60% من الأردنيين أولوياتهم الاقتصاد وليس العملية السياسية

بعد قرار الإخوان بمقاطعة الانتخابات.. الوسط السياسي ينتظر قرار الجبهة الوطنية للإصلاح

TT

أحدث قرار جماعة الإخوان المسلمين في الأردن القاضي بمقاطعة الانتخابات النيابية المقبلة اصطفافا في المجتمع الأردني من مختلف منابته وأصوله بين مقاطع للانتخابات ومؤيد لدخول هذه التجربة بعد حراك دام أكثر من 20 شهرا جرى خلاله إحراز بعض المطالب السياسية من خلال تعديل الدستور الأردني وإنشاء محكمة دستورية ولجنة للإشراف على الانتخابات، إلا أن قانون الانتخاب ما زال مثار جدل بين جميع الأطياف السياسية، حيث انعكست مواقف هذه الأطياف على مشاركة الأحزاب الأردنية في الانتخابات النيابية المقبلة. فالحركة الإسلامية بجميع أدواتها من حزب جبهة العمل الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين وشخصيات إسلامية مستقلة أعلنت مقاطعتها للانتخابات النيابية ترشيحا وانتخابا لأنها رأت أن القانون لا يحقق العدالة بين الأردنيين وأن المشاكل التي يعاني منها الأردن حاليا سببها قانون الصوت الواحد الذي أفرز مجلس نواب غير قادر على تحمل مسؤولياته وعزز مفهوم العشائرية والمناطقية وأفرز مجالس نيابية مزورة تدخلت فيها الحكومات السابقة.

ويرى مراقبون أن الحكومة ستدخل عبر أدواتها في حوار قد يكون بمثابة النداء الأخير للعودة عن قرار المقاطعة مع إجراء بعض التحسينات على القانون، خاصة أن النظام يريد أن يدخل جميع الأطياف السياسية في العملية الانتخابية ولا يترك أحدا في الشارع.

وقد عبر عن هذا الموقف رئيس الوزراء الأردني الأسبق فيصل الفايز، حيث قال إنه إذا وصلنا لقاسم مشترك مع «اان» فلكل حادث حديث، بمعنى أنه قد يصار إلى تعديل القانون مرة أخرى، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الحوار الذي يجريه مع قيادات الحركة الإسلامية جاء بمبادرة شخصية وأن الحوار ما زال في مرحلة جس النبض.

وبين أن الحوار مفيد حتى بعد اتخاذ اان قرار مقاطعة الانتخابات، ول «صحيح أنهم اتخذوا قرارهم يمنع ذلك الاستمرار الحوار إذا غيروا رأيهم المستقبل الوطن»، واصفا مشاركتهم بـ«امهمة».

وأ الفايز أن العملية الإصلاحية تأتي بالتدرج، ول المطالبات بتعديل المواد ا بحل مجلس النواب ضمن تعديلات دستورية، بين أن الملك يعتبر رمزا ومرجعية أي ع وأي خلاف سياسي، و هذا المنطلق يجد ا أن صلاحيات الملك « أحمر». ويوضح الفايز حديثه بالقول عبر فرضيات مستقبلية «إذا صار هنالك أي خلاف سياسي بين حكومة برلمانية مستقبلية، وبين المعارضة ودخلت البلاد أزمة - كما يحصل أي دو ديمقراطية - ن الملك هو ضمانة للجميع».

وفي الاتجاه المقابل ينشط الفايز خلال هذه الأيام بعقد لقاءات مع المخاتير والوجهاء ورؤساء العشائر لحثهم على المشاركة في الانتخابات، كما تقوم الفعاليات الرسمية بالاتصال بالقواعد الشعبية عبر مؤسسة المتقاعدين العسكريين وشيوخ ووجهاء العشائر لحث القواعد الشعبية على المشاركة في الانتخابات المقبلة، ولهذا كل يوم تخرج قبيلة أو عشيرة أو عائلة ببيان تأييد للعملية الانتخابية وتدعو أفرادها وأفراد المجتمع الأردني للمشاركة في الانتخابات القادمة.

ويعلل المراقبون أن هذا الإجراء الحكومي سببه ضعف الأحزاب الموالية للنظام وعجزها عن إقناع شرائح متعددة من المجتمع الأردني، ولهذا أوكلت هذا الأمر إلى شخصيات سياسية مؤثرة وللحكام الإداريين والدوائر الأمنية للقيام بهذا الإجراء في سعيها لإرسال رسائل للحركة الإسلامية وأحزاب المعارضة التي أعلنت مقاطعتها للانتخابات بأن تأثيركم على الساحة ضعيف، ولكن الصورة على الأرض ليست مثالية لأن أكثر من 60 في المائة من الشعب الأردني لا يعنيه العملية السياسية، فما يعنيه الآن هو تحسين دخله اليومي وكيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية بعد أن قامت الحكومة بفرض ضرائب جديدة ورفعت الدعم عن بعض السلع، أبرزها المحروقات والكهرباء.

ويأتي ضعف الأحزاب الأردنية البالغ عددها 23 حزبا حاليا و8 أحزاب أخرى تحت التأسيس مع استثناء حزب جبهة العمل الإسلامي، لعدم قناعة الشعب بهذه الأحزاب بسبب عدم وجود برامج مقنعة، وكذلك تدخل مؤسسة العرش في تقديم الخدمات الضرورية للمواطنين بسبب تقصير الحكومات السابقة وتغيير الحكومات المتكرر، حيث أدى في نهاية المطاف بالمواطن إلى اللجوء إلى رأس الهرم في الدولة ليطلب أي خدمة ويحصل على ما يريد من علاج وتعليم وسكن وغير ذلك من الخدمات، ولهذا فقد تولدت لدى المواطن القناعة التامة بأن رأس النظام هو الضامن له ولا جدوى من الأحزاب التي لم تقدم أي برامج يحس بها المواطن كما انعكس هذا الإحساس على النواب أيضا.

ولا يزال المشهد السياسي ينتظر قرار الجبهة الوطنية للإصلاح التي يترأسها رئيس الوزراء الأسبق أحمد عبيدات والتي تضم 7 أحزاب مع أنه لمح إلى أن قرار المقاطعة للانتخابات وارد ولكن بانتظار رأي القواعد الحزبية. وأعطى ظهور رئيس الوزراء السابق عون الخصاونة مع رئيس الوزراء عبيدات في ملتقى كفر سوم الثقافي قبل عدة أيام المراقبين انطباعا أن هناك تحالفا ما يتشكل في منطقة شمال الأردن.

والخصاونة الذي نفى عزمه تأسيس أي حزب سياسي في المستقبل انتقد قانون الصوت الواحد بقوله إن الشعب الأردني يستحق أفضل من هذا القانون، يكون ممثلا له بشكل حقيقي وعادل، واعتبر أن الفرصة ما زالت سانحة لإصلاحات حقيقية والعبور بالأردن إلى بر الأمان ليعود إلى ما كان عليه، ويوضح أنه كان ولا يزال يتواصل مع جميع الأطياف السياسية والحزبية ويقف منها جميعا على مسافة واحدة، وقال «الآن أنظر من خارج الحكومة وأرى طريقتين للحديث في الإصلاح، الأولى هي الحديث بالطرق الديمقراطية، والثانية بالطرق الأمنية»، لافتا إلى أن الطريقة الثانية هي البادية للعيان.

ويتساءل المراقبون للمشهد السياسي الأردني عن الخاسر الفعلي من قرار المقاطعة، والواضح هنا أن الخاسر أكثر من طرف، بنسب متفاوتة، أولها الحركة الإسلامية التي تأتي مقاطعتها استثمارا للشعبية، بدل الوصول إلى مجلس النواب، حيث كان أمامهم ثلاثة مسارب لإيصال مرشحيهم، عبر الصوت الواحد على مائة وثمانية مقاعد، وعبر كوتة المرأة، وعبر القائمة الوطنية، وأن يكون رهانهم على «النظافة» قبل مدخلات القانون.

ويرى المراقبون أن هذه السلبية منتجة للإسلاميين، لأنها ستبقيهم في الشارع، وحفظت وحدة الجماعة بين تياري المقاطعة والمشاركة، ومنحتهم الفرصة لتجاوز امتحان الصناديق، على الرغم من أن حصتهم لن تكون قليلة.

ويرى الكاتب ماهر أبو طير أن الإسلاميين خسروا بقرار المقاطعة الكثير، وهم يخلون مواقعهم طوعا، لغيرهم، ومنذ اليوم يصير مستحيلا قبول النقد للمجلس النيابي المقبل، من جانب كل من يقاطع الانتخابات، فإذا لم تشارك فكيف يحق لك النقد والتقييم مستقبلا، ما دمت لم تكن طرفا في الأساس؟! ثاني الأطراف الخاسرة هو البرلمان المقبل، لأن المقاطعة تريد أن تقول للداخل الأردني وللخارج إن المجلس ناقص التمثيل، وإن مكونا أساسيا غاب لاعتباراته، وإن المجلس المقبل لا يمثل كل الشعب، وعبر قرار المقاطعة يسلب الإسلاميون الشرعية، جزئيا، من المجلس النيابي المقبل، ليس لأن الشرعية يتم الحصول عليها من الإسلاميين، بل لأنهم مكون له خطه وأنصاره وحصته المفترضة في البرلمان، وهذا الغياب يجرح شرعية النواب المقبلين أيضا.

وثالث هذه الأطراف الخاسرة هو الحراكات الشعبية، وما تمثله في المحافظات، التي وجدت نفسها اليوم أمام استحقاقات مقاطعة جبهة سياسية قوية، مما دفعها إلى المقاطعة أيضا، أمام فكرة «التعليم على وجوههم» أمام الناس، وقدرة هؤلاء على الانتقال من الشارع إلى البرلمان ستبدو معدومة أمام الإحراج السياسي الذي سببته المقاطعة لهم، أمام من يتأثرون برأيهم، وبدلا من طرح الحراكات الشعبية لبرامج ولمرشحين ونواب، فقد طرقهم قرار المقاطعة على رؤوسهم، وجعلهم «عربة خلفية أخيرة» في قاطرة الإسلاميين.

آخر الأطراف المتضررة هو المؤسسة الرسمية، التي لم تصل إلى حل مع الإسلاميين، وعلى الرغم من التغييرات على القانون، لكن الحركة الإسلامية لم يعجبها ذلك، لأنها تريد المزيد، ويراد تقديم المؤسسة العامة بصورة التي لم تفلح بإقناع الإسلاميين بالمشاركة، وجرح كل فكرة الانتخابات، خصوصا إذا نجح الإسلاميون بتعميم فكرة المقاطعة شعبيا، وبالتالي يكون استحقاق قرار المقاطعة، لأول مرة، فوق مساحته الأصلية، ونحو تعميمه على كل البلد.