كلينتون تبحث مع طنطاوي تطورات الوضع الداخلي والإقليمي وسط احتجاجات مناوئة لأميركا

نشطاء رفضوا لقاءها.. ومتظاهرون رشقوا مستقبليها من «الإخوان» والسلفيين بالطماطم والبيض

TT

بحث المشير حسين طنطاوي، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة في مصر، مع وزيرة الخارجية الأميركية، هيلاري كلينتون، والوفد المرافق لها، تطورات الوضع الداخلي والإقليمي، وسط احتجاجات مناوئة لأميركا في القاهرة والإسكندرية، وبينما رفض نشطاء تلبية دعوة كلينتون للقائها، حاصر ألوف المتظاهرين الوزيرة الأميركية خلال زيارتها التي استمرت يومين، ورشقوا بالطماطم والبيض مستقبليها من قيادات التيار الإسلامي (جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين) الذين حازوا الأغلبية في انتخابات البرلمان المنحل والرئاسة. وتعد زيارة كلينتون للقاهرة الثانية لها منذ سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك الذي أمضى ثلاثة عقود صديقا لواشنطن ولاعبا أساسيا في محاولات التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية وتحقيق السلام بالمنطقة.. والأولى لها عقب انتخاب الدكتور محمد مرسي، الرجل المقبل من جماعة الإخوان، التي يصفها بعض نواب الكونغرس الأميركي بأنها تدعم الإرهاب، رئيسا لمصر في انتخابات حرة الشهر الماضي.

وأضافت المصادر أن كلينتون تضع على رأس المواضيع خلال زيارتها للقاهرة، قضية التحول الديمقراطي، والمساعدة الاقتصادية، والأمن الإقليمي، وأن لقاء طنطاوي - كلينتون تناول سبل تدعيم العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر، إضافة إلى بحث المستجدات والمتغيرات الجارية على الساحة المحلية والإقليمية، مشيرة إلى أن كلينتون عبرت خلال اللقاء عن رغبة واشنطن في دعم علاقات التعاون مع القاهرة باعتبارها شريكا استراتيجيا في المنطقة. وحضر اللقاء في مقر وزارة الدفاع، التي تزخر جدرانها الداخلية بصور لزعماء مصر السابقين، عدد من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة والسفيرة الأميركية بالقاهرة، آن باترسون.

ووصلت كلينتون إلى القاهرة مساء يوم أول من أمس، وأجرت مباحثات مع الرئيس مرسي ومع نظيرها المصري محمد كامل عمرو، حيث تأتي زيارتها للقاهرة في وقت يواجه فيه مرسي خصوما من التيارات المدنية والمسيحية المتخوفة من حكم الإسلاميين، إضافة إلى ما يشبه الصراع غير المعلن على السلطة مع المجلس العسكري في ما يتعلق باختصاصات الرئيس المنقوصة وتوليه مهام منصبه دون وجود سلطة التشريع (البرلمان) الذي حلته المحكمة الدستورية العليا مؤخرا.

ويتهم نشطاء التيارات المدنية سياسات الولايات المتحدة منذ اندلاع الثورة المصرية مطلع العام الماضي بالانحياز لجماعة الإخوان. ورفضت عدة قيادات مدنية تلبية دعوة كلينتون لمقابلتها في مقر السفارة الأميركية أمس. وقالت الدكتورة جورجيت قلليني، وهي قانونية مسيحية ونائبة سابقة في البرلمان، إن عدم حضورها هي وقيادات سياسية واقتصادية مسيحية أخرى (بينهم: عماد جاد ومايكل منير ونجيب ساويرس) يرجع لعدة أسباب، منها قيام السياسة الأميركية بتقسيم المصريين على خلفية طائفية.

وأشارت قلليني ردا على أسئلة «الشرق الأوسط» إلى أن المسؤولين الأميركيين اعتادوا في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011 الحرص على مقابلة «الإخوان» على حدة، وبعد ذلك تسعى للاجتماع مع الأقباط على حدة، و«هي منذ بداية الثورة منحازة للتيار الديني ومتجاهلة التيارات المدنية كلها، وهذا لم يكن له ما يبرره»، وإن هذا الأمر دفع الشارع المصري والتيار المدني لتنظيم مظاهرات ضد زيارة كلينتون.

وفي بيان أصدروه أمس، أدانت قلليني وجاد ومنير وساويرس زيارة كلينتون «ورغبتها في لقاء السياسيين الأقباط بعدما التقت في السابق جماعة الإخوان المسلمين وقيادات السلفيين، معتبرين ذلك نوعا من التقسيم الطائفي الذي يرفضه الشعب المصري عامة والأقباط خاصة».

وأكدوا في البيان أنهم لهذه الأسباب اعتذروا عن لقاء كلينتون، موضحين أنه منذ اندلاع ثورة 25 يناير، حضرت كلينتون وعدد آخر من السياسيين الأميركيين إلى القاهرة في جولات سياسية عقدت خلالها اجتماعات أظهرت تشجيعها والإدارة الأميركية لتيارات الإسلام السياسي وتجاهلت باقي التيارات المدنية في مصر بشكل عام. وأشار البيان إلى أن لقاءات الجانب الأميركي مع التيار الديني تعد نوعا من الضغوط الخارجية للزج بمصر في طريق تصعيد التيار الديني لسدة الحكم.. «بل وصل الأمر إلى إعلانهم عن رغبتهم في مرشح رئاسي بعينه».

ومع ذلك قالت مصادر قريبة من السفارة الأميركية إن كلينتون التقت بمقر السفارة أيضا شخصيات مسيحية مصرية طلبت عدم ذكر اسمها. وعلمت «الشرق الأوسط» أن هذه الأسماء «ليست مؤثرة على صعيد النشطاء المصريين المسيحيين، وشخصيات غير مؤثرة في الشارع السياسي». كما التقت كلينتون بمقر السفارة أيضا ممثلين لأحد المشاريع الممولة من شركة «سواري فنتشرز» الخاص بالتشغيل السريع للاستثمارات.

وأشعلت زيارة كلينتون لمصر فتيل الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية من جديد في القاهرة والإسكندرية. وحاصر ألوف المتظاهرين من القوى المدنية حتى وقت متأخر من الليلة قبل الماضية فندقا قريبا من موقع السفارة الأميركية كانت تقيم فيه الوزيرة كلينتون بطريق كورنيش النيل بالعاصمة المصرية، ونصبوا منصات خطابة تندد بالسياسات الأميركية و«تدخلها في شؤون مصر»، وما قالوا إنه مساندة واشنطن لجماعة الإخوان المسلمين منذ سقوط حكم مبارك، كما رفعوا لافتات بهذا المعنى.

وفي مدينة الإسكندرية احتشد الآلاف من المتظاهرين حول الموقعين اللذين كانت قد أعلنت السفارة الأميركية عن توجه كلينتون إليهما، وهما مكتبة الإسكندرية والمركز الثقافي الأميركي الذي تقرر تحويله إلى قنصلية دائمة للولايات المتحدة بالإسكندرية. وشارك في هذه الاحتجاجات أعضاء بحركة شباب اليسار وائتلاف شباب الثورة وحزب المصريين الأحرار والحركة الديمقراطية الشعبية وعدد من المستقلين الذين رفعوا لافتات كبيرة كتبوا عليها باللغتين العربية والإنجليزية: «توقفوا عن دعم المرشد».

وكان في استقبال الوزيرة الأميركية أمام مقر القنصلية الجديد بالإضافة لمسؤولين ودبلوماسيين أميركيين، عدد من أبرز الشخصيات القيادية بجماعة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة وحزب النور السلفي، الذي انسحب عدد من قياداته من اللقاء لاحقا، احتجاجا على تقديم الخمور في مقر القنصلية الأميركية.

وفاجأ المتظاهرون النواب التابعين لجماعة الإخوان، والسلفيين، أثناء دخولهم مقر القنصلية برشقهم بوابل من الطماطم والبيض، حتى إن بعض النواب اضطروا لخلع ستراتهم بعد أن علق بها بواقي الطماطم والبيض. واستقبل المتظاهرون كلينتون وهم يرددون هتافات قالوا فيها: «الإخوان رايحين جايين.. ورا أمريكا يقولوا آمين».

وقالت مصادر مقربة من القنصلية الأميركية إن كلينتون طلبت اختصار زيارتها لتقتصر على افتتاح مقر المركز الثقافي الأميركي فقط لأسباب أمنية، حيث تم إلغاء المحاضرة التي كان من المقرر أن تلقيها كلينتون بمكتبة الإسكندرية.

ومن وسط المظاهرة قال الناشط السياسي محمود جابر لـ«الشرق الأوسط»: «لقد جئنا إلى هنا لنوصل رسالة للإدارة الأميركية والمجلس العسكري وجماعة الإخوان المسلمين، مفادها أن المصريين والثوار لن يقبلوا بقاء الأوضاع القديمة على ما هي عليه من استمرار بلادنا في سياسة التبعية الأميركية واللهاث وراء تطبيق كل السياسات التي تفرضها علينا أميركا، مثل النظم الرأسمالية التي تسببت في انهيار الاقتصاد المصري».