تونس: الغنوشي على رأس حركة النهضة من جديد

الترخيص لحزب التحرير فيها

زعيم النهضة راشد الغنوشي في مؤتمر صحافي بعد اعادة انتخابه ويظهر قيادي النهضة عبد اللطيف مكي (رويترز)
TT

لم يمثل التصويت لصالح مواصلة راشد الغنوشي، 70 سنة، رئاسة حركة النهضة الإسلامية مفاجأة للكثير من المتابعين لنتائج المؤتمر التاسع لحركة النهضة الذي انعقد من 12 إلى 16 يوليو (تموز) الجاري.

فقد انطلق المؤتمر بحظوظ وافرة منذ البداية ولم يجد حسب المحللين السياسيين منافسين من الوزن الثقيل في منافسته وسط انقسامات داخل الحركة نفسها بين «نواب المنفيين» و«نواب السجناء» و«نواب الواقفين على الجمر» كما صنفهم المحلل السياسي التونسي كمال بن يونس، ولكن الأسباب التي رجحت كفة الغنوشي كانت أكثر من ذلك بكثير مما طفا على السطح.

وتم تجديد انتخاب راشد الغنوشي الذي يرأس حركة النهضة منذ سنة 1991 بنسبة 72,58 في المائة من الأصوات أي أن قرابة 744 من بين 1025 من نواب مؤتمر حركة النهضة قد صوتوا لصالح الغنوشي، لم يمر دون إثارة الكثير من التعاليق السياسية وردود الفعل المختلفة سواء من داخل الحركة أو من خارجها. فقد صرح الحبيب اللوز أحد القياديين المرشحين لـ«الشرق الأوسط» أن «ترشحه كان لفرض عقلية التعدد في الترشحات ولكن ميزان القوى يميل لصالح راشد الغنوشي ضد كل المنافسين». ووصف بعض المرشحين من قيادات حركة النهضة الغنوشي بكونه رجل المرحلة»، وتلا الغنوشي في المراتب اللاحقة وبفارق كبير في الأصوات الصادق شورو الرئيس السابق للحركة والحبيب اللوز أحد القيادات المهمة في تاريخ حركة النهضة.

ولم يخل المشهد السياسي التونسي من التعليقات الطريفة التي تلت الإعلان عن تجديد رئاسة الغنوشي لحركة النهضة، فقد علقت بعض الأطراف بالقول «إن راشد الغنوشي يخلف الغنوشي راشد» في رئاسة الحركة في إشارة إلى غياب عنصر المفاجأة في تلك الانتخابات. وذهب البعض إلى وصف المؤتمر ككل وطريقة إدارته وتعرض الإعلاميين إلى المحاباة والتضييقات بأنه لا يختلف كثيرا عن مؤتمرات «التجمع الدستوري الديمقراطي» المنحل حزب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي.

وخلافا للفترات النيابية السابقة والتي كانت رئاسة الحركة تدوم أربع سنوات، ولكن راشد الغنوشي لن يحظى إلا برئاسة تدوم سنتين على غير العادة يتم على أثرهما الدعوة إلى مؤتمر استثنائي وهو ما رأى فيه بعض المتابعين للشأن السياسي التونسي «تأجيلا للعديد من القضايا الحساسة والخلافية» إلى فترة ما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع إجراؤها خلال النصف الأول من سنة 2013. وتفسر بعض الدوائر توجه قيادات حركة النهضة نحو الاستمرارية على مستوى رئاسة الحركة إلى نجاح الشيخ راشد الغنوشي في إدارة «المعركة» مع المنافسين السياسيين خلال الفترة الماضية بعد تحقيق نتائج جيدة في أول انتخابات سياسية وهي تخشى ضياع تلك المكاسب.

وفي هذا السياق قال المحلل السياسي التونسي كمال بن يونس لـ«الشرق الأوسط» إن المؤتمر التاسع لحركة النهضة قد أظهر اختلافات كثيرة وعميقة حول الإصلاحات الواجب اتخاذها بصفة عاجلة، كما ترك وراءه جدلا واسعا وتباينا في وجهات النظر بين السجناء السابقين وعددهم بالآلاف، وبين مجموعات المنافي أو ما يعبر عنهم بـ«قيادات المهجر» إلى جانب القيادات السياسية التي واصلت المعركة ضد النظام السياسي التونسي.

واعتبر بن يونس أن اختيار راشد الغنوشي هو اختيار فرضته المرحلة الحالية التي خشيت التصدع داخل الحركة واستدل على الخلاف بين تيارات حركة النهضة بتواصل المؤتمر ليوم خامس لم يكن مبرمجا منذ البداية. وأشار بن يونس مؤلف كتاب «الإسلاميون والعلمانيون في تونس: من السجون والاضطهاد إلى تحدي حكم البلاد» الصادر سنة 2012، إلى «ثورة الغالبية الساحقة أثناء أيام المؤتمر التاسع ضد عقلية (الأسود والأبيض) وسيطرة عقلية الاختلاف إلى حد خشي منه ظهور (التصدع) و(الانشقاق) بسبب الخلافات الكثيرة بين التيارات السياسية الثلاثة». وقال أيضا إن تلك الاختلافات قد تكون مؤثرة على مستقبل تسيير الحركة وعلى صلاحيات الرئيس ومجلس الشورى (ترشح 700 نائب لعضوية المجلس من بين 1100 نائب) والمجالس القيادية ككل. ولعل اعتماد النظام البرلماني داخل حركة النهضة الذي يرجح كفة مجلس الشورى على رئاسة الحركة يؤكد حسب بن يونس التوجه نحو الحد من صلاحيات الرئيس والتخفيض في مدة رئاسته للحركة في انتظار مؤتمر جديد تفصح من خلاله القواعد في حركة النهضة على التوجهات الجديدة التي ستطبع الحركة خلال السنوات القادمة.

الى ذلك حصل حزب التحرير الإسلامي التونسي أمس على الترخيص القانوني للعمل كحزب سياسي، ليكون بذلك ثاني حزب اسلامي في البلاد بعد جبهة الإصلاح.

وقال عبد المجيد الحبيبي، رئيس المكتب السياسي لحزب التحرير الإسلامي، إنه حصل يوم أمس على الترخيص لممارسة العمل السياسي بصفة قانونية. واعتبر أن السلطات التونسية قد أرجعت الحق إلى أصحابه على حد تعبيره. وأضاف الحبيبي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الترخيص لن يغير الكثير على مستوى أنشطة الحزب وعلاقاته السياسية مع بقية الأطراف والأحزاب، واستدرك ليؤكد على مواصلة الحزب لمواقفه من نفس القضايا السياسية المطروحة. واعتبر أن الحصول على الترخيص القانوني سيخفف من حجم التضييقات التي عرفتها أنشطة الحزب خلال الفترة التي تلت الثورة، وقال إن حكومة حمادي الجبالي قد أبلغت قيادات الحزب بعدم وجود أي احتراز حول مبادئ عمله، وأكدت على نيتها فتح تحقيق في ظروف تأخر المراسلة التي تمنح حزب التحرير الترخيص القانوني.

وحول الأنشطة المزمع تنفيذها، قال الحبيبي إن الأنشطة المبرمجة لن يطرأ عليها تغيير، لكن الجوانب النفسية والمعنوية تبقى ذات أهمية في مثل هذه الظروف. وأضاف أن القيادات الحالية للحزب مرتاحة تمام الارتياح لقرار الوزارة الأولى التونسية بتمكينها من حق العمل السياسي العلني والقانوني لأول مرة في تاريخ حزب التحرير.

وحول ما إذا ما كانت حركة النهضة التي تقود تونس قد تدخلت لمنح الحزب الترخيص لضمانه إلى صفوفها في مواجهة التيارات اليسارية، نفى الحبيبي الأمر، وقال إن حزب التحرير قدم ملفا مستوفيا لكل الشروط، والإعلان عن منع الترخيص له على أساس أن حزب التحرير يطالب بأن يكون الرئيس التونسي مسلما مسألة دستورية بالأساس، فالفصل الأول من الدستور التونسي الجديد الذي سيعتمد في تونس ينص على أن تونس «جمهورية دينها الإسلام ولغتها العربية»، ومن نافل القول أن يكون الرئيس مسلما.

وكان حزب التحرير قد تأسس لأول مرة في تونس سنة 1973، وهو ينتمي إلى حزب منتشر في دول عربية وإسلامية تتجاوز حدود تونس، وقد طفت أنشطته على الساحة السياسية في بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، ولا يعرف عدد المنتمين إليه بحكم العمل السري الذي ينتهجه. وتعرض مثله مثل بقية الأحزاب ذات المرجعية الدينية على غرار حركة الاتجاه الإسلامي إلى مضايقات ومحاكمات من قبل نظامي الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي، وحوكم المنتمون لحزب التحرير خلال عامي 1983 و1986، وضمت محاكمة سنة 1990 مجموعة كبيرة مكونة من 228 متهما.

كما أحيل 8 من المنتمين لحزب التحرير إلى القضاء التونسي سنة 2006 بتهمة الانتماء لمجموعة غير مرخص لها، وتعرض أنصاره لمحاكمة جديدة سنة 2009.

وفاجأ حزب التحرير التونسيين بعد الثورة بدعوته لإقامة دولة الخلافة، واضطر لتعديل بعض مواقفه وتوضيح البعض الآخر على غرار نبذ العنف في تعاملاته السياسية والقبول بصندوق الاقتراع لتغيير أنظمة الحكم.