ليبيا: نتائج الانتخابات الليبية تسفر عن برلمان «لا غالب ولا مغلوب» وجبريل سيشكل حكومة انتقالية ثانية

رئيس حزب العدالة والبناء في ليبيا لـ«الشرق الأوسط»: لدينا اتصالات إيجابية مع مرشحين على القوائم الفردية

TT

فضل الليبيون وضع خريطة جديدة للبرلمان على طريقة لا غالب ولا مغلوب لا تؤهل أي حزب سياسي للهيمنة على البرلمان الجديد ولا تمنحه السلطات المطلقة عقب إعلان نتائج أول انتخابات تشهدها ليبيا منذ نحو 6 عقود. في انتظار انتهاء حرب الاستقطاب التي اندلعت بين مختلف الأحزاب الليبية لاستمالة المرشحين المستقلين لضمان أغلبية البرلمان الجديد، أسفرت النتائج الرسمية عن خارطة معقدة للبرلمان رغم تحقيق تحالف القوى الوطنية الذي يترأسه الدكتور محمود جبريل، رئيس أول حكومة انتقالية للثوار خلال الانتفاضة الشعبية ضد نظام العقيد الراحل معمر القذافي العام الماضي، لتفوق واضح على حساب الإسلاميين.

وحصل تحالف جبريل على 39 مقعدا من بين المقاعد الـ80 المخصصة للأحزاب والتكتلات السياسية، وحصل حزب العدالة والبناء الذراع السياسية لـ«الإخوان المسلمين» على 17 مقعدا فقط.

لكن الصراع الحقيقي يدور حاليا على المقاعد الـ120 المتبقية للمرشحين المستقلين في البرلمان الذي يبلغ إجمالي عدد مقاعده 200 مقعد، حيث يتنافس الليبراليون والإسلاميون على ضمان الأغلبية.

وتم الإعلان عن النتائج خلال مراسم حضرها رئيس الحكومة عبد الرحيم الكيب ورئيس المجلس الانتقالي المستشار مصطفى عبد الجليل، بالإضافة إلى دبلوماسيين ومراقبين غربيين.

لكن هذه النتائج لا تبدو نهائية تماما، في انتظار انتهاء فترة الطعون القضائية على النتائج التي بدأت اعتبارا من أمس ولمدة الأسبوعين المقبلين.

وقال نوري العبار، رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، إن هذه الفترة ستكون يومين للطعن في النتائج الأولية، ثم يومين للنظر في الطعن من قبل القاضي الجزئي، ثم 5 لاستئناف قرار القاضي الجزئي، ثم 5 أيام أخرى للنظر في الاستئناف من قبل رئيس المحكمة الابتدائية أو من يفوضه.

ولفت إلى أنه بعد استكمال مرحلة الطعون سيتم الإعلان عن النتائج النهائية والمصادقة عليها، والتي ستبدأ بها مرحلة انتقال السلطة من المجلس الانتقالي إلى المؤتمر الوطني العام (البرلمان).

ورغم أن الدكتور جبريل سيشكل في الغالب الحكومة الانتقالية الثانية وفقا لنتائج الانتخابات الرسمية التي أعلنت مساء أول من أمس، فإن الأحزاب الإسلامية تحشد قواها لمنع هيمنة تحالف جبريل والمرشحين المستقلين المحسوبين عليه على البرلمان الجديد الذي سيعقد أولى جلساته مطلع شهر أغسطس (آب) المقبل.

وعوضا عن سيطرة أي فصل سياسي على البرلمان فسيهيمن عليه في المقابل خليط متشرذم يصعب تحديد توجهاته من بين مرشحين انتخبوا على أساس الصلات المحلية والسمعة والمكانة الاجتماعية لا على أساس الآيديولوجية.

وتتعارض النتائج الليبية مع النجاحات التي حققها الإسلاميون في دول عربية أخرى مثل مصر وتونس حيث ظهر حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لـ«الإخوان المسلمين» في مصر وحزب النهضة في تونس كأقوى حزبين.

من جهته، قال محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء الذارع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا لـ«الشرق الأوسط» هاتفيا من طرابلس إنه راض عن نتائج هذه الانتخابات حتى ولو جاء الحزب الذي يترأسه في المرتبة الثانية بعد تحالف القوى الوطنية الذي يقوده الدكتور جبريل.

ورفض صوان وصف حصول حزب العدالة والبناء على الترتيب الثاني بأنه هزيمة، واعتبر أن الانتخابات تمثل نجاحا لكل الأحزاب والتكتلات السياسية بالإضافة إلى الشعب في ليبيا.

