محور 26 يوليو في القاهرة.. أحلام على الإسفلت

أصبح مسرحا لهموم المصريين بقوة الاختناق المروري

TT

فجأة انفلت زمام غضب سائق الميكروباص، وهو ينفث دخان سجائره على أرتال العربات المكدسة التي تحاصره من كل الجهات، وصرخ بحدة «كل يوم على هذا الحال، ده ما بقاش محور، تعبنا والعربات تعبت وما فيش مسؤول بيتحرك». ومع اتساع رقعة الغضب والعرق على أفواه الركاب، استيقظ جاري الخمسيني بعد أن أخذ تعسيلة نوم خاطفة اختلط فيها الشخير بالصفير وصاح وهو يفرك عينيه بأصابعه المرتعشة: «هو إحنا لسه هنا، منهم لله، حال البلد مش هينصلح أبدا، يعني الواحد يصحى من الفجرية علشان يروح شغله في ميعاده».

وبادرت سيدة تجلس مع طفلها ذي الست سنوات بالمقعد الخلفي قائلة: «أنا نقلت سكني من القاهرة للشيخ زايد، هربا من الزحمة، ودلوقتي مش عارفه اعمل إيه، كل يوم أتأخر أكثر من ساعة عن مواعيد عملي بالقاهرة. يعني أقعد في البيت ومين هيصرف عليا». وبينما انشغل سائق الميكروباص باستشارة عدد من زملائه السائقين في فكرة مجنونة لاحت له، وهو الوقوف بسياراتهم بالعرض لقطع الطريق ولفت نظر المسؤولين من رجال المرور، صاح رجل مسن: «من فضلكم وسعوا لي الطريق، عايز أنزل أنا رجل مريض ولازم أتبول حالا».

ولم يكد يحبو الميكروباص بضع خطوات حتى صاح أحد الركاب: «مش الرئيس مرسي وضع مشكلة المرور في أولوياته ووعد بحلها فورا.. هو فين الحل، المشاكل نازله على دماغنا زي المطر.. الأسعار مولعة، والكهربا بتقطع بالساعات، والمرتبات محلك سر، ومحدش (لا أحد) عارف رأسه من رجليه». ولم يكد الرجل يواصل حديثه الذي لفت إليه أنظار الركاب، حتى قاطعه رجل ذو لحية خفيفة قائلا: «الرئيس مرسي ملحقش يقعد على الكرسي، وناس كتير بتحاربه، والخنقة اللي إحنا فيها دي مقصودة، لازم كلنا نستحمل شوية، وبلاش سوء النية، البلد مليانة مشاكل ولن تحل في يوم وليلة».

ويعد محور 26 يوليو المروري امتدادا لشارع 26 يوليو، وهو أطول الشوارع في القاهرة الكبرى، ويخترق عددا من الأحياء الشعبية والراقية، وضفتي النيل، ويمثل متاهة لسعاة البريد، ناهيك عن كثير من سكانها والوافدين إليها. ويحمل الشارع صكا وطنيا؛ فقد سمي بهذا الاسم تخليدا لليوم الذي غادر فيه الملك فاروق مصر إلى منفاه الإجباري بإيطاليا، عقب قيام ثورة 23 يوليو 1952.

ويعتبر المحور الممتد منه طريقا حرا، حيث يبلغ طوله 15 كم، ويضم 3 حارات في الاتجاهين، ولا تخترقه إشارات مرورية، ويعول المصرون عليه في الوصول بيسر إلى طريق القاهرة - الإسكندرية الصحراوي، ومدينتي 6 أكتوبر والشيخ زايد، كما يتاخم ميدان لبنان وحي المهندسين. ويعاني الطريق من كثافة مرورية عالية تقدر حاليا بآلاف السيارات في الساعة.

ومنذ سنوات قامت شركة المقاولين العرب المصرية بتطوير المحور، بعد أن ساءت حالته، وشملت عملية التطوير إقامة حواجز خرسانية بين الاتجاهين وتوسيع الحارات إلى 4 حارات.

ومع الاختناق المروري الذي أصبح يشل حركة المحور بالساعات يوميا، تحول المحور إلى ما يشبه المسرح، الذي ينفض عليه المصريون همومهم قتلا للوقت، وتنفيسا عن هواجسهم الداخلية، خوفا من الإصابة بضغط الدم أو السكر، وغيرهما من الأمراض العصبية.