فرار طيار من سوريا يعكس مدى صعوبة الانشقاق

أحمد طراد: إذا أردت الانشقاق فعليك أن تخطط لذلك جيدا.. إنها مهمة صعبة جدا

أحمد طراد
TT

عندما قرر طيار المروحية السوري، أحمد طراد، الانشقاق عن القوات الجوية السورية بداية هذا العام، أدرك أنها لن تكون مهمة سهلة. كانت قاعدته الجوية في دمشق تخضع لرقابة مشددة، وكان على يقين من أنه يتم التنصت على هاتفه، وشك في أن واحدا من بين كل ثلاثة من زملائه يتجسس لحساب النظام.

وواجه أيضا المعضلة التي يقول هو ومنشقون آخرون إنها أكبر عائق يقف كحجر عثرة في طريق هؤلاء الذين قد يرغبون في الانشقاق عن النظام السوري، لكن لم تواتهم الجرأة بعد، ألا وهي أمن وسلامة أسرته. لقد كان انشقاقه عن قاعدته أمرا مهما، لكن كان الأمر الأهم بالنسبة لطراد (30 عاما) هو التحقق من أن أقاربه لن توجه إليهم هجمات انتقامية بعد انشقاقه.

«علي إجلاء الجميع»، هكذا تحدث وهو يجلس محاطا بعدد من أفراد أسرته البالغ عددهم 15 فردا والذين رحلوا معه الشهر الماضي إلى مدينة ألتينوزو الساحرة الواقعة جنوب تركيا، بمن فيهم زوجته الحامل.

قال طراد: «إذا أردت الانشقاق، فعليك أن تخطط لذلك جيدا. إنها مهمة صعبة جدا».

جسد هروب الأسرة ذروة رحلة امتدت لخمسة أشهر من المؤامرات والخداع، وفي نهاية المطاف الشجاعة التي أبرزت التحديات التي واجهت عشرات الآلاف من الجنود الذين انشقوا بالفعل عن جيش الرئيس بشار الأسد، وربما بعض الأسباب التي ثنت المزيد عن اتخاذ تلك الخطوة.

لم تكن أي من الانشقاقات التي حدثت حتى الآن بالقوة الكافية لقلب ميزان القوى في النزاع المسلح المتصاعد بشكل مطرد في سوريا. لكن وتيرتها تتسارع، متسببة في إضعاف تدريجي لقوات الأمن، الأمر الذي يمكن أن يضعف قبضة الأسد على السلطة.

لا يمكن التحقق بشكل مستقل من قصة رحلة طراد بسبب القيود المفروضة على الصحافيين في سوريا، غير أن طراد قال إنه بدأ رحلته قبل عدة أشهر، يحدوه شعور متغلغل بالقلق حيال التكتيكات المروعة التي يوظفها النظام في إطار مساعيه لقمع الثورة.

كطيار مروحية مساعد في حي الغوطة الشرقية بدمشق، ذكر أنه لم يكن مشاركا بشكل مباشر في القتال، لكنه كان يمضي وقته في توصيل الذخائر ونقل الجنود المصابين أو القتلى من وإلى ساحات القتال بمختلف أنحاء البلاد.

إن سفك الدماء الذي قد شهده (في أحد المواضع ذكر أنه نقل جثث 17 جنديا قتيلا من مدينة حمص إلى دمشق) لم يقلقه بقدر ما أقلقته التقارير التي شاهدها على شاشة التلفزيون حول الأطفال الذين لقوا حتفهم على أيدي قوات النظام. يسترجع قائلا: «شعرت بالعجز لأنه لم يكن بمقدوري تقديم أي مساعدة».

تحولت شكوكه وهواجسه إلى حالة من التصميم والإصرار في فبراير (شباط)، عندما تم فجأة احتجاز نائب قائده بالقاعدة. على غرار طراد، كان نائب القائد سنيا، فيما كان الضباط الذين قاموا باحتجازه علويين.

يقول طراد إنهم قد أهانوه على مرأى من الجميع, ولقد ضربوه وقذفوا غطاء محرك سيارة نحو رأسه، واتهموه بالتجسس لحساب إسرائيل وتنظيم القاعدة. ويضيف: «حينها أدركت أن كل الضباط السنة في الجيش تعتمل في أذهانهم مثل هذه الاتهامات، وأن هذا المصير سيلحق بنا جميعا في وقت ما».

بدأ طراد بشكل فعلي في التخطيط للهروب. حاولت شقيقته في حلب التواصل مع ثوار الجيش السوري الحر الذين يعملون على طول الحدود التركية لسؤالهم عما إذا كان بمقدورهم المساعدة في ترحيل الأسرة بأكملها. وافق الثوار؛ لكنهم أرادوا في البداية دليلا على صدق حديث طراد، وعدم كونه جاسوسا لحساب النظام.

من ثم، أصبح طراد جاسوسا للجيش السوري الحر. استمر في عمله في نقل القتلى والمصابين بالمروحية، غير أنه كل بضعة أسابيع، تتصل به امرأة وتزعم أنها محبوبته. حتى إنهما قد يتبادلان عبارات الغزل لخداع أي شخص يحتمل أنه يسترق السمع للمكالمة، ثم يرتبان موعدا غراميا في أحد مقاهي دمشق. وهناك، يلتقي شخصين من الجيش السوري الحر، وينقل لهما معلومات عن تفاصيل العمليات العسكرية من قاعدته، وأسماء الطيارين المشاركين في قيادة المروحيات التي تقوم بالمهام القتالية التي يسقط ضحيتها عدد هائل من المصابين. يسترجع قائلا: «تسببت المكالمات الهاتفية في خلافات عدة مع زوجتي».

تقول زوجته فاتن وهي تلكمه على ذراعه: «حتى هذا اليوم، لست متأكدة من أنني أصدق هذه القصة».

جاء آخر دافع له للانشقاق عندما تم اعتقال الثائرين اللذين كان يتواصل معهما وإطلاق النار عليهما في إحدى ضواحي دمشق. فقد خشي أن تكون قوات الأمن قد علمت بأنشطته، وضغط على الثوار من أجل تهريبه. أرسل زوجته ووالدته وشقيقاته أولا، وبعدما علم أنهن آمنات في تركيا، غادر دمشق، منطلقا مع والده في الساعة الرابعة صاحبا لركوب حافلة متجهة إلى حلب.

كان بحوزته مستند يسمح له بالمغادرة، قام بتزويره على جهاز الكومبيوتر خاصته، ثم ارتدى ملابس المدنيين لصرف انتباه ضباط الأمن المنتشرين في محطة الحافلات وعلى طول الطريق السريع ممن كانوا يبحثون عن منشقين مثله.

وفي وقت متأخر من فترة الظهيرة، وصل إلى حلب، حيث كان في انتظاره سائق سيارة أجرة موثوق به بصحبة أشقائه الثلاثة. تقدمت سيارة يقودها أصدقاؤه لتنبيههم إلى نقاط التفتيش المحتملة على طول الطريق. وفي وقت الغروب، كانوا يشقون طريقهم عبر حقل ألغام باتجاه الحدود التركية، مستعينين بثوار كانوا على دراية بالطريق.

عندما وصل إلى السياج الفاصل بين تركيا وسوريا، دق جرس الهاتف الجوال الخاص بأخيه. كان المتصل هو قائده في القاعدة، الذي حذره من أنه قد بدأت عملية بحث عنه وأنه تم توزيع اسمه في أرجاء المدينة. لكن الوقت كان متأخرا جدا؛ وبعد دقائق، وصل بسلام.

يذكر أن اسمه مدرج الآن على قائمة تنتظر التجنيد بإحدى كتائب الجيش السوري الحر. وتقول زوجته، التي من المنتظر أن تضع توأمين (أول طفلين لهما) في فبراير، إنها تشعر بالغيرة. تقول وهي تميل رأسها على كتفه: «أتمنى فقط لو كان بمقدوري الانضمام إلى الجيش السوري الحر أيضا».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»