واشنطن تحول اهتماماتها نحو التخطيط لسوريا ما بعد الأسد

دبلوماسيون وعسكريون أميركيون: التفجير الذي شهده دمشق كان بمثابة نقطة التحول

TT

مع تزايد القناعة بأن سيطرة عائلة الأسد على الحكم في سوريا، والتي دامت لمدة 42 عاما، تقترب من نهايتها، بدأ مسؤولو الإدارة الأميركية يوم الأربعاء الماضي في مناقشة خطط الطوارئ الخاصة بسقوط الحكومة السورية، مع التركيز بصورة خاصة على الأسلحة الكيماوية التي تمتلكها سوريا والتي يعتقد أن الرئيس السوري بشار الأسد قد يحاول استخدامها ضد قوات المعارضة والمدنيين.

وقد أكد اثنان من مسؤولي الإدارة الأميركية أن مسؤولي وزارة الدفاع قد دخلوا في مناقشات مع نظرائهم في وزارة الدفاع الإسرائيلية حول ما إن كان ينبغي على إسرائيل التحرك لتدمير منشآت الأسلحة السورية، مضيفين أن الإدارة الأميركية لا تحبذ مثل هذه الهجمات، نظرا لأنها قد تعطي الأسد الفرصة لحشد التأييد ضد التدخل العسكري الإسرائيلي.

وأكد مسؤول البيت الأبيض أن توماس دونيلون، مستشار الأمن القومي للرئيس باراك أوباما، قد توجه إلى إسرائيل نهاية الأسبوع لبحث الأزمة السورية مع المسؤولين الإسرائيليين. وقام باراك أوباما بالاتصال تليفونيا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين أول من أمس، وحثه مرة أخرى على السماح بالجهود الرامية لإقصاء الأسد من الحكم في سوريا، لكن روسيا لا تزال تعارض مثل هذه الجهود. وأكد البيان الذي أصدره البيت الأبيض أن بوتين وأوباما «أشارا إلى زيادة وتيرة العنف في سوريا، واتفقا على ضرورة دعم عملية التحول السياسي في أقرب وقت ممكن بما يحقق هدفهما المشترك المتمثل في إنهاء العنف المتنامي وتجنب تدهور الوضع بشكل أكبر». وأشار البيان إلى «الاختلافات بين البلدين حول الوضع في سوريا»، لكنه أكد أن الزعيمين «اتفقا على مواصلة العمل من أجل التوصل لحل للأزمة». وأكد المسؤولون الدبلوماسيون والعسكريون الأميركيون أن عملية التفجير الذي شهدتها العاصمة السورية دمشق يوم الأربعاء والتي أودت بحياة العديد من مستشاري الأسد المقربين كانت بمثابة نقطة التحول في الصراع في سوريا، حيث أكد جاي كارني، السكرتير الصحافي للبيت الأبيض، للصحافيين أن الأسد «لن يكون جزءا من مستقبل سوريا».

وفي إشارة إلى الموقف الروسي، أكد كارني أن عملية التفجير الأخيرة قد فندت الادعاء القائل بأن إقصاء الأسد سوف تترتب عليه زيادة العنف في سوريا، مضيفا أن استمرار الأسد في الحكم هو ما «سيؤدي إلى المزيد من أعمال العنف».

وفي سياق متصل، أكد ليون بانيتا، وزير الدفاع الأميركي، يوم الأربعاء أن الأزمة في سوريا «تخرج عن نطاق السيطرة بشكل سريع». وبعد ساعات قليلة من عملية التفجير، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن بعض العقوبات الإضافية ضد رئيس الوزراء و28 من الوزراء وكبار المسؤولين السوريين، في ما يمثل جزءا من الجهود التي تقوم بها الإدارة لتشديد العقوبات على النظام السوري، بعد أن بدأ حلفاء الأسد في التخلي عنه. يقول ديفيد كوهين، المسؤول البارز في وزارة الخزانة الأميركية «ما دام الأسد باقيا في الحكم فسوف تتزايد إراقة الدماء وحالة عدم الاستقرار في سوريا».

ومن خلف الستار، قامت الإدارة الأميركية بتغيير خططها حول ما ينبغي القيام به بعد السقوط المتوقع لحكومة الأسد، وكيف سيبدو هذا السقوط. ويؤكد بعض مسؤولي الإدارة الأميركية أن القلق الأكبر الذي ينتابهم هو احتمال لجوء الأسد، الذي يشعر باليأس، إلى استخدام الأسلحة الكيماوية لمحاولة إخماد الثورة. ويقول كارني «تتحمل الحكومة السورية مسؤولية حماية مخزونها من الأسلحة الكيماوية، وسوف يقوم المجتمع الدولي بمحاسبة كل المسؤولين السوريين الذين سيفشلون في الوفاء بهذا الالتزام».

يشدد مارتن إنديك، سفير الولايات المتحدة السابق لدى إسرائيل ومدير برنامج السياسة الخارجية في معهد بروكينغز، على أنه ينبغي التفكير مليا في أي مصالح ستترتب على الهجوم الإسرائيلي على منشآت الأسلحة السورية في مقابل احتمال قيام نظام الأسد باستغلال هذه الهجمة لتحقيق مصالحه الشخصية.

وأكد إنديك وغيره من مسؤولي الإدارة الأميركية أن الخوف الآن يتمثل في احتمال لجوء الأسد لاستخدام الأسلحة الكيماوية باعتبارها أخر أوراقه، مضيفا «لكن ذلك يتخطى الخط الأحمر ويغير من طبيعة الحوار بالكامل. ينبغي أن يكون هناك اتجاه عالمي قوي لردعه عن القيام بذلك».

وسوف يكون على روسيا، على وجه الخصوص، التخلي عن معارضتها لقيام الأمم المتحدة بفرض عقوبات أكثر صرامة على سوريا، لكن إيران، الحليف الآخر المتبقي للأسد، لن تنظر بعين العطف على الأرجح إلى أي هجوم على مخازن الأسلحة الكيماوية.

أما روبرت مالي، العضو بمجموعة الأزمات الدولية، فيرى أنه لا بد أن تستشعر إدارة أوباما القلق أيضا من أن تجد ترسانة الأسد، بما في ذلك الأسلحة الكيمائية، طريقها إلى أيدي بعض الجماعات الأخرى، لا سيما «القاعدة»، وهو الهاجس الأكبر الذي يشغل بال الإدارة الأميركية. ويضيف مالي «الحكومة سوف تنهار، لكن كيف سيبدو هذا الانهيار؟ ربما ستسقط في دمشق، لكن ليس في أي مكان آخر، ويمكن أن تتهاوى في مناطق كثيرة، ولكن ليس في المناطق التي يقطنها العلويون. هناك الكثير من الاختلافات حول هذا الأمر».

وبخلاف محاولتها منع نظام الأسد من استخدام الأسلحة غير التقليدية، ينبغي على الولايات المتحدة أيضا العمل للتأكد من أن الأقلية العلوية في البلاد، والتي شهدت ازدهارا كبيرا في ظل حكم الأسد ولذلك تدين له بالولاء الشديد، لن تتعرض للمجازر بمجرد رحيل من كان يحميها.

تعرض أوباما للانتقادات من قبل بعض الجمهوريين في الكونغرس، الذين يؤكدون على ضرورة التدخل العسكري للولايات المتحدة في سوريا، فضلا عن انتقادات أخرى من منافسه الجمهوري ميت رومني، الذي أكد أنه سيقوم بتسليح المعارضة السورية إذا وصل إلى الحكم، وهو الأمر الذي لا تقوم به الإدارة الحالية بصورة مباشرة.

وبدلا من قيامه بتسليح المعارضة، ساند أوباما الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة، فضلا عن حث روسيا للانضمام للولايات المتحدة الأميركية في دعوة الأسد للتنحي عن الحكم. وبينما تعرض الرئيس الأميركي لكثير من الانتقادات بسبب سياسته تجاه سوريا، يؤكد بعض خبراء السياسة الخارجية أن النهج الذي يتبناه أوباما قد يكون مبررا إذا تم إقصاء الأسد من دون قيام الولايات المتحدة الأميركية بأي عمل عسكري هناك.

لم تقم الإدارة الأميركية بتسليح الثوار السوريين بصورة رسمية، لكنها زودتهم ببعض المساعدات الاقتصادية وساعدت على دعم المعارضة السورية في مساعيها لنزع الشرعية من الأسد عن طريق الدعوات الكثيرة التي تطالبه بالتنحي عن الحكم.

يقول مالي إن الولايات المتحدة «ربما تحقق بالفعل ما كانت تصبو إليه، وهو سقوط النظام من دون تدخلها عسكريا»، ولكن ينبغي عليها «حينها التعامل مع كل المتغيرات الخاصة بالشكل الذي سيبدو عليه هذا السقوط وكيف ستبدو سوريا بعد الأسد».

* أسهم بيتر باكر في كتابة هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»