنا جثثا هامدة؟ نريد أن نعرف لماذا؟ إذا كان يتم استهدافنا، فلنترك هذا المكان للناس وللجيش».

ويقول إبراهيم المنيعي، وهو شيخ قوي من مشايخ القبائل البدوية يعيش على بعد بضعة أميال من الحدود الإسرائيلية، إن ذلك الترتيب سيكون مثاليا، طالما التزمت القوات المسلحة بحماية الطريق. وأشار إلى أن القبائل، التي تمتلك كميات كبيرة من مختلف أنواع الأسلحة، بداية من الأسلحة الصغيرة وحتى الصواريخ المضادة للطائرات، تقوم بعمل جيد في التعامل مع مهربي البشر والمخدرات الذين يستعملون العنف وغيرهم من الأوغاد الذين استغلوا الفراغ الأمني على مدار العام الماضي.

وقال المنيعي، وهو جالس على تبة رملية تحت ضوء القمر خارج منزله القريب من إسرائيل بما يكفي لأن تلتقط الهواتف الخلوية شبكات الهاتف المحمول الإسرائيلية: «هنا، كل ما هنالك هو القبائل. الأمن مستتب للغاية».

وأكد المنيعي أن تزايد جرأة الخلايا المسلحة في المنطقة لا يثير قلقه حتى الآن، مشيرا إلى أنه لا يتفق معهم في هدف إقامة خلافة إسلامية. ويبدي المقاتلون الذين أقاموا معسكر تدريب صغيرا على بعد نحو 3 أميال من منزله في وقت سابق من العام الحالي احتراما للأهالي، ولا يزيد عددهم على 150 شخصا.

إلا أنه قلق من أن تتطور هذه الجماعات إلى حركة قوية لديها روابط بالجماعات المسلحة في الأراضي الفلسطينية وغيرها من البلدان الإسلامية. ويقول شيخ القبيلة إنه لا يوجد في الوقت الحالي تأييد يذكر لخلايا المجاهدين الناشئة بين أفراد عشيرته، السواركة، لكنه يحذر من أن هذا قد يتغير إذا عادت الحكومة مرة أخرى إلى الاعتقالات الجماعية دون تمييز.

وقال المنيعي وهو يرتشف قدحا من الشاي: «البدوي إنسان مسالم، ولكن إذا شعر بالإهانة فإنه لن ينسى ذلك أبدا. على الحكومة أن تعمل سريعا على نشر العدل». ونبه إلى أن الحكومة المصرية إذا فشلت في العثور على المنهج السليم لإعادة الأمن والخدمات، «فقد يصبح الوضع هنا مثل أفغانستان ثانية. قد تصبح حربا دولية».

وسواء كان هناك صراع مسلح وشيك أم لا، فإن الزعماء السيناويين يقولون إنهم أصبحوا يضطلعون بشكل متزايد بمهام لم تعد الدولة تضطلع بها. فمنذ نحو 6 أشهر، أصبح حمدين أبو فيصل، وهو عالم إسلامي، من بين أول من أقام محاكم عرفية في المنطقة للفصل في القضايا التي كانت في الظروف الطبيعية من اختصاص المحاكم المحلية.

ويقول أبو فيصل: «الناس بدأوا يحتاجون إلى شخص ما لحل مشكلاتهم. لا توجد محاكم أو أقسام شرطة أو وكلاء نيابة يمارسون عملهم». وأوضح أبو فيصل أن هذه المحاكم لا تفرض عقوبات جسدية، ولا تقوم سوى بالتحكيم في المنازعات بين الناس الذين يوافقون كتابة على الالتزام بحكم العلماء.

وقال أبو فيصل، الذي كان من بين الإسلاميين الذين تم اعتقالهم إثر التفجيرات التي وقعت عام 2004 في طابا، وهي منتجع سياحي كان يرتاده الإسرائيليون كثيرا في ذلك الوقت، مازحا: «لا تقلق. نحن لا نستعمل السياط».

* شارك في إعداد هذا التقرير: إنجي حسيب وحسن النجار

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»