قوانين وأحكام الاتحاد الأوروبي تغضب البريطانيين وتزيد من المطالبة بالانفصال

أعضاء حزب العمال المعارض: نحن نواجه استبداد أوروبا المثير للشفقة

الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مع ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لدى وصولهما إلى وزارة الخارجية والكومنولث في وسط لندن الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

كحال الكثيرين هنا، في هذه الجزيرة التي تدافع عن استقلالها بشراسة، يبدي ستيف بيكر، المهندس الإنجليزي، حنقا شديدا على تدخل الاتحاد الأوروبي في الحياة البريطانية.

قال إن الاتحاد الأوروبي تدخل على مدى سنوات في الشؤون القانونية وقوانين العمل البريطانية. لكن الاتحاد، تخطى هذه المرة الحدود بتدخله في أسباب فخره وسعادته، دراجته النارية الحديثة KTM 950 التي يركبها في شوارع باكنغهام شاير، حيث ستحظر القوانين، التي يتوقع أن تطبق في جميع أنحاء دول الاتحاد، على راكبي الدراجات النارية إصلاح دراجاتهم بأنفسهم، وهو ما أغضب عشرات الآلاف من راكبي الدراجات النارية البريطانية، وجعل الاتحاد رمزا لسلطة تعيث في الأرض فسادا.

بيكر ليس بالشخص السهل الذي يمكن العبث معه، فهو عضو في مجلس العموم، كما أنه واحد من بين مجموعة من السياسيين الغاضبين تمارس ضغوطا على رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون لإجراء استفتاء على فكرة لم تكن مطروقة هنا من قبل: الانفصال عن الاتحاد الأوروبي.

ويقول بيكر، واحد من بين 100 نائب برلماني من حزب المحافظين الذين يطالبون بإجراء استفتاء، ذلك المقترح الذي يلقى قبولا واسعا حتى بين أعضاء حزب العمال المعارض: «نحن نواجه استبداد أوروبا المريبة المثيرة للشفقة، التي تريد الآن أن تملي علينا ما نفعله، وأنه ليس بمقدورنا تعديل دراجاتنا. لقد وصلت بريطانيا إلى المرحلة التي لم يعد السواد الأعظم من أبنائها يرغبون في الاستمرار في ظل الأوضاع الراهنة، ولا يبدون رغبة جدية في التكامل مع أوروبا».

لإنقاذ حلم أوروبا الموحدة في وجه أزمة الديون المدمرة، يتحرك قادة دول أوروبا على الجانب الآخر من القنال الإنجليزي إلى التنازل عن السيادة على مصارفهم، بل وصلت المناقشات إلى انتخاب رئيس للقارة بأسرها.

لكن في الوقت الذي تحاول المنطقة فيه القيام بخطوات جذرية نحو التكامل، والقلق الشعبي المستشري بها، لا توجد معارضة أقوى مما هي عليه في بريطانيا، والتي انسحبت من استضافة مبادرات التكامل المقترحة والتي يمكن أن تشكل معارضتها عقبات أمام باقي دول أوروبا التي تسعى إلى صياغة مستقبل مشترك.

هذا الوابل من الانتقادات اللاذعة التي تستهدف أوروبا ترهق العلاقات، وتنشئ ما يسميه البعض هنا بـ«أوروبا ثنائية السرعة»، حيث تسعى عدة دول إلى الوحدة في الوقت الذي تبدو فيه بريطانيا وكأنها تميل باتجاه دول مثل النرويج وسويسرا التي لا تود المشاركة بشكل رسمي في أوروبا موحدة. وكان خوسيه مانويل باروزو، رئيس المفوضية الأوروبية، قد وجه انتقادات لاذعة هذا الشهر للقوى المعارضة لأوروبا الموحدة هذا الشهر، بالقول: «يبدو أنكم سعداء بالصعوبات التي تواجهها منطقة اليورو».

دائما ما كانت بريطانيا تبدو غير عابئة بتقاليد وبيروقراطية القارة التي لا تبعد سوى 21 ميلا فقط عن منحدرات دوفر الصخرية البيضاء، والتي ترى أوروبا على الأغلب مفككة. وعلى الرغم من تنازل لندن عن بعض السلطات خلال العقود الأربعة الماضية - طمعا في الفوز بالتجارة المعفاة من الضرائب مع أكبر اقتصادات في المنطقة مثل ألمانيا وفرنسا - فإنها حمت الجنية الاسترليني وتجنبت اليورو، في الوقت الذي لم تبد فيه ثقة كاملة بشركائها الأوروبيين.

وتشير استطلاعات الرأي إلى أن واحدا من بين كل بريطانيَين يود خروج بلاده من الاتحاد الأوروبية. وفي ظل تنامي الغضب الشعبي، بدا كاميرون متقبلا لفكرة إجراء استفتاء الشهر الماضي. لكنه سعى أيضا إلى رفض الضغوط للمسارعة في تحديد موعد لذلك، الأمر الذي يرى المراقبون أنه سيتعذر عليه بشكل كبير الدفاع عنه خلال الأشهر القليلة القادمة. وكان نواب حزب المحافظين قد سعوا إلى جعل الاستفتاء على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي حجر زاوية مبكر في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في عام 2015 - في الوقت الذي تكتسب فيه المعارضة لأوروبا الموحدة شعبية هنا. فعلى سبيل المثال، وصلت شعبية كاميرون إلى أعلى مستوى لها في استطلاعات الرأي في ديسمبر (كانون الأول)، بعد رفضه اتفاق الاتحاد الأوروبي الجديد الذي يمنح الاتحاد مزيدا من السلطات على الميزانيات في الدول الأعضاء. وقد أجبر تحركه هذا الدول الأوروبية المؤيدة للاتفاقية - التكتل الذي قادته ألمانيا - إلى صياغة اتفاقها الخاص، تاركة بريطانيا خارجه.

منذ ذلك الحين، أثارت العديد من قوانين وأحكام الاتحاد الأوروبي غضب قطاع كبير من البريطانيين. ففي بداية العام الحالي، أثار قرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبية غضب الكثيرين عندما رفضت محاولة بريطانيا ترحيل أبو قتادة، رجل الدين المتشدد، الذي ترى السلطات البريطانية فيه خطرا على أمنها القومي. وأصرت المحكمة على ضرورة أن تتلقى بريطانيا ضمانات من الأردن، إلى حيث كانت تنوي بريطانيا ترحيله، بأنه سيتلقى محاكمة عادلة.

في الوقت ذاته، تتصدى النساء البريطانيات للقوانين الأوروبية الجديدة التي تجبر شركات التأمين على إنهاء سياسة التسعير القائمة على الجنس والتي ترفع من قيمة أقساطهن التأمينية. كما تزايد السخط بسبب الزيادة المقترحة بنسبة 6.8 في المائة ميزانية المفوضية الأوروبية - الفرع التنفيذي للاتحاد الأوروبي - في الوقت الذي تمر فيه بريطانيا ودول أخرى في المنطقة بتدابير تقشفية مؤلمة. ومع ارتفاع معدل البطالة يلقى البريطانيون باللائمة على موجات المهاجرين القادمين من دول الاتحاد الأوروبي مثل بولندا وإسبانيا، الذين يتمتعون بنفس مزايا العمل مثل المواطنين البريطانيين بموجب معاهدات الاتحاد.

ويؤكد المحافظون من أمثال، ليام فوكس، وزير دفاع كاميرون الأسبق والنائب البرلماني المؤثر، على أن عضوية الاتحاد الأوروبي تم التضخيم من أهميتها. ودلل على ذلك بالعجز في الميزان التجاري البريطاني مع باقي دول القارة والذي يصل إلى 200 مليار دولار.

بيد أن فوكس وآخرين يعتقدون ضرورة ألا يكون الاستفتاء بصيغة نعم أو لا لعضوية الاتحاد الأوروبي، وبدلا من ذلك ينبغي أن يتضمن سؤالا حول ما إذا كان على بريطانيا أن تعيد التفاوض مع الاتحاد للاستعادة بعض السلطات.

تؤكد نظرة المحافظين على التطور الذي شهده الحزب. كانت بريطانيا قد انضمت إلى الهيئة التي سبقت الاتحاد الأوروبي الحالي - المجتمع الاقتصادي الأوروبي - في عام 1973 على يد رئيس وزرائها في تلك الفترة إدوارد هيث. لكن فوكس وآخرين قالوا إن النظرة الضيقة السابقة على الاقتصاد والتجارة «خرجت عن السيطرة»، مع سيادة سلطات الاتحاد على النظام القضائي البريطاني، وقوانين العمل وحقوق الصيد، وتحويل الاتحاد إلى شيء لم يتخيله المحافظون الذين أيدوه في السابق على الإطلاق.

إذا ما أجري الاستفتاء، ستكون تلك المرة الأولى في أوروبا منذ عام 1975 عندما صوت البريطانيون بأغلبية لصالح استمرار عضوية المجتمع الاقتصادي الأوروبي.

وقال فوكس: «ما صوت له الشعب البريطاني في عام 1975 كان الوصول إلى السوق المشتركة، وليس ما تمليه عليه معايير الصحة والعمل والقانون والأمن ومعايير العمل التي نراها اليوم. هذا ما لم تكن بريطانيا ترغب به».

رغم ذلك، يرى المنتقدون أن رفض التكامل الأوروبي يمثل ضررا على بريطانيا وأوروبا. فالانسحاب البريطاني من الاتحاد الأوروبي أو حتى إعادة التفاوض على عضوية من الدرجة الثانية سيحرم الاتحاد من ثالث أضخم اقتصاد وربما أقوى قوة عسكرية فيه. لكن لندن تغامر في الوقت ذاته بخسارة المكانة القوية التي نالتها من خلال الاتحاد. ويرى البريطانيون المؤيدون للاتحاد الأوروبي أن اتفاقية التجارة الحرة الجديدة مع كوريا الجنوبية تم التوصل إليها بشروط ميسرة ما كان لبريطانيا أن تتمكن بمفردها من التفاوض عليها. إلى جانب ذلك، تخاطر بريطانيا بخسارة المليارات من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الشركات الأوروبية والأميركية والآسيوية التي ترى في هذه الدولة بوابة إلى الاتحاد الأوروبي - أضخم شبكة من المستثمرين في العالم بتعداد يصل 500 مليون شخص.

ويقول روبين نيبلت، مدير مؤسسة شاثم هاوس، ومقرها لندن: «هناك مخاوف متنامية بين السياسيين البريطانيين وبخاصة من المحافظين، من أن أوروبا الآن صارت شيئا لا يمكن الانضمام إليه. لكن ما هي البدائل؟ الأميركيون يمموا وجوههم نحو آسيا، سياسيا ومعنويا، في الوقت الذي لن نقبل فيه بالانضمام إلى اتفاقية التجارة الأميركية الحرة. لذا إذا نأت بريطانيا بنفسها عن أوروبا فقد تجد نفسها وحيدة تماما».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»