مجلس الأمن يصوت اليوم على مشروع قرار حول سوريا وسط مواجهات حادة بين روسيا والدول الغربية

موسكو تهدد بالفيتو ضد قرار غربي باللجوء إلى الفصل السابع وفرض عقوبات على دمشق

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمبعوث الدولي كوفي أنان قبل بدء محادثاتهما حول الشأن السوري أمس في موسكو (أ.ب)
TT

تشهد جلسة مجلس الأمن اليوم الأربعاء صراعا لإظهار القوة الدبلوماسية، ومواجهة حادة بين الدول الغربية وروسيا حول الوضع في سوريا. وتقوم الدول الخمس عشرة الأعضاء بالمجلس بالتصويت على مشروع قرار تقدمت به بريطانيا، وتدعمه الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا والبرتغال، ويطالب بتمديد مهمة عمل المراقبين لمدة 45 يوما، وفرض عقوبات على سوريا بموجب الفصل السابع إذا لم تلتزم بسحب الأسلحة الثقيلة من المناطق السكنية في غضون عشرة أيام من تبني القرار.

وبينما تملك الدول الغربية تكتلا دبلوماسيا يمكنها من الفوز بتسعة أصوات لصالح مشروع القرار الذي تقدمت به بريطانيا (وهو العدد اللازم لتمرير القرار إذا لم يكن هناك اعتراض) فإن روسيا تملك حق الاعتراض (الفيتو) وأعلنت منذ أيام أنها ستصوت بالفيتو على قرار يهدد بفرض عقوبات واللجوء إلى الفصل السابع.

وفي المقابل، تقدمت روسيا بنسخة زرقاء (شبه نهائية) من مشروع قرار يقضي بتمديد بعثة المراقبين لمدة 90 يوما دون أن يحمل مشروع القرار موعدا نهائيا لتنفيذ خطة المبعوث الدولي كوفي أنان، أو بفرض عقوبات في حالة عدم الامتثال.

وكثفت الدول الغربية من جهودها لحشد المجتمع الدولي لتبني القرار البريطاني الغربي إضافة إلى محاولات مضنية مع كل من روسيا والصين لتغيير موقفهما الرافض اللجوء إلى الفصل السابع والتأكيد أن القرار لا يمهد لتحرك عسكري ضد سوريا، وإنما فرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية. لكن تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقب لقائه بالمبعوث الدولي كوفي أنان أمس، لم تظهر أي تغيير في الموقف الروسي. وخرجت تصريحات مقتضبة من الرئيس الروسي ومن كوفي أنان دون أن يسمحا بأسئلة من الصحافيين.

وشدد الرئيس الروسي أن موسكو ستبذل كل ما بوسعها لمساندة جهود أنان الرامية لحل الأزمة السورية وقال بوتين لأنان «أعدكم أننا سنعمل كل شي من أجل مساندة جهودكم». وأضاف «منذ البداية ومنذ الخطوة الأولي ساندنا ونساند جميع الجهود الرامية لإعادة السلام».

ووصف المبعوث الدولي كوفي أنان محادثاته مع الرئيس الروسي بأنها كانت «جيدة جدا» وأوضح أنه ناقش معه التدابير الواجب اتخاذها لوضع حد للعنف والقتل والمضي قدما في الانتقال السياسي، وقال أنان: «تطرقنا إلى المناقشات التي تدور في مجلس الأمن بشان التصويت على القرار وآمل أن المجلس سيواصل مناقشاته ونأمل أن تجد اللغة التي تجذب الجميع معا للمضي قدما في هذه القضية الحرجة».

وأضاف أنان «كما قلت سابقا نحن بحاجة للقيام بكل ما في وسعنا لوقف العنف، ووقف أعمال القتل وأتوقع أن مجلس الأمن سيرسل رسالة بذلك وأن القتل يجب أن يتوقف لأن الوضع على أرض الواقع غير مقبول»، وكرر أنان أمنياته أن يتحد مجلس الأمن في التوصل إلى طريق للمضي قدما في البحث عن السلام.

ورغم أن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال في موسكو إنه «لا سبب» يحول دون التوصل إلى توافق حول مشروع قرار بخصوص سوريا في مجلس الأمن الدولي، وقال لافروف للصحافيين «لا أرى أسبابا تمنعنا من الاتفاق في مجلس الأمن. ونحن على استعداد لذلك» فإنه أكد أن روسيا ستعرقل مشروع القرار الغربي بسبب التهديد بفرض عقوبات وقال «إذا قرر شركاؤنا إعاقة قرارنا بغض النظر عن طبيعته فلن تحصل بعثة المراقبين على أي تفويض، وسيتعين عليها مغادرة سوريا وسيكون هذا شيئا مؤسفا».

من جانبه، قام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بزيارة إلى الصين للتفاوض مع المسؤولين الصينيين وإقناعهم بالتخلي عن معارضة المجتمع الدولي والتصدي بحسم أكبر ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وعقب وصوله إلى العاصمة الصينية بكين أمس لإجراء محادثات مع القيادة الصينية، دعا بان كي مون خلال حوار عبر الإنترنت مع مواطنين صينيين إلى التوصل إلى موقف موحد في مجلس الأمن بشأن سوريا. وقال بان كي مون «يمكن للصين لعب دور مهم.. هناك آمال كبيرة على اتحاد مجلس الأمن وتدخله بإجراءات حاسمة»، مؤكدا ضرورة عدم إهدار المزيد من الوقت.

وفي محاولة لتبديد المخاوف الصينية، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أن الأمر لا يدور حول تدخل أجنبي في سوريا، موضحا أن المبدأ هو أن يكون للشعب السوري القيادة خلال حل النزاع، مؤكدا على مسؤولية المجتمع الدولي عن حماية شعب من جرائم وحشية عندما لا تريد أو لا تكون الحكومة قادرة على ذلك.

ومن المقرر أن يستقبل الرئيس الصيني هو جينتاو الأمين العام للأمم المتحدة اليوم لإجراء محادثات حول تصاعد العنف في سوريا والتصويت على قرارات مطروحة أمام الأمم المتحدة.

وأكد مسؤولون أميركيون أن مشروع القرار البريطاني الذي تدعمه الولايات المتحدة يتحدث عن عقوبات على دمشق ولا يتحدث عن تدخل عسكري، مؤكدين أنه لا يمكن الصمت على ما يحدث في سوريا. فيما أكد مسؤولون غربيون أنه آن الأوان لتصعيد الضغوط على الأسد.

وأشار مسؤولون غربيون بالأمم المتحدة إلى أن البعثة البريطانية بمجلس الأمن تبذل جهودا مكثفة مع الهند لكسب دعمها لمشروع القرار الغربي بعد أن امتنعت الهند عن التصويت على قرار لمجلس الأمن حول سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي وقال دبلوماسي بريطاني إن المملكة المتحدة تحاول إقناع الهند للعب دور أكثر نشاطا في هذه المسألة.

وخلال اليومين الماضيين دارت في أروقة مجلس الأمن مواجهات ومناقشات قبل جلسة التصويت على مشروع القرار باللجوء إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. ولم يشارك السفير الروسي فيتالي تشوركين في الاجتماعات غير الرسمية يوم الاثنين لمناقشة مشروع القرار الغربي وخرج من الاجتماع المسائي بعد دقائق من بداية المناقشات، وقال للصحافيين «لا أرى أي معنى لمشاركتي في ذلك، فقد أوضحت أن اللجوء إلى الفصل السابع ليس مقبولا البتة بالنسبة لنا، ونحن لسنا مهتمين بمناقشة نص مشروع القرار الغربي».

واتهم تشوركين كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا والبرتغال بممارسة ضغوط لتمرير أجندة سياسية لهم ومعارضة تجديد مهمة عمل المراقبين بعد العشرين من يوليو (تموز).

وأكد تشوركين «سوف نصوت بالفيتو ضد مشروع القرار ولن نكون وحدنا» في إشارة إلى الصين، وقال «هذا (مشروع القرار الغربي) ليس متوافقا مع نتائج اجتماع مجموعة عمل جنيف في الثلاثين من يونيو (حزيران)، والهدف هو التخلص من بعثة المراقبين، ولن نشارك في تحمل مسؤولية ما يحدث في سوريا»، وأضاف «لن يحصلوا على تفويض من مجلس الأمن لغزو سوريا».

وشدد سفير الصين لي باو دونغ على أهمية تمديد عمل بعثة المراقبين لإظهار الدعم السياسي لجهود كوفي أنان وقال «من المهم للغاية أن يكون لمجلس الأمن صوت موحد». وقال دونغ في تصريحات للصحافيين عقب الاجتماعات المغلقة لمجلس الأمن مساء الاثنين «هناك مشروعا قرار مطروحان على الطاولة أحدهما من روسيا والآخر من بريطانيا ويجري أعضاء مجلس الأمن حاليا مشاورات حولهما».

وفي سؤال حول موقف الصين من اللجوء للفصل السابع قال «لدينا مشكلة مع الفصل السابع لكننا نعتقد أن على الدول الأعضاء في مجلس الأمن الاستمرار في التشاور لحل تلك الاختلافات» وأكد السفير الصيني أن بلاده تدعم تمديد عمل بعثة المراقبين الدوليين في سوريا وضمان الاتجاه إلى التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية.

وأوضحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أن بلادها تعمل بجد ليتخذ مجلس الأمن قرارا تحت الفصل السابع لفرض عقوبات على سوريا، وقالت قبل مغادرتها إسرائيل عائدة إلى واشنطن مساء الاثنين «نحن نعمل بجد للغاية في نيويورك في مجلس الأمن للحصول على قرار بموجب الفصل السابع، وكوفي أنان في موسكو لإجراء محادثات مع الرئيس بوتين والمسؤولين لجعل هذه القضية مهمة بشكل مباشر لهم وتتعلق بأهمية إصدار قرار من مجلس الأمن».

وأضافت كلينتون «لقد تحدثت مع المبعوث الخاص للأمم المتحدة أنان قبل توجهه إلى موسكو وأوضحت أنه لا بد من تحمل العواقب ونحن نتفق تماما في ذلك ولذا نحن ذاهبون إلى الاستمرار في المضي قدما في مجلس الأمن ونحن في طريقنا لمواصلة الضغط على الروس لأنه يشكل جزءا مهما من التوصل إلى قرار في مجلس الأمن».

وأبدت وزيرة الخارجية الأميركية قلقها من تزايد العنف وانتشاره في العاصمة السورية وقالت إنه «يبعث على القلق أن العنف آخذ في الازدياد وأنه أكثر انتشارا في دمشق والضواحي وأعتقد أن هذا النظام لا يمكنه البقاء على قيد الحياة وأود أن يكون خروجه عاجلا حتى يمكن إنقاذ المزيد من الأرواح وأن تتاح للسوريين الفرصة لتحقيق نوع من التحول الديمقراطي وعلينا جميعا مسؤولية ذلك بما في ذلك روسيا».

وشنت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة هجوما ضد الموقف الروسي مؤكدة ضرورة اللجوء إلى الفصل السابع، وقالت «بعد مرور 18 شهرا على الصراع ومقتل ما يقرب من مائة شخص كل يوم، فإن على مجلس الأمن أن يقوم بشيء مختلف لتغيير الديناميكية على الأرض، لأن الوضع الراهن يؤدي إلى حرب أهلية واسعة واحتمال حقيقي لامتدادها إلى بقية المنطقة». وأضافت رايس «من الواضح أن هناك حاجة للقيام بشي الآن، وحاجة لممارسة ضغوط تحت الفصل السابع، وتوضيح أن خطة أنان ونتائج اجتماع جنيف هما تحت الفصل السابع».

وأضافت رايس «إن هدف مشروع القرار الأوروبي هو توجيه رسالة للأسد أنه حان الوقت وأن عليه أن يكون بخطوات تثبت التزامه ونعتقد أن هذا القرار هو الشيء الوحيد الذي له معنى».

وفي سؤال حول تمديد مهلة عمل المراقبين قالت «عمل المراقبين ما زال وسيظل موضع تساؤل، نود أن نرى بعثة مراقبين قادرة على القيام بعملها، وهو مراقبة وقف إطلاق النار وتنفيذ الست نقاط في خطة المبعوث الدولي كوفي أنان، لكن هذا لم يكن ممكنا ويقبع المراقبون في الفندق غير قادرين على القيام بعملهم، وهذا ليس فقط غير مؤثر بل وغير أخلاقي». وقالت رايس إن مشروع القرار الروسي لا يحظى بتسعة أصوات، وهو العدد اللازم داخل مجلس الأمن لتمرير أي قرار إذا لم يكن هناك اعتراض (فيتو).

وقال السفير البريطاني مارك ليال غرانت إنه يتوقع معارضة من كل من روسيا والصين للجوء إلى الفصل السابع «لكن عند مواجهتهما فإنهما غير قادرتين على تقديم أسباب لمعارضتهما وقد حددنا موعد إجراء التصويت في مجلس الأمن مساء الأربعاء، وإذا تطلب الأمن مشاورات إضافية، فنحن سعداء بالمشاركة في أي مفاوضات قادمة».

وأكد السفير البريطاني أن الأغلبية الساحقة من أعضاء مجلس الأمن تؤيد المشروع الغربي وقال «لكن روسيا والصين كما حدث في السابق تعارضان قرارا باللجوء للفصل السابع وعندما نطلب منهما تقديم تفسير لهذا الموقف فإنهما لا تستطيعان تقديم حجج مقنعة».

وانتقد السفير الروسي ما جاء على لسان نظيره البريطاني وقال «في مجلس الأمن كثير من الأشخاص الدين يتفهمون موقفنا وقد فسرنا بالتفصيل دوافع خطواتنا.. أما لماذا لا يفهمها المندوب البريطاني فهذا هو لغز بالنسبة لنا».

وتنتهي مهلة عمل المراقبين الدوليين في سوريا يوم الجمعة العشرين من يوليو الجاري فيما علقت البعثة عملها في 16 يونيو بسبب المخاطر المتزايدة من تصاعد أعمال العنف.

وكان أنان استبق لقاءه مع بوتين بمكالمة هاتفية مع هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية تناولا خلالها جوانب الأوضاع في سوريا والمسائل المتعلقة بمناقشة القضية في مجلس الأمن الدولي ونتائج لقائه مع نظيرها الروسي لافروف. وقالت مصادر الخارجية الروسية إن أنان بحث مع لافروف في لقائهما الذي استمر لما يقرب من الساعتين اقتراح الجانب الروسي حول تنظيم لقاء لـ«مجموعة العمل» حول سوريا في موسكو نهاية شهر يوليو الجاري. وحول نتائج هذا اللقاء قال نيكولاي غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسية إنه تناول أيضا مسألة تمديد فترة بعثة مراقبي الأمم المتحدة في سوريا. وأضاف أن «الطرفين أشارا إلى عدم قبول الوضع في سوريا.. وضرورة تأييد آلية جنيف. ولهذا الغرض اقترحنا عقد لقاء لمجموعة العمل حول سوريا في نهاية يوليو ليس على المستوى الوزاري بل على مستوى مسؤولين كبار».