ريتشيل مور: أولمرت خان مبادئه وفاوض الفلسطينيين على تقسيم القدس

أميركية يهودية من أنصار نتنياهو قدمت شهادة كاذبة بهدف إسقاطه

TT

في قراءة معمقة لقرار الحكم في المحكمة اللوائية لمنطقة القدس، الذي نشر على 760 صفحة، يتضح أن القضاة توصلوا إلى قناعة بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، بريء، بعد أن استمعوا إلى الشاهدة الرئيسية في أحد الملفات المعروف باسم «ريشون تورز»، وتبينوا أنها امرأة كاذبة لفقت تهمة خدمة لأهداف سياسة.

تدعى المرأة ريتشيل مور، وهي أميركية يهودية، هاجرت إلى إسرائيل سنة 1995، وعملت في بلدية القدس الغربية. وعندما انتخب إيهود أولمرت رئيسا للبلدية كانت مسؤولة عن سفرياته إلى الخارج. وعندما ترك البلدية وانتخب لعضوية الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) سنة 1996، أخذها للعمل معه مساعدة، فواصلت العمل في تنظيم سفرياته الكثيرة إلى الخارج. ولكنها لم تنسجم مع الحياة في إسرائيل، فعادت سنة 2000 إلى الولايات المتحدة مهاجرة. وهناك تزوجت من رجل يهودي أرثوذكسي متدين ومتطرف سياسيا.

في الرابع من شهر يوليو (تموز) من سنة 2008، اتصلت مور، بمبادرة منها، بالنيابة في إسرائيل من بيتها في ولاية نيوجرسي الأميركية، وأبلغت أن لديها معلومات تدين أولمرت بتهمة الحصول على امتيازات من وكالات السفر وشركات الطيران استخدمها لصالح أفراد عائلته. وقد تلقفت النيابة في إسرائيل البلاغ بتلهف شديد، حيث كانت قد بدأت تحقيقات سرية وعلنية ضد أولمرت. ومن استجواب الشاهدة مور هذه، نسجت النيابة لائحة اتهام قالت فيها إن قيمة الامتياز 92 ألف دولار، واعتبرته رشوة من شركات السياحة. وطلبت إدانة أولمرت بتهم فساد كثيرة؛ تلقي رشوة، وسرقة أموال الدولة، والتصرف بأموال الدولة لأغراض ومصالح شخصية، وخيانة الأمانة، واستغلال المنصب بشكل سيئ.

ويتضح من القرار أن النيابة كانت، في أحسن الأحوال، متسرعة، ولم تعمل بالمستوى الأدنى من المهنية. فهي صدقت الشاهدة تماما، من دون أن تتحقق من المعلومات التي أدلت بها، ومن دون أن تفحص دوافعها، ومن يقف وراء الشاهدة.

فقد تبين أن المرأة تنتمي لعائلة يمينية متطرفة، لها نشاط سياسي وإعلامي كبيران في الولايات المتحدة. وزوجها يملك موقعا على الإنترنت يدعى «لينكد إن»، يكتب فيه مقالا أسبوعيا تحت عنوان «معلومات تتعلق بأمن إسرائيل». وقبل أن تتصل زوجته بالنيابة الإسرائيلية، كان قد نشر سلسلة مقالات هاجم فيها أولمرت بسبب مفاوضاته مع الرئيس الفلسطيني، وتسريباته التي تدل على أنه قرر التوجه لمفاوضات جادة مع الفلسطينيين لتسوية الصراع بشكل فعلي. فقد اعتبره خائنا لمصالح إسرائيل، وخائنا لمبادئه. وقال إن أولمرت، الذي كان أول من أقام أحياء يهودية تشبه المدن في القدس الشرقية، أحدث انعطافا خطيرا في توجهه، وبات أحد الداعين الأساسيين لتقسيم القدس ولإقامة دولة فلسطينية لخدمة الإرهاب.

وحسب ما نشرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية، فإن هذا الموقع الإلكتروني على الشبكة، مدعوم ماليا من جهات معروفة بتقربها من رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي، بنيامين نتنياهو.

ويتضح من مراجعة قرار المحكمة، أن النيابة لم تكلف نفسها عناء إجراء أي تحقيق جدي للتأكد من المعلومات. ولكن محامي الدفاع عن أولمرت، كشفوا الحقيقة، فقالوا إنها امرأة كاذبة. وخلال استجوابها انهارت على منصة الشهود وتوقفت المحكمة. ثم اعترفت، تحت ضغط وإلحاح المحامين، بأنها ابتدعت القصص الكاذبة. فعندما قالت إن أولمرت ربح كثيرا من سفره إلى الصين، وهي التي نظمت هذه السفرية بأدق تفاصيلها، اتضح أن أولمرت لم يسافر إلى الصين في الفترة التي كانت تعمل فيها مور. فقد سافر إلى بكين للمرة الأولى، سنة 2004. وقد فسرت مور سبب كذبها هذا بـ«غلاوة القدس على قلبها». واعترفت بأنها تلقت استشارة من أحد كبار الحاخامات اللامعين، الذي أفتى بجواز الكذب من أجل درء الخطر عن القدس.

وقد جاءت هذه المعلومات لتزيد من القناعات في إسرائيل بأن أولمرت تعرض لمؤامرة كبيرة، استهدفت اغتياله سياسيا، كما كان اليمين المتطرف قد اغتال رئيس الوزراء إسحق رابين بسبب اتفاقات أوسلو. وقالت صحيفة «معاريف»، تعليقا على هذه المعلومات: «هناك مؤامرة خطيرة تسببت في الإطاحة برئيس الحكومة بسبب آرائه السياسية».