الدولة العلوية.. خيار الأسد الأخير المفتقر للغطاء الدولي

تبررها محاولات «التطهير العرقي» والمجازر في اللاذقية وحمص

TT

لم يستبعد معارضون سوريون مع استهداف قوات الأمن السورية مدنا عدة على الساحل السوري أو قريبة منه وقصفها وارتكاب المجازر فيها وتهجير أهلها، إمكانية سعي الرئيس السوري بشار الأسد لإقامة دولة علوية على الساحل السوري تشكل ملجأ له متى خرجت الأمور عن سيطرته.

مجازر حولا والحفة والقبير والتريمسة وما تخللها من عمليات، يمكن اعتبارها «تطهيرا عرقيا»، عدا دموية حصار حمص، ثالث مدن سوريا والتي تعد عقبة حقيقية أمام الدولة العلوية، دفعت المراقبين والخبراء الاستراتيجيين إلى التأكيد مرارا على نية الأسد خلق منطقة علوية تتميز بموقعها الساحلي والجبلي الاستراتيجي، ليتحصن فيها وتكون منطلقا للدفاع عن نفسه وأنصاره من عمليات انتقام محتملة، فيما لو عجز عن الحفاظ على نظامه الأمني متماسكا.

ومع الضربة القاسية التي تلقاها نظام الأسد الأمني أول من أمس، عاد إلى الأذهان سيناريو الدولة العلوية، لا سيما مع تداول أنباء عن تردد الأسد على اللاذقية، عاصمة الدولة العلوية المفترضة، وتجهيزه مركزا أمنيا لقيادة العمليات العسكرية منه، وفق ما يؤكده معارضون سوريون.

وفي ظل صعوبة التوصل إلى حل على الطريقة اليمنية ينهي الأزمة السورية المستمرة منذ أكثر من 16 شهرا، يقول معارض سوري بارز لـ«الشرق الأوسط» إن الأسد ومن حوله عملوا حتى قبل اندلاع الثورة على إقامة كانتون علوي خاص، ويتحدث عن «نقل جزء من مخزون المال الاحتياطي في المصرف المركزي إلى طرطوس بعد اندلاع الثورة السورية وتخزين وسائل لوجستية وتجهيز مراكز أمنية»، معتبرا في الوقت عينه أن «لا إمكانية متاحة لإقامة هذا الكانتون الموجود في مخيلة الأسد لأن العلويين أنفسهم يرفضون الانسلاخ عن سوريا وهم سيستعيدون دورهم الإيجابي بمجرد أن يسقط النظام».

وفي حين يقول المعارض السوري إن الأسد «يعول على بعض المناطق ذات الغالبية العلوية في محافظتي طرطوس واللاذقية ويحاول أن يوسع رقعته الجغرافية من خلال سعيه لإحداث تغيير ديمغرافي في ريفي حمص واللاذقية حيث الغالبية سنية»، يعود ليؤكد على أن «التاريخ أثبت أنه لا يمكن لهذا المخطط أن ينجح اطلاقا.. ربما يتمكن الأسد من الذهاب إلى منطقة والتحصن فيها، لكن لا يمكن له أن يبقى».

في سياق متصل، يشدد أستاذ العلاقات الدولية الدكتور سامي نادر لـ«الشرق الأوسط» على أن «تصرفات الأسد تؤكد أنه قد حدد خياراته ولم يبق أمامه إلا أن يستمر في دورة العنف الجنونية أو ينتقل إلى تطبيق خطة بديلة تقضي بالانتفاء إلى دولة علوية شبيهة بالتجربة اليوغوسلافية، مع تراجع إمكانية رحيله وفق الطريقة اليمنية لأسباب عدة؛ منها المطالبة بمثوله أمام العدالة الدولية لمحاكمته على ارتكاباته».

وفي حين يؤكد نادر أن ما حدث من مجازر في التريمسة وحولا على سبيل المثال «لا يمكن أن تدرج إلا في إطار تطهير إثني يسبق عملية انتقاله إلى تطبيق الخطة (ب) أي الدولة العلوية»، يرى الخبير العسكري والاستراتيجي، المقرب من حزب الله، العميد المتقاعد أمين حطيط أن «سيناريو الدولة العلوية مصدره المنظومة الغربية بقيادة أميركية». ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «الهجمة القائمة، وهي تعتبر الأعنف ضد سوريا ووصلت إلى دمشق، هدفها الرئيسي قتل الكيان السوري وتقسيم سوريا إلى 4 دول؛ واحدة منها الدولة العلوية في اللاذقية»، مشيرا إلى أن «أميركا لم تنفك عن الترويج لسيناريو الدولة العلوية في محاولة لإقناع الرأي العام بأن تقسيم سوريا هو المخرج كما حدث في العراق وفي كردستان».

وإذا كان حطيط يرى «أن لا إمكانية لفرص نجاح هذا السيناريو في ظل المعركة الدفاعية التي تقودها سوريا بنجاح كلي، فيما الجيش السوري لا يزال متماسكا والشعب متمسكا بقيادته والحكومة تبسط سيطرتها»، يربط نادر بين «صعوبة قيام دولة علوية وعدم توفر ضوء دولي أخضر لقيامها». ويقول في هذا السياق: «في حال قيام دولة علوية، فلن يكون من رادع لقيام دولة كردية وتفتت المنطقة بما يؤدي لإعادة رسم خريطتها من جديد»، من دون أن يغفل الإشارة إلى «أنه يمكن للعقل اليميني الإسرائيلي أن يعجب بالفكرة لأنها تتناسب مع طرحه الأساسي بإقامة شرق أوسط استنادا لقواعد إثنية وبما يعطيه مبررا ليهودية دولة إسرائيل».

وفي موازاة تأكيد نادر على أن «إقامة دولة علوية لا يحظى اليوم بمباركة دولية وإذا تمت ستتراكم ككرة الثلج وتطيح بالشرق الأوسط»، يحمل حطيط بشدة على «ترويج بعض وسائل الإعلام لخبر انتقال الرئيس الأسد إلى اللاذقية لقيادة العمليات العسكرية، وهو ما تبين أنه خبر كاذب أمس بعد ظهور وزير الدفاع الجديد فهد الفريج وهو يقسم اليمين أمام الأسد في دمشق».

يذكر أن سيناريو الدولة العلوية يعود إلى فترة الانتداب الفرنسي على سوريا حيث حصلت فرنسا على أراضي العلويين بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، لتعلن في سبتمبر (أيلول) 1923 دولة علوية عاصمتها اللاذقية باتت تعرف في عام 1930 بـ«سنجق اللاذقية» لتعود وتنضم إلى سوريا نهاية عام 1936.