الشرطة السودانية تفرق مسيرة احتجاجية تضامنا مع المعتقلين.. وتعتقل صحافيتين

أنباء عن لقاء ثان بين البشير وسلفا كير في أديس أبابا قريبا

صحافيون سودانيون في مظاهرة تطالب بحرية الصحافة واطلاق المعتقلين بعد توقيف صحيفة التيار عن الصدور في العاصمة الخرطوم أمس (أ.ف.ب)
TT

شهدت العاصمة السودانية الخرطوم أمس أحدث علميات احتجاج ضد نظام حكم الرئيس عمر البشير، ومنعت الأجهزة الأمنية نشطاء نظموا وقفة احتجاجية تطالب بإطلاق سراح المعتقلين في الاحتجاجات الأخيرة في البلاد، فيما تظاهر طلاب جامعة السودان، ومواطنون في مدينة كوستي (جنوب الخرطوم) مطالبين بسقوط النظام، في الوقت الذي نظم فيه صحافيون وقفة احتجاج نددت بتعليق صدور صحيفة «التيار» المستقلة. وقال شهود إن السلطات الأمنية منعت محتجين من تقديم مذكرة لجهاز الأمن الوطني، تطالب بإطلاق سراح معتقلي الاحتجاجات التي تشهدها البلاد منذ منتصف الشهر الحالي، وإن الشرطة فرقت النشطاء وذوي المعتقلين الذين حاولوا التجمع قرب مباني جهاز الأمن الوطني بالخرطوم لتقديم مذكرتهم، وطاردتهم داخل الأحياء المجاورة، مستخدمة الغاز المسيل للدموع والهراوات، وألقت القبض على عدد من ذوي المعتقلين والناشطين، قدرهم الشهود بعشرة بينهم صحافيتان وصحافي. وكان ناشطون قد دعوا على مواقع التواصل الاجتماعي للوقفة الاحتجاجية التي ترفع لافتات تطالب بإطلاق سراح الموقوفين.

وفي السياق ذاته، فرقت الشرطة مظاهرة احتجاجية نظمها طلاب جامعة السودان (الجناح الجنوبي)، مستخدمة الغاز والهراوات، وقال الشهود إن قوات كبيرة كانت تحيط بمبنى الجامعة، إلا أن الطلاب استطاعوا تنظيم مظاهرتهم عقب «مخاطبة» حماسية داخل الجامعة. كما تردد أن مظاهرات حاشدة خرجت في مدينة «كوستي» (300 كم جنوب الخرطوم) طالبت بإسقاط النظام، ورددت هتافات معادية لحكومة الخرطوم، ونددت بارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية، بيد أن الشرطة فرقتها.

من جهته، قال نقيب الصحافيين السودانيين محيي الدين تيتاوي إنه يرفض بشكل قاطع مصادرة الصحف المحلية بعد طباعتها وتعطيل صدورها وإيقاف الصحافيين عن الكتابة. وأضاف وهو يتحدث إلى مؤتمر صحافي نظمه صحافيو صحيفة «التيار» (الموقوفة) بالخرطوم أمس «لم نستطع معرفة الجهة التي أصدرت أمر منع الصحافيين من الكتابة». ووصف تيتاوي مصادرة الصحف وإيقافها ومنع الصحافيين عن ممارسة الكتابة بأنها «أسوأ» أنواع التدخل في حرية التعبير وحرية الصحافة. ورفض نقيب الصحافيين وصف القبض على الصحافيين من قبل جهاز الأمن بأنه «اعتقال»، وقال إنهم «محتجزون»، وإنهم طالبوا بإطلاق سراحهم من دون معرفة الجهة التي تحتجزهم، وما هو «الجرم الذي ارتكبوه». وأضاف في إفادة لـ«الشرق الأوسط» أن الأمن لم يبلغهم بأسباب «احتجاز الصحافيين لمصلحة التحقيق»، وأنهم أصدروا بيانا طالبوا فيه بإطلاق سراحهم قائلا «الجهة التي تعتقلهم ليست الأمن الإعلامي المسؤول من الصحافة». وأضاف أن حدود عمل اتحاده تقف عند «المطالبة».

يذكر أن أجهزة الأمن تعتقل ثلاثة صحافيين، بينهم صحافية، وناشطة، على خلفية اعتقال الصحافية المصرية التي أطلق سراحها وعادت لبلادها، وهم الصحافي «محمد الأسباط»، والصحافية «مروة التجاني»، والناشطة «يسرا عبد الله»، والصحافي «فتحي البحيري» الذي ظل رهن الاعتقال لأكثر من عشرين يوما، فيما تتردد أخبار عن «فقدان» صحافية رابعة هي «سلوى البشاري» من دون أن يعرف أحد مكانها اختفائها. وذكر شهود أن صحافيتين أخريين هما «أمل هباني» و«رشان أوشي» تم القبض عليهما أمس في مظاهرة أسر المعتقلين.

إلى ذلك، قال رئيس صحيفة «التيار» المستقلة عثمان ميرغني، لـ«الشرق الأوسط»: «أغلقت صحيفتي لأكثر من شهر من دون أن تقدم لنا مبررات أو حيثيات لهذا الإيقاف من أي جهة، ولم يصلنا قرار مكتوب، بل أوقفت الصحيفة بقرار شفاهي إلى أجل غير مسمى». وأوضح ميرغني أنه التقى كل الجهات المسؤولة فوعده المسؤولون بمحاولة معرفة أسباب إيقاف الصحيفة، بما في ذلك جهاز الأمن الوطني الذي أمرهم بالتوقف، دون جدوى. وأضاف أن جهاز الأمن حدد له «ما يجب أن يكون عليه العمل الصحافي إجمالا»، مرجحا أن تكون أسباب الإيقاف «سياسية»، وأن الحرية التي تعمل بها صحيفته لم تعجب البعض. وأوضح أن إيقاف صحيفته لأكثر من شهر يسبب له خسائر فادحة ويهدد بتوقفها نهائيا عن الصدور. وشارك في الوقفة الاحتجاجية بدار اتحاد الصحافيين السودانيين أكثر من سبعين صحافيا وصحافية متضامنين مع زملائهم في الصحيفة الموقوفة.

من جهة ثانية، كشفت مصادر مطلعة من مقر الاتحاد الأفريقي، لـ«الشرق الأوسط»، أن قمة ثانية ستعقد بين رئيس السودان عمر البشير ونظيره في سوداني الجنوبي سلفا كير ميارديت، خلال الأيام القليلة المقبلة، لاتخاذ قرارات استراتيجية لحسم المفاوضات حول القضايا العالقة بين البلدين، في وقت تمسكت فيه الخرطوم بحل القضايا الأمنية العالقة مع جوبا قبل التفاوض حول نقل النفط. غير أن مصادر في حكومة الجنوب قالت إن الوفد السوداني يتخذ مواقف تكتيكية حتى يقوم مجلس الأمن الدولي بمد الفترة المحددة بالثاني من أغسطس (آب) المقبل. وقالت مصادر من مقر المفاوضات طلبت عدم الكشف عن هويتها، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاتحاد الأفريقي اقترح على البشير وسلفا كير بعد لقائهما الأخير على هامش القمة الأفريقية في الرابع عشر من يوليو (تموز) الحالي في أديس أبابا أن يعودا إلى عقد لقاء آخر خلال الأيام القليلة القادمة لاتخاذ قرارات استراتيجية في القضايا العالقة لحسمها وتوقيع اتفاق بين البلدين. وحدد الاتحاد الأفريقي العاصمة الإثيوبية مكان اللقاء الثاني الذي سيأتي بعد أسبوع من اللقاء الأول في حال حدث تقدم وتحضيرات من الطرفين. وأشارت إلى أن هذا اللقاء موجود في جدول المفاوضات المحدد من قبل الوساطة الأفريقية. وأضافت أن فريقي التفاوض من البلدين سيقومان بوضع قائمة بالقضايا التي سيقدمها كل فريق لرئيس بلاده ليتخذ بشأنها قرارات. وقالت إن وفدي البلدين سيتبادلان المواقف بينهما، وإن وفد جوبا تسلم مواقف الخرطوم أمس وسيرد عليها. غير أن عضوا في وفد جنوب السودان قال إن مواقف الخرطوم لم تتغير وليس فيها جديد.

وكشفت المصادر أن كير خلال لقائه الأخير مع البشير قدم موقفا واضحا بأنه يمكن أن يساعده في حل الأزمة الاقتصادية التي تواجه الخرطوم والمساعدة في حل الأزمة في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وأن يقوم المجتمع الدولي بتقديم مساعداته إلى الخرطوم وإعفاء ديونها «مقابل أن يتم تصدير نفط بلاده عبر السودان بشروط وضمانات دولية وأسعار وفق المعايير المعمول بها دوليا»، حسبما أضافت المصادر. وقالت إن الحكومة السودانية اتخذت من لقاء الرئيسين تكتيكا وليس استراتيجية، رغم أن البشير أكد على أنه سيتخذ قرارات استراتيجية. وأضافت «الفترة المتبقية لا تساعد على مواقف تكتيكية لا سيما أن هناك عقبات»، وقالت إن رفض الخرطوم المتكرر للخريطة التي قدمها الاتحاد الأفريقي، وموقف وفد الجنوب بالتمسك بالمنطقة منزوعة السلاح والمتنازع عليها والمختلف حولها والذهاب إلى التحكيم الدولي، عقبات تقف أمام الوصول إلى حل.