هجوم بلغاريا يزيد المخاوف من تصعيد «الحرب الخفية» بين إيران وإسرائيل

اتهام إيران بسلسلة من المؤامرات استهدفت دبلوماسيين وسفارات خلال العام الحالي

TT

أثار التفجير الانتحاري الذي استهدف حافلة بلغارية تقل سياحا إسرائيليين المخاوف من اندلاع مرحلة جديدة ودامية من «الحرب الخفية»، التي تجري منذ أمد بعيد بين إسرائيل وإيران، بعدما أصبح المدنيون هم الهدف الرئيسي لتلك الهجمات.

وكان مسؤولون إسرائيليون وأميركيون قد أشاروا يوم الخميس الماضي إلى وجود تشابه بين الهجوم على الحافة البلغارية والمؤامرات الفاشلة الثلاث الأخيرة التي استهدفت المدنيين، بما في ذلك خطة طبق الأصل لقتل الإسرائيليين الذين يقضون عطلاتهم في جزيرة قبرص. وعلى الرغم من أنه لم يتم الكشف عن هوية منفذ تفجير الأربعاء، فإن أصابع الاتهام تشير إلى تورط إيران أو حزب الله اللبناني الذي يعد حليفا قويا للجمهورية الإسلامية الإيرانية.

وحتى قبل وقوع انفجار بلغاريا، كان مسؤولون في المخابرات يرون إشارات على حدوث تصاعد خطير فيما كان يعد حتى وقت قريب حملة سرية وثأرية تستهدف الدبلوماسيين وعلماء نوويين داخل إيران.

وكانت السلطات الكينية قد ألقت القبض في وقت سابق من هذا الشهر على إيرانيين اثنين على صلة بمؤامرة لتفجير كثير من المصالح الإسرائيلية والغربية في كينيا. وقالت السلطات الكينية إن المشتبه فيهم ينتمون إلى إحدى وحدات النخبة التابعة للجيش الإيراني، بعد أن عثر معهم على أكثر من 220 رطلا من مادة الـ«آر دي إكس» شديدة الانفجار، التي تكفي لتفجير فندق كبير.

وكانت الحكومة الإسرائيلية قد حذرت منذ شهر يناير (كانون الثاني) الماضي من تزايد التهديدات الإرهابية في بلغاريا، التي أصبح شاطئ البحر الأسود بها مقصدا لآلاف السياح الإسرائيليين كل عام.

وعقب الهجوم مباشرة، أسرع المسؤولون الإسرائيليون إلى اتهام إيران، ولكن لم تقدم تل أبيب أي دليل على تورط إيران أو حزب الله. وقال مسؤولون في الاستخبارات الأميركية إنهم لم يرو دليلا على تورط إيران أو حزب الله، على الرغم من أنهم لم يبدوا اعتراضا على الادعاءات الإسرائيلية.

وشهد فصلا الخريف والشتاء سلسلة من المؤامرات الإيرانية التي استهدف معظمها دبلوماسيين وسفارات. وقد تورط عدد من المواطنين الإيرانيين وعملاء حزب الله في محاولة اغتيال شخصيات إسرائيلية وأميركية وسعودية في خمسة بلدان مختلفة. وفي إحدى تلك المؤامرات، حاولت بعض العناصر الإيرانية تجنيد أعضاء إحدى العصابات المكسيكية في محاولة فاشلة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن.

وتوقفت الهجمات لعدة أشهر خلال فصل الربيع، وهو الهدوء الذي تزامن مع الاستعدادات لعقد محادثات بين إيران والولايات المتحدة وخمس قوى عالمية أخرى بشأن البرنامج النووي الإيراني. وعندما تعثرت المفاوضات في شهر يونيو (حزيران)، ظهرت على السطح مؤامرات جديدة، ولكنها تستهدف المدنيين بصورة أساسية هذه المرة.

وفي عملية مشابهة تماما للهجوم الذي وقع على الحافلة البلغارية، أعلنت السلطات في قبرص في السابع عشر من يوليو (تموز) أنها اعتقلت لبنانيا اعترف بأنه قد دخل البلاد للتخطيط لشن هجوم على طائرات وحافلات يقلها إسرائيليون.

وكان اللبناني البالغ من