فرح صامت وخوف من المجهول يخيمان على دمشق

بعد أكبر عملية اغتيال في تاريخ سوريا

دخان كثيف يتصاعد بعد إضرام النار في إطارات بأحد شوارع دمشق أمس إثر التفجير (أ.ب)
TT

خيم الصمت على وسط دمشق في ساعات الظهيرة من يوم أمس، ما عدا أصوات سيارات الإسعاف، وذلك لدى الإعلان رسميا عن تعرض مبنى الأمن القومي في حي الروضة لعملية تفجير، ومقتل عدد من قادة الأجهزة الأمنية والوزراء. ومع تواتر ورود الأنباء بدأت المحال في إغلاق أبوابها، بينما بدا الارتباك والوجوم على عناصر الأمن والشبيحة المنتشرين بكثافة في الشوارع، وهمدت حركتهم، خلال الساعات التي شهدت إعلان النبأ رسميا بالتتابع من دون أي صور لموقع العملية، حيث درجت عادة الإعلام الرسمي في تغطيته للتفجيرات التي تحصل في دمشق على أن يكون أول الواصلين إلى الموقع بعد الجهات الأمنية، إلا أن التلفزيون الرسمي وقناة «الدنيا» الموالية للنظام أوردا الخبر من دون أي صور، وبالتتابع وعلى مدى ثلاث ساعات، دخل خلالها وسط دمشق في حالة صدمة، وسط سماع دوي صافرات سيارات الإسعاف، قبل أن تعود الحركة القلقة لسيارات قوات الأمن وهي تجوب الشوارع في حالة جنونية مع اقتراب المساء.

وبث ناشطون فيديو يظهر طائرة مروحية تهبط في محيط قصر الشعب المتربع على أحد تلال الربوة في محيط مدينة دمشق. كما سمعت أصوات إطلاق نار ودوي تفجيرات في منطقة المهاجرين في محيط القصر الجمهوري. في حين أن بعض أصحاب المحالات الذين راحوا يغلقون محالهم تباعا لم يتمكنوا من إخفاء مشاعر الفرح، وبدت وجوههم ضاحكة لمقتل قادة الأجهزة «القمعية»، بحسب تعبير أحد الباعة الذي كان يوزع على زبائنه شوكولاته وعصيرا من دون ذكر المناسبة، مكتفيا بالقول إنها «إكرامية لوجه الله»، وهو يسترق النظر باتجاه عناصر الأمن الموجودين بالقرب منه، ثم همس في أذن زبونه «عقبى للبطة»، في إشارة إلى تمنيه سماع نبأ مقتل الرئيس بشار الأسد قريبا، حيث انتشرت شائعات عن تعرض الرئيس الأسد لمحاولة اغتيال في منطقة الروضة مساء الثلاثاء.

حالة من الفرح الصامت المشوب بالتوجس من المجهول والرهبة وسمت شوارع العاصمة في محيط مقر الأمن القومي الذي شهد واحدة من أكبر عمليات الاغتيال في تاريخ البلاد، وأعلن رسميا عن مقتل وزير الدفاع السوري العماد داود عبد الله راجحة ونائبه آصف شوكت. كما أشارت معلومات إلى إصابة ماهر الأسد والعميد حافظ مخلوف رئيس فرع التحقيق في المخابرات العامة.

إلا أن سكانا في حي الروضة حيث يقع المقر المستهدف لم يسمعوا صوت التفجير، ورجحوا أن يكون قد حصل داخل المبنى. وقال شهود عيان لـ«الشرق الأوسط» إنهم شاهدوا سيارة من نوع «أودي» عند الساعة الثانية عشرة والنصف تنقل من المبنى جريحين باتجاه مشفى الشامي، في حي المالكي الملاصق لحي الروضة، كما شاهدو سيارات إسعاف كثيرة تهرع إلى المنطقة. وفرض الحرس الجمهوري طوقا أمنيا على كامل حيي الروضة والمالكي اللذين تتركز فيهما بالإضافة إلى المكاتب الرئاسية والقصر الجمهوري، مكاتب ومنازل المسؤولين في الرئاسة والسفارات. وجرى نشر مكثف للجيش والأمن والشبيحة، مع قطع كل الطرق المؤدية إليها.

إلا أن الحدث الكبير الذي شهدته تلك المنطقة وقع ظهر يوم الأربعاء، وتناقل السوريون المناهضون للنظام أنباءه، وكأنها بشائر النصر واقتراب الفرج، وذلك لعدة ساعات، لتتحول لاحقا إلى حالة من الذعر مع بدء حالة الانفلات الأمني.

وخرجت مظاهرات حاشدة في الأحياء المناهضة للنظام، وهتف المتظاهرون «والله لنأخذ بالتار.. من ماهر ومن بشار». أما في حي القابون الذي يتوقف القصف عليه رغم الضربة العنيفة التي تلقاها النظام بمقتل عدد من قادته، ومع تقدم ساعات النهار، فقد بدأت الأنباء تتوارد منه ومن أحياء العسالي والقدم ومخيم اليرموك عن هجوم الشبيحة على تلك الأحياء بالسلاح الأبيض، وذبح من تطاله أيديهم من سكان تلك الأحياء. ووجه ناشطون نداءات استغاثة لنجدة تلك الأحياء من انتقام الشبيحة، وسط حالة من الانفلات الأمني وتصاعد تحذيرات من احتمال استخدام النظام للغازات السامة في أحياء القابون والعسالي والقدم والحجر الأسود والميدان. وقال سكان في الميدان إن قوات الجيش النظامي انسحبت من داخل الحي وحاصرته من الخارج، مما عزز المخاوف من استخدام النظام للغاز.

من جانبها، قالت السلطات السورية إن الجهات المختصة لاحقت «فلول الإرهابيين» في أحياء القابون والميدان ومخيم اليرموك. وأكد ناشطون حصول اشتباكات عنيفة في محيط مخيم اليرموك الفلسطيني بعد هجوم الشبيحة على المنازل في حارات الحجر والعروبة. وأكد شهود عيان نزوح أعداد كبيرة من حي القابون باتجاه حي التجارة والتجمع في الحدائق وهم في حالة يرثى لها، كما نزحت أعداد كبيرة من سكان الحجر الأسود باتجاه المناطق المجاورة ببيلا ويلدة وسبينة وكانت العائلات في وضع إنساني سيئ جدا.

في المناطق الأخرى من البلاد، أكد ناشطون حصول انشقاقات بين صفوف الجنود السوريين وفي القطع العسكرية المنتشرة على كامل الأراضي السورية، إلا أن ذلك لم يوقف القصف على حمص وريفها، بل ازدادت وتيرته في ساعات بعد الظهر، ردا على مشاعر الفرح التي عبر عنها السوريون في بعض المناطق المحاصرة. ففي القصير، خرجت النساء إلى الشوارع وزغردن فرحا بمقتل القادة الأمنيين والعسكريين، واعتبر الناشط أبو أحمد القصير هذه العملية بداية الانتصار، وقال «كنا نتمنى شنقهم في الساحات». وتبادل السوريون في الداخل والخارج رسائل التهنئة مستغلين اقتراب شهر رمضان «بتمنيات اقتراب موعد العيد». ومن تلك الرسائل «العيد هذه السنة سيأتي ببداية الشهر الفضيل». كما عبر المناهضون للنظام عن فرحتهم وشماتتهم عبر صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي. وانصبت أسئلة الناشطين في الخارج عما إذا كان «آن أوان حزم حقائب العودة والمشاركة في العيد»، وتهنئة أمهات وذوي الشهداء الذين قضوا خلال عام ونصف عام من الاحتجاجات والثورة في وجه النظام.