محللون: العفو عن مخالفاتها السابقة أو تخفيف العقوبات ربما يقنعان إيران بالتجاوب نوويا

يرون أن أي تقدم لتسوية الأزمة مرهون بكيفية تطور المحادثات على هذين المحورين

TT

ربما يكون عرض العفو أو التخفيف من وطأة العقوبات السبيل الوحيدة لإقناع إيران بإنهاء إعاقتها المستمرة منذ سنوات لتحقيق تجريه الأمم المتحدة في أبحاث للجمهورية الإسلامية يشتبه أن الغرض منها هو صنع أسلحة نووية.

ومن المرجح أن تحتاج مثل هذه المبادرة إلى أن يكون مصدرها القوى العالمية في إطار حملة دبلوماسية أوسع نطاقا لنزع فتيل نزاع حول البرنامج النووي الإيراني، مما يجعل تحقيق الأمم المتحدة مرهونا بكيفية تطور تلك المحادثات.

ولم تتمكن الوكالة الدولية للطاقة الذرية من إقناع طهران بالسماح لها بدخول المواقع ومقابلة المسؤولين والاطلاع على الوثائق التي تقول إنها تحتاجها للتحقيق المتعثر منذ فترة، وذلك في سلسلة من جولات المباحثات خلال الأشهر الست الماضية. وحسب تقرير لوكالة رويترز، أبرزت المفاوضات السلطات المحدودة للوكالة الدولية للطاقة الذرية في جعل إيران تتعاون معها، مما يشير إلى أن طهران لن تفعل ذلك إلا إذا حصلت على شيء في المقابل في مجال آخر، وأدى هذا إلى إذكاء ريبة الغرب في أنها تكسب وقتا.

وقال شانون كايل، الباحث في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام: «يبدو بالنسبة لي الآن أن مسار وكالة الطاقة الذرية - إيران لن يتقدم إلا إذا حدث تقدم في المحادثات بين إيران والقوى». وفي بعض الأحيان تعزز إيران الآمال في التوصل لاتفاق ثم تتراجع تلك الآمال، مما جعل هناك شكوكا في أن إيران تستغل، فيما يبدو، مباحثاتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في كسب ثقل في الاجتماعات المنفصلة التي تعقدها مع القوى والتي لم تحرز تقدما كبيرا منذ استئنافها في أبريل (نيسان) بعد توقف 15 شهرا.

وتريد القوى الست (وهي الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وبريطانيا والصين وألمانيا) من إيران التعاون الكامل مع وكالة الطاقة الذرية، لكن مطلبها الفوري هو أن توقف إيران النشاط النووي الذي يقربها من احتمال صنع مواد تستخدم في الأسلحة النووية. وقد تطلب طهران أيضا في حالة موافقتها على السماح لمفتشي الأمم المتحدة بحرية أكبر في مباشرة أعمالهم، أن لا يستخدم أي دليل يدينها ربما يتوصلون إليه ضدها. وتنفي إيران المزاعم الغربية بأنها تسعى للحصول على قدرة لصنع قنابل نووية.

وقال بيير جولدشميت، الرئيس السابق لمفتشي الأمم المتحدة النوويين، إنه للمساعدة على كسر هذا الجمود يجب منح إيران «فترة سماح مع عدم وجود عواقب سلبية في حالة أن تسفر الشفافية الكاملة مع مفتشي وكالة الطاقة الذرية عن الكشف عن مخالفات سابقة». ويرى جولدشميت، وهو الآن في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أنه يجب أن تقدم القوى هذا العرض وتضمنه.

وقال دبلوماسي غربي رفيع يتابع القضية النووية عن كثب لكنه لا يشارك في المفاوضات مع طهران: «شخصيا أنا لا أرى غضاضة في منح الحصانة بالنسبة للماضي». وأضاف المبعوث: «لكن لا بد أن تكون هناك وسيلة للتحقق. النموذجان هما جنوب أفريقيا وليبيا. أخشى أن لا تقبل إيران مثل تلك الشفافية الحقيقية». في إشارة إلى قرارات اتخذها البلدان قبل سنوات للتخلي عن طموح حيازة أسلحة نووية.

بدوره، يرى علي فايز، من المجموعة الدولية للأزمات، أن العلاقة بين إيران ووكالة الطاقة الذرية أصبحت «مرهونة بسياسة حافة الهاوية النووية» بين طهران وقوى العالم.

وتطالب الدول الست بأن تقلل إيران من حجم برنامج تخصيب اليورانيوم وإغلاق منشأة نووية تحت الأرض، حيث تمارس أنشطة نووية باليورانيوم عالي التخصيب. وتسعى إيران للاعتراف بما تقول إنه حقها القانوني في تخصيب اليورانيوم ورفع العقوبات الاقتصادية التي تزيد شدة، والتي أصبحت تستهدف الآن صادرات النفط الحيوية بالنسبة لها. وأظهر عرض لموقف إيران التفاوضي نقلته وسائل إعلام إيرانية أنها تتوقع تخفيف العقوبات مقابل «الشفافية» في التعامل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ويقول فايز: «نحن في معضلة البيضة أم الدجاجة.. حيث لا يمكن حل الأزمة الإيرانية دون أن تمنح وكالة الطاقة الذرية إيران التبرئة، لكن هذا لن يحدث ما لم تحل الأزمة». ويعتقد كايل، من معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أن إيران تحتاج «شيئا إيجابيا وملموسا في مقابل» التعاون مع الوكالة، وربما يكون ذلك في مجال العقوبات.

وتستبعد الولايات المتحدة وحلفاؤها تقديم أي تخفيف للعقوبات قبل أن تتخذ إيران إجراءات ملموسة لتهدئة مخاوفهم. ويطالبون بأن توقف إيران تخصيب اليورانيوم لمستوى مرتفع وإغلاق موقع فوردو تحت الأرض، دون أن تتعهد في المقابل بتخفيف العقوبات بصورة كبيرة.

وقال كايل: «هناك مدرسة أخرى للتفكير، وهي (أن) إيران تحاول كسب الوقت... وهذا بالأساس سبيل لإبقاء المحادثات مستمرة وإحباط العمل العسكري والسماح بتقدم برنامجها النووي».

وبينما تعيق إيران طلب الوكالة الدولية للطاقة الذرية يقول دبلوماسيون غربيون إن صور الأقمار الصناعية تظهر ما يبدو أنه تنظيف موقع بارشين العسكري، حيث يعتقد مفتشو الأمم المتحدة أن إيران قامت بتجارب تتعلق بتطوير أسلحة نووية. وقال معهد العلوم والأمن الدولي، وهو مركز أبحاث أميركي: «الأنشطة الحالية لإيران في موقع بارشين مستمرة في إثارة المخاوف بشأن الجهود الرامية لتدمير الأدلة على نشاط يتعلق بالأسلحة النووية».

وترفض إيران المزاعم المتعلقة ببارشين، وهو مجمع عسكري ضخم في جنوب شرقي طهران، وتصفها بـ«الصبيانية» و«الهزلية»، مثلما ترفض الشكوك الغربية في أنها تسعى لامتلاك القدرة على صناعة قنابل نووية.

وقال وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر صالحي، عندما سئل عن مزاعم التنظيف: «أرفض تماما هذه المزاعم... لا يمكن لأحد أن ينظف أي تلوث نووي».

لكن رفض إيران الحد من نشاطها النووي الذي يمكن أن يستخدم في الأغراض المدنية والعسكرية وافتقارها إلى الانفتاح والصراحة مع مفتشي الأمم المتحدة من الأمور التي أدت إلى تعرضها لأربع جولات من العقوبات بقرارات من مجلس الأمن منذ 2006 وإجراءات غربية منفصلة.

وصعد الغرب ضغوطه بعد تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية العام الماضي الذي كشف عن معلومات للمخابرات تشير إلى أنشطة بحث في إيران تستخدم في تطوير تكنولوجيات لازمة لتجميع الأسلحة النووية إذا قررت أن تفعل ذلك. وتريد الوكالة التابعة للأمم المتحدة من إيران أن تبدد الشكوك التي أثارها هذا التقرير مثل التجارب السابقة المزعومة في بارشين، وبدأت جهدا ينطوي على تصميم هذا العام لضمان تعاون طهران، بما في ذلك ثلاث زيارات لطهران منذ يناير (كانون الثاني)، لكن دبلوماسيين قالوا إنه عندما كانت الوكالة الدولية تأمل أن تنتهي من اتفاق بشأن كيفية إجراء التحقيق الشهر الماضي اقترحت إيران بدلا من ذلك تعديلات من شأنها تقييد التحقيق.

وقال مبعوث غربي: «عادت الأمور إلى المربع الأول». بدوره، اتهم سفير إيران بأنها «خدعت» الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في إشارة إلى زيارة حظيت بتغطية إعلامية كبيرة لكنها فشلت في آخر الأمر لمدير الوكالة، يوكيا أمانو، لإيران في مايو (أيار)، أعرب بعدها عن تفاؤله بشأن توقيع اتفاق مع البلاد قريبا.

وقال دبلوماسيون إن إصرار إيران على ألا تعيد الوكالة فتح التحقيق بعدما ينتهي كان من القضايا القائمة المهمة. وقال دبلوماسي آخر عن فرص إجراء المزيد من المحادثات إن مسؤولي الوكالة الذرية «مروا بمثل هذه العملية المخيبة للآمال والمحبطة في المرة السابقة، وإنهم لا يريدون تكرار ذلك».

لكن إيران تصر على أنه سيكون هناك المزيد من اللقاءات مع الوكالة. وقال صالحي إن مساعي التوصل إلى اتفاق مستمرة. وأضاف: «ربما تكون توقفت قليلا لكن ستمضي بسرعة».