إجماع في إسرائيل: الانتخابات على الأبواب

نتنياهو مغرور لدرجة أنه حسب أن موفاز ذليل فأذله أكثر

المؤتمرالصحافي المشترك الذي أعلن فيه موفاز ونتنياهو انضمام كديما إلى الائتلاف الحكومي في مايو الماضي (إ.ب.أ)
TT

رغم انفجار الائتلاف الحكومي في إسرائيل وانسحاب حزب كديما بحجة التنافس على «من يريد أن يفرض التجنيد الإجباري»، فقد صوت أغلب النواب (74 مقابل 20) في الكنيست ضد مشروع قانون يقضي بفرض الخدمة بمساواة على كل من يبلغ 18 من العمر.

وينص مشروع القانون على إجبار كل شاب من مواطني إسرائيل يبلغ الثامنة عشرة من العمر، بمن في ذلك المواطنون العرب واليهود المتدينون، على الامتثال للخدمة لمدة ثلاث سنوات للذكور وسنتين ونصف السنة للإناث. وتقدم بهذا الاقتراح حزب «إسرائيل بيتنا» بقيادة أفيغدور ليبرمان، وزير الخارجية، قاصدا «فضح حقيقة السياسيين الذين يعلنون تأييدهم للخدمة الإجبارية ولكنهم في الواقع يفضلون مصالحهم الحزبية والشخصية على أي شيء آخر، بما فيه الجيش الإسرائيلي».

وجاء اقتراحه محرجا بشكل خاص لحليفه الأول، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي رفض تأييد القانون لكي لا يغضب الأحزاب الدينية. كما جاء محرجا لكديما، الذي انسحب من الحكومة بدعوى رضوخها للمتدينين، بيد أن خمسة منه صوتوا لجانب القانون وخمسة صوتوا ضده، والباقون (18 نائبا) تغيبوا عن الجلسة، بمن في ذلك رئيس الحزب، شاؤول موفاز، وهو رئيس أسبق لأركان الجيش ووزير دفاع أسبق.

ولكن حزب ليبرمان أيضا بدا في حالة محرجة، إذ إن حركة الضباط والجنود في الاحتياط، التي تدعو للخدمة العسكرية للجميع، توجهت إليه بطلب الانسحاب من الحكومة إذا كان صادقا في مشروعه، والتسبب في إسقاطها وإجراء انتخابات مبكرة يكون الموضوع الأساسي فيها هو موضوع الخدمة العسكرية. لكن ليبرمان رفض هذا المطلب وأعلن تمسكه في الائتلاف الحالي، «الذي لا تعجبني فيه أمور كثيرة، ولكنه يبقى أفضل ائتلاف في تاريخ إسرائيل». وخرج المتحدث باسم مجموعة الضباط المذكورين بتصريحات شديدة اللهجة ضد كل السياسيين الإسرائيليين، «الذين من الصعب أن تجد بينهم من هو صاحب كلمة».

وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» قد علقت على التطورات بعد انسحاب كديما من الحكومة، قائلة إنه يعيد مركز الثقل والتأثير لحزب ليبرمان باعتباره الشريك الأكبر في الائتلاف الحكومي. وأشارت الصحيفة إلى أن التقديرات السائدة في صفوف الليكود تشير إلى أن نتنياهو يسعى حاليا للمحافظة على الائتلاف الحكومي إلى ما بعد الأعياد اليهودية، في أوائل أكتوبر (تشرين الأول) القادم، حيث سيبدأ الليكود الإعداد لانتخابات جديدة. ويسعى نتنياهو إلى «اجتياز» الأسبوع الحالي والقادم دون نشوء أزمات حادة، إذ من المقرر أن يبدأ الكنيست الأسبوع القادم لعطلته الصيفية التي لن يعود منها قبل الأعياد، مما سيسهل على نتنياهو المحافظة على ائتلافه وحكومته طيلة الشهور الثلاثة القادمة.

وصرح النائب عن كديما، يوحنان بلاسنر، رئيس لجنة إعداد قانون للخدمة يكون مرضيا للجميع، بأن كديما بدخوله للحكومة وانسحابه منها كشف عن الوجه الحقيقي لنتنياهو، فهو لا يريد تحسين قانون الخدمة ومساواة الأعباء إنما قصد المماطلة السياسية والتعامل بالحيل السياسية والألاعيب، لأنه لا يستطيع إلا أن يرضخ لإملاءات الأحزاب الدينية.

وعقب ناحوم بارنياع، المحرر السياسي في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، على انسحاب كديما قائلا: «الطلاق أمر شائع عندنا. ويقولون إن الزوجين أحيانا يختاران الطلاق قبل قضاء ديون البنك. ويكونان في ليلة العرس على يقين من أن كلاهما وجد الآخر، ويتبين لهما في الغد أن هذا الوجدان ليس وجدانا كبيرا. وهما يتحدان في العرس بسعادة أمام عدسات التصوير لكنهما في الطلاق يتحدثان بواسطة محامين. فقد ظهر الرباط بين نتنياهو وموفاز منذ أول يوم بمظهر زواج مصلحة، إذ رأى موفاز الانضمام إلى الائتلاف سلما يهرب عليه مؤقتا من حكم الناخب، وأراد نتنياهو أن يبرهن على أنه يسيطر على الجميع فليس له خصوم ولا منافسون. وأخطأ كل واحد منهما في تقدير الثاني، فقد أفرط نتنياهو في تقدير يأس موفاز ولم يفهم أن السائس اليائس أيضا يمكن أن يكون ذا باعث. وأخطأ موفاز في تقدير نيات نتنياهو، فقد اعتقد أن نتنياهو ضم كديما بقصد فعل شيء. ولم يدرك أن نتنياهو ضمه كي لا يفعل شيئا».

وأكد بارنياع أن «أجواء الانتخابات عادت إلى إسرائيل، وسيتم تقريبها إلى الشتاء أو الربيع القادم، ومن شبه المؤكد أن يكون قبل 22 أكتوبر 2013 وفق القانون. ويعلم نتنياهو أن الزمن يعمل في غير مصلحته، فهو يعمل في غير مصلحته في الاقتصاد والأمن والعلاقات الخارجية، فيحسن به أن يمسك بالناخب قبل أن يهرب».

وفي صحيفة «هآرتس» كتبت محررة الشؤون الحزبية، مزال معلم، تقول إن «نتنياهو كان سيعطي الكثير كي يعود إلى تلك الليلة في بداية مايو (أيار)، التي أغري فيها على ضم كديما، فقط كي يعيد عجلة الانتخابات إلى الوراء. ظاهرا، عاد نتنياهو أمس إلى نقطة البداية، إلى ائتلافه الأساسي مع الأصوليين ومع ليبرمان وباراك، الذي وفر له الاستقرار على مدى 3 سنوات، غير أن هذا لم يعد نفس الائتلاف أو نفس رئيس الوزراء. فقد ظهرت مغامرة كديما، التي ظهرت في البداية كصفقة حياته، كإبداع سياسي لامع، اتضحت كلما تعقدت أزمة تجنيد الأصوليين في الأسبوعين الأخيرين بأنها خطأ فظيع. وبفضل نتنياهو يخرج موفاز من هذه الشراكة مع علم في اليد، فقد حظوا أخيرا بأجندة لم يتمكنوا من إيجادها على مدى ثلاث سنوات في المعارضة. وهكذا فإن كديما قد يتفكك في الانتخابات القادمة، ولكن في طريقه إلى الأسفل سيلحق أضرارا بنتنياهو، يصعب الآن تقدير حجمها. في المعركة الانتخابية التالية سيكون نتنياهو الرجل الذي استسلم للأصوليين على حساب المشاركين في الخدمة. هذه هي الرواية التي بدأت تثبت في وعي الجمهور العادي في الوسط وعلى جانبيه، بما في ذلك بين مصوتي الليكود. بغروره، أخطأ نتنياهو في فهم موفاز. فقد افترض أنه لن يترك بأي حال الحكومة وأنه سيجد الصيغة المناسبة. عمليا، كان واثقا من ذلك. واثق لدرجة أنه سمح لنفسه بأن ينكل بموفاز. نتنياهو يمكنه أن يقول المرة تلو الأخرى إن موفاز عرقل قانونا تاريخيا لاعتبارات سياسية ضيقة، ولكن في السطر الأخير، كيفما نظرنا إلى ذلك فإنه خشي من ثأر الأصوليين. فقد التصق بالمعروف والأمن. أما موفاز، الرجل الذي فقد الثقة الجماهيرية التي كانت له، فقد نهض وفي النهاية ضرب ضربته. يوم الخميس سيعود إلى موقع رئيس المعارضة وسيواصل ملاحقة نتنياهو في تجنيد الأصوليين وغيره». وتؤكد معلم أن نتنياهو «كان يمكنه أن يكون الآن قبيل نهاية معركة انتخابات قصيرة وناجحة، بل وقبل رأس السنة كان سينتخب للمرة الثالثة لرئاسة الوزراء. وبعد ذلك كان يحتاج فقط إلى أن يختار من يضم إلى حكومته. مشكلات ملوك. ولكن ابتداء من أول من أمس يوجد رئيس الوزراء في وضع سياسي جديد. من الآن فصاعدا يعمل في ظروف من انعدام اليقين. وستكون معركة الانتخابات طويلة وهذا في غير صالحه».