وامتنع صوان عن وصف منافسه الرئيسي محمود جبريل بأنه من بقايا فلول نظام القذافي، مؤكدا أن الحزب يمارس السياسة على أساس تنافسي شريف.

وردا على إعلان الرئيس التونسي المنصف المرزوقي مؤخرا أن أخطاء الإسلاميين في مصر وتونس دفعت الليبيين إلى انتخاب الليبراليين بقيادة تحالف جبريل، قال صوان «إنه يصعب تقييم الوضع في ليبيا من خارجها»، مشيرا إلى أن التيارات الموجودة في ليبيا تنفي أن يكون لها توجه ليبرالي.

وأكد صوان صحة ما نشرته «الشرق الأوسط» مؤخرا عن إجراء بعض الأحزاب والتكتلات السياسية من بينها حزب الإخوان المسلمين اتصالات مع بعض المرشحين المستقلين لإقناعهم بالانضمام إليها واستمالتهم. وكشف النقاب عن تلقي حزب العدالة والبناء ردودا إيجابية من بعض المرشحين بالإضافة إلى طلبات انضمام إليه من مرشحين آخرين.

وقال صوان «الآن فعلا بعض الأحزاب تجري اتصالات مع مرشحين على القوائم الفردية، نحن في الحقيقة نتواصل مع الذين ترشحوا ونبارك لهم الفوز والنجاح، ولا شك أنه من الأشياء التي يكفلها لنا القانون أن نشرح فكرتنا ورؤيتنا ومشروعنا للناس خاصة الذين ترشحوا، لكن هم أناس مستقلون في مجملهم، والخيار متروك لهم أن يؤيدوا أطروحات حزب العدالة والبناء أو يؤيدوا جزءا منها أو يرفضوها».

وأضاف «في الحقيقة المرشحون والفائزون على الفردي نسبة كبيرة منهم هم من الذين يتعاطفون مع حزب العدالة والبناء ونسبة كبيرة منهم ترغب حتى في الانضمام للحزب».

واعتبر صوان أن فترة المرحلة الانتقالية الثانية بعد عقد أول جلسة للبرلمان، هي مرحلة قصيرة وصعبة، لافتا إلى أن الشعب الليبي تطلعاته سقفها عال جدا والحكومة التي ستتولى هذه المرحلة عليها أعباء كبيرة جدا.

وتابع «الحرب الطاحنة التي كانت في ليبيا خلفت جراحات وآلاما شديدة وخلفت أيضا بعض بؤر التوتر، تحتاج معالجة للمصالحة الوطنية وتحتاج إلى تنظيم للسلاح وبسط لهيبة الدولة وبسط الأمن وتفعيل الجهاز الأمني وكل مؤسسات الدولة بالإضافة إلى تحريك عجلة الاقتصاد، هذه الملفات مهمة وخطيرة».

أما بالنسبة للدستور الذي من المفترض أن تتشكل لجنة تأسيسية لكتابته، فقال صوان «أعتقد أن هناك مفردات عامة هناك شبه توافق عليها من قبل كل القوى السياسية وهي ضمان أن تكون هناك دولة تقوم على أساس سياسة القانون والدستور الذي يحفظ الحقوق والحريات ويضمن التداول السلمي على السلطة، هذه المفردات أصبحت في الحقيقة محل اتفاق وأيضا قضية المرجعية الإسلامية هي محل اتفاق على الأقل من الناحية النظرية، الكل في ليبيا لا يستطيع أن يطالب بغير هذا».

وأضاف: «نحن في بياننا الانتخابي قدمنا رؤية وقلنا فقط إنه يجب على المجلس الوطني أن يفتح باب الحوار والنقاش حول مشروع الدستور بحيث يعمم على مؤسسات المجتمع المدني وعلى النشطاء والمهتمين ويعطي فترة كافية للدراسة والتداول، لأن هذه وثيقة مهمة جدا، وهذه هي رؤيتنا».

يشار إلى أن صوان المولود في مدينة مصراتة، ثالث كبريات المدن الليبية في شهر سبتمبر (أيلول) 1959، والحاصل على شهادة الإجازة في علم الاجتماع من جامعة قاريونس الليبية (بنغازي حاليا)، سجن في عهد نظام القذافي لسنوات قبل أن يترأس مجلس شورى الإخوان، علما بأنه انتخب في الثالث من مارس (آذار) الماضي كرئيس لأول حزب سياسي ينبثق عن جماعة الإخوان المسلمين خلال أول اجتماع علني يعقد في طرابلس.