اللاجئون الذين فروا خوفا على حياتهم لم يتخيلوا أنهم سيبقون كل هذا الوقت في المنفى

تستضيف تركيا ما يقرب من 42.680 لاجئا سوريا ويتزايد الرقم بمعدل 300 يوميا

طفل وأمه ينظران الى خارج خيمتهما في مخيم الرمثا بالأردن أمس (إ.ب.أ)
TT

في مخيم المنازل المعدنية المحاط بسياج من الأسلاك الشائكة، يقضي 11.500 سوري أيامهم في الانتظار يتساءلون متى سيتمكنون من العودة إلى منازلهم؟ السواد الأعظم من هؤلاء اللاجئين فروا خوفا على حياتهم ولم يتخيلوا أنهم سيبقون كل هذا الوقت في المنفى.

ويقول وليد حسن (50 عاما)، وكان قد فر من القصف الذي تعرضت له مدينة جسر الشغور في مايو (أيار) 2011 إلى تركيا: «لم أصحب معي أي شيء. لم أحضر معي سوى الأولاد والملابس التي نرتديها. كنا نعتقد أن النظام سيسقط سريعا، وأن إقامتنا هنا ستدوم لشهر على الأكثر».

بعد مضي أكثر من عام لا يزال حسن وعائلته في تركيا، ضمن أكثر من 11.200 آخرين سعوا للحصول على ملاذ آمن في الدول المجاورة، بما في ذلك لبنان والأردن والعراق. تستضيف تركيا ما يقرب من 42.680 لاجئا سوريا، بحسب إحصاءات الحكومة التركية التي نشرتها يوم الثلاثاء، ويتزايد الرقم بمعدل 300 لاجئ يوميا على الأقل، نظرا لنزول أكثر ثورات الربيع العربي دموية واستعصاء على الحل إلى مستنقع الفوضى دون حل في الأفق.

المخيم، الذي يعانق الحدود التركية خارج مدينة كيليس التركية الصغيرة، يقدم نافذة صغيرة على الأهوال التي حلت بسوريا منذ اندلاع الثورة ضد نظام بشار الأسد قبل 16 شهرا. وهو قريب من سوريا بما يكفي لسماع دوي دانات المدافع هناك، لكنهم أبعد من أن يشعروا بأنهم في بيوتهم. الجميع هنا إما فقدوا أحد ذويهم أو متاعا لهم: أبا أو أخا أو ابنا أو زوجا أو منزلا أو عملا تجاريا أو أحد أطرافه.

وتقول جنى، ابنة الخمس سنوات، وهي تلعب خارج بيت عائلتها الأشبه بحاوية بضائع: «لقد قتل صديقاتي». وعندما سئلت عمن تعنيه، قالت وهي تبصق على اسم الرئيس السوري «بشار».

أضافت: «سرق منا مدرستنا». وتتدخل صديقتها نديرة، سبع سنوات: «كان يخيفنا في الليل. كنا نستيقظ نصرخ».

ومر رجل قال إنه فقد أسنانه جميعا تحت التعذيب، ووصف كيف تم صعقه بالكهرباء والضرب على يد سجانيه لمدة خمسة أشهر قضاها في السجن العام الماضي، وقال إنه تعرض للتعذيب لأنه أحرق صورة لبشار الأسد خلال مظاهرة، لكنه يجد صعوبة في تذكر كيفية وصوله إلى المعسكر، وجهود الحديث تسبب ألما لفكه المصاب.

وقال فايز مغلاج، جار الرجل ذي الفك المكسور، هامسا: «لقد أفقده الرعب صوابه». ومضى مغلاج في وصف كيف نجا من المذبحة التي قتل خلالها أكثر من 100 شخص في بلدة كفر عويد في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

في أحد هذه الأكواخ المعدنية، التي كانت أشبه بقدر يغلي في حر الظهيرة، رقد مقاتل من الجيش السوري الحر على فراش مصابا برصاصة في بطنه، وإلى جواره رقد أحمد الحابي (17 عاما)، الذي أصيب بشظايا صاروخ أطلق من مروحية خلال مساعدته في نقل المصابين عبر الحدود، ليفقد معها يده التي تحوطها الضمادات.

بين هؤلاء أيضا يوجد رجل يعتقد أنه في الثانية أو الثالثة والسبعين فقد كل أسرته، وقال: «كان الرصاص ينهال علينا من كل اتجاه. لم يكن أمامي سوى الهرب». وهو لا يعلم ما حدث لأبنائه وأحفاده، وهو يعتقد أنهم لا يزالون في سوريا.

على مدى شهور عدة كان الفارون من جحيم المعارك يقيمون في مخيمات أصغر نطاقا مزودة بالخيام، لكن استمرار الصراع وتزايد أعداد اللاجئين دفعا الحكومة التركية إلى نقلهم لمعسكرات أكبر حجما وأقل عددا، ويعد مخيم كيليس أكبرها، لكنه ممتلئ الآن، وتقوم الحكومة التركية الآن ببناء مخيم أكبر حجما بسعة 20.000 لاجئ.

تم ترتيب المنازل المعدنية التي يبلغ عددها 2.050 في صفوف تبدو مثل الشوارع، لتضفي جوا من ديمومة استيطان يأمل الجميع ألا يطول.. تنتشر أطباق الأقمار الصناعية على أسطح المنازل، وزرعت إحدى العائلات العشب، فيما تحتفظ أخرى بقفص طيور، أما غالبية السكان فينشرون أغطيتهم المجانية التي لا يستخدمونها بسبب حرارة الصيف على أبواب المنازل لتوفير بعض الظل. وفرت الحكومة التركية ثلاثة محال تجارية ومسجدين ومدرسة.

تحتوي وحدات المنازل المعدنية، الشبيهة بتلك التي يستخدمها الجنود في أفغانستان والعراق، على غرفتين ودورة مياه. ويفترض أن تكون هذه المنازل أكثر تطورا عن الخيام، لكنها واهية وغير مصممة لاستقبال العائلات الكبيرة، وتوشك على التداعي. ناهيك عن أنها لا تطاق من شدة الحرارة في فصل الصيف، حيث تصل درجة الحرارة في شهر يوليو (تموز) إلى أكثر من 100 درجة فهرنهايت.

وفي أحد الأيام الأخيرة، زادت حدة التوتر بصورة غير عادية في المخيم، حيث اشتكى الجميع من انقطاع المياه لعدة أيام بسبب خلل فني، فضلا عن عدم جمع القمامة طوال أسبوع كامل نظرا لوجود خلاف بين الحكومة والبلدية.

تقول ميرفت ياسين (33 عاما)، التي وضعت طفلها الذي يبلغ من العمر 10 أشهر في تركيا: «انهار السقف علينا في إحدى الليالي»، مضيفة: «إذا قمت بشراء الحليب، فإنه يفسد بعد ساعة واحدة».

من الواضح أن الحكومة التركية باتت تشعر بالإجهاد هي الأخرى، حيث يقول صوفي أتان، المتحدث باسم المخيم: «لم تكن لدينا أي مشاكل منذ أسبوع واحد فقط. ولكن كل شيء تهاوى خلال هذا الأسبوع».

هز أتان كتفيه تعبيرا عن الاستهجان عندما سئل عن المدة المتوقعة لبقاء اللاجئين في هذا المخيم، حيث يبدو أن أحدا لا يعرف إجابة واضحة على هذا السؤال.

يقول جمال مصري (29 عاما)، وهو أحد مقاتلي الجيش السوري الحر الذي يتردد بين المخيم وساحة القتال داخل سوريا: «ربما حتى نهاية العام الجاري!». ولكنه لم يبدو واثقا من إجابته.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»