أمين عام حزب الرشاد السلفي اليمني: الحوثيون «دولة داخل الدولة»

قال لـ «الشرق الأوسط» إن السلفيين سيتركون السلاح إذا فرضت الدولة هيبتها.. ودعا إلى الحوار مع «القاعدة»

TT

هذا هو أول حوار يجري مع القيادي البارز في حزب اتحاد الرشاد اليمني السلفي، الشيخ عبد الوهاب الحميقاني، أمين عام الحزب، بعد ساعات قليلة على إشهار الحزب لممارسة نشاطه رسميا، ويتناول الحوار الذي أجرته معه «الشرق الأوسط» جملة من القضايا السياسية على الساحة اليمنية، وأخرى تتعلق بموقف حزبهم من العنف وتنظيم القاعدة، ونظرتهم إلى المرأة بين ماضيهم كتيار وحاضرهم كحزب سياسي، إضافة إلى علاقتهم المتوترة بالحوثيين، وقتال بعضهم بعضا في أكثر من منطقة بشمال البلاد. ويقول الحميقاني إن الحوثيين جماعة غير شرعية وخارجة على النظام والقانون، وإنهم (أي السلفيين) سوف يتركون سلاحهم في حال بسطت الدولة اليمنية سيطرتها ونفوذها على الحوثيين الذين يصفهم بأنهم «دولة داخل الدولة»، فإلى نص الحوار:

* كنتم كسلفيين ترفضون بل تحرمون العمل السياسي، والآن صرتم حزبا سياسيا، فهل الأمر يأتي على غرار ما جرى في مصر أم أنه كانت لديكم توجهات سياسية في السابق؟

- السلفيون لم يكونوا بمعزل عن المشهد، بل كانت لهم مشاركات كثيرة في الشأن السياسي، لكن نستطيع أن نصفها بأنها كانت مشاركة عامة سياسيا، لكن المشاركة السياسية الخاصة بحيث يتبلور عملهم في مشروع سياسي خاص يتقدمون به إلى المجتمع ويخوضون به غمار التنافس السياسي مع القوى السياسية، هذا هو الجديد في عمل التيار السلفي في اليمن، وحزب الرشاد هو أول حزب سلفي في اليمن له مشروع سياسي خاص ينافس به القوى السياسية الأخرى، وننشد من خلال مشروعنا السياسي النهضة بمجتمعنا ورعاية مصالحه والحفاظ على ثوابته، هذا ما ننشده، ونمد أيدينا إلى غيرنا من الأحزاب والتكتلات والتجمعات للعمل معها، ونحن لنا فلسفة خاصة في العمل السياسي، لا يوجد لدينا مبدأ النفاق السياسي، بل مبدأ الوضوح والصراحة مع كل الأطراف، وهذا سيريحنا وسيريح الأطراف المتعاملة معنا، سواء الأطراف المتوافقة أو المختلفة، لأن مبدأنا ليس موالاة بإطلاق أو مخالفة بإطلاق، قد نتوافق مع حزب معين في قضية ما ونختلف معه في قضية أخرى، ونتفق مع آخر في قضايا ونختلف في قضايا أخرى، أي ليس لدينا ما لدى البعض أن يعارض على الدوام أو يوالي على الدوام.

* هل في أجندة حزبكم توجه للتحالف مع أحزاب أو تكتلات في الساحة؟

- من حيث مبدأ التحالف ليس لدينا أي مانع، لأن لدينا فلسفتنا في أن التحالف يمكن أن يكون مع أي جهة بحسب نوعها، لكن ليس مطروحا على مؤسسات الحزب التحالف حاليا، ونحن نريد أن نكون، في هذه الفترة، على مسافة متساوية من جميع الأطراف، لكن لا يمنع في ظروف مستقبلية أن تقرر مؤسسات الحزب نوعا من أنواع التحالف أو التنسيق بحسب ظروف الحزب، وبحسب ما تمليه مرحلة معينة علينا.

* هناك كما تعرف مخاوف لدى البعض في الشارع اليمني وأيضا في الشارع العربي من التوجهات الجهادية للسلفيين، فما رسائل الطمأنة من جانبكم لليمنيين؟

- ما دفع كل الحركات الإسلامية إلى العنف في كثير من المراحل، بدءا من الإخوان المسلمين إلى «القاعدة» اليوم، هو الإقصاء والتهميش السياسي والتنكيل الذي مورس بحقهم ومحاربة أفكارهم وطروحاتهم لفترة من الزمن، وامتلأت السجون بالكثير منهم، فربما كان هذا عاملا من عوامل دفعهم إلى العنف، وهذه بعض الأسباب لأن هناك أسبابا فكرية واقتصادية واجتماعية، لكني على ثقة من أن إتاحة المجال للتيارات الإسلامية من كل الاتجاهات لدخول العمل السياسي وتشجيعها على ذلك وتطمينها وإعطاءها حقوق المواطنة الكاملة وترك المجال لها أن تعمل عبر مؤسسات بأفكارها وآراءها وأن تطرح ما تريد، سوف يساعدها لأن تعمل في النور وتطفو على السطح، ومع الأيام سيضمحل العنف، والنبي (ص) يقول: «إن الله ليعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف»، فسبيل الرفق لا ريب أنها الأسلم، لكن ربما عندما سدت سبيل الرفق عند بعض الاتجاهات الإسلامية في ظروف وسنوات (مراحل) معينة، هو ما دفعهم إلى العنف، لكني أبشرك بأن التيار السلفي سيصبح بمشروعه السياسي عامل إماتة للعنف في البلدان التي تنشط فيها التيارات السياسية الإسلامية، وعلى وجه الخصوص التيارات السلفية.

* هذا في ما يتعلق بالشق السياسي، لكن فيما يتعلق بالحريات، هناك مخاوف من وجود السلفيين كحزب أن يقوم بتضييق الخناق على الحريات الشخصية بالأخص، فما تعليقكم؟

- أتحدى أي شخص يأتيني بحرية مطلقة للفرد، أي بلد فيه نظام وقانون يصبح الفرد فيه مقيدا وله حرية في إطار محدد، والحرية الشخصية مكفولة حتى في الإسلام، وبقية الحريات التي تتعدى لأن تصل إلى حقوق الآخر أو حقوق المجتمع، هذه محددة بنظام اجتماعي وسياسي وقانوني، كل البلدان الديمقراطية والليبرالية لديها قوانين ونظم، وهذا يعني أن هناك حدودا للحريات، هو فقط (الآخر) يريد أن يمنع.. أنا لدي قيود وهو لديه قيود، والنقاش يجب أن يكون حول أي القيود أفضل لحرية الفرد، دون أن يأتي ليبرالي ليفرض قيودا بآراء وبقوانين معينة، وخلافنا الآن مع الليبراليين هو في نوعية القيود، فالكل متفقون على أنه لا توجد حريات مطلقة حتى في الولايات المتحدة وبريطانيا، فهي مقيدة بالنظام والقانون وبضوابط اجتماعية وأخلاقية وقيمية وتتفاوت من مجتمع لآخر، وبالتالي يجب أن يكون النقاش حول: هل القيود التي يضعها الإسلاميون أفضل من القيود التي يضعها الليبراليون والاتجاهات الأخرى؟

* الأمور تغيرت بعد أن صرتم حزبا سياسيا عما كانت عليه عندما كنتم تيارا أو جماعة، مع ذلك هل تغيرت اليوم نظرتكم إلى المرأة؟

- نحن لسنا الإسلام، الإسلام محفوظ ومصون، أما ممارساتنا فهي خاضعة للإسلام، وقد نجتهد اجتهادا يكون خاطئا، وقد نرى بعد ذلك اجتهادا أصوب منه، ولا ريب أن هناك الكثير من قضايا المرأة تشتت بعض الناس، والمسألة يجب أن ترتبط بضوابط الشريعة، ولا مانع لدينا من أن تكون المرأة عضوا لدينا، بل لدينا في الحزب دائرة خاصة بالمرأة، لكن حقيقة يجب أن نترفع، وبعض البلدان كالولايات المتحدة التي تعلمنا اليوم الديمقراطية، كانت، إلى الستينات، تمنع المواطنين السود من التصويت، إذن هناك نمو اجتماعي في الحقوق والممارسات ويجب أن يؤخذ على مستوى المجتمع وعلى مستوى الكيانات، فضلا عن مستوى الدول، دون أن تأتي لتحاكم السلفيين على نظرتهم وتعاملهم مع المرأة وتقارنها بنظريات ودول يختلفون معها ويتباينون، سواء بالتصور أو الاعتقاد أو المراحل التي مروا بها.. لذلك يجب أن تؤخذ الأمور بنسبية ومنطقية.

* كيف تنظرون إلى الأوضاع الأمنية المتدهورة وإلى النشاطات الإرهابية وبالأخص العمليات الانتحارية لـ«القاعدة»؟

- موقف حزب الرشاد واضح وهو ضد أي عمل مسلح وعنف داخل البلد، ضد أي جهة أو جماعة، سواء كانت «قاعدة» أو حوثيين أو الحراك المسلح، هو أمر مرفوض ندينه ونستنكره، لكن قد نتباين في طريقة العلاج، ونحن نرى أن علاج العنف في اليمن يخضع لطريقة النفاق السياسي وللارتهان الخارجي، فالذي يقتل في دماج وصعدة وعاهم (حجة) وفي الجوف والذي يفرض آراءه ويقيم السجون ونقاط التفتيش ويهجر عشرات الآلاف من القرى ويقصف بالدبابات والمدافع، يتم التعامل معه وتتم محاورته ويدرج له ممثلون في لجنة الإعداد للحوار الوطني، وفي الوقت ذاته طائفة أخرى كـ«القاعدة» يقولون إنه لا يمكن التحاور معها، فهذا نفاق سياسي ونحن ما دمنا سلكنا طريق الحوار يجب أن نبذله للجميع، ومن أصر على العنف فليصبر على الذي يأتيه، وأنا متأكد أن بعض الذين انتسبوا إلى «القاعدة» أو خطفتهم هي، ربما مورس بحقهم ظلم في السجون وأدى ذلك إلى ردود فعل، فإذا فتح باب الحوار معهم، ربما يعودون إلى جادة الصواب، والقضية الأمنية في اليمن يجب أن تعالج بمنظور وطني وبسياسة عامة تقضي على هذا العنف نهائيا، وليست وقتية تحدد مصالح إقليمية ودولية، بغض النظر عن آثارها على اقتصادنا وبلدنا وثقافتنا وسلمنا الاجتماعي، بعض الدول من الأمور العادية لديها أن تكون محافظة أبين مسرح معركة ولا يعنيها أن تدمر جعار من أجل الحصول على مكاسب معينة من خلال تصفية خصوم معينين، والمعالجة يجب أن تكون وطنية بعيدة عن الارتهان الخارجي والنفاق السياسي.

* إلى أين وصلت علاقتكم بالحوثيين؟ وهل من بوادر لإنهاء النزاع بصورة شاملة بعيدا عن الهدن التي تبرم لوقف اقتتالكم معهم في شمال البلاد؟

- الحوثي هو الذي فرض نفسه، هو الذي حاصر دماج (مركز السلفيين بصعدة) وهاجم القرى، فما الدولة فاعلة معه؟ هو دولة داخل دولة، والدولة لا تفرض سيادتها، وفي نص دستورها أن هذه الجماعة مسلحة وإرهابية خارجة على النظام والشرعية والقانون، ثم يعطونه شرعية.. من حمل السلاح، بحسب الدستور، خارج على الشرعية، فما شرعية الحوثي؟ ليسوا حزبا سياسيا لأنه محظور عليهم أن يكونوا حزبا مسلحا في قانون الأحزاب، وتصنيفهم أنهم خارجون على القانون، وبالتالي يجب أن تتحمل الدولة مسؤوليتها ونحن لا نطالب بإقصاء الحوثي أو أن يخرج من اليمن، فله وللسلفيين حقوق المواطنة المتساوية، وللجميع الحق في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم، لكن يجب أن يكون التباين فكريا ونظريا عبر مؤسسات تعليمية وحوارات فكرية، وليس بالرصاص وإراقة الدماء وبالمدافع، فإذا فرضت الدولة هيبتها فإن السلفيين الذين اضطروا للدفاع عن أنفسهم سوف يتركون السلاح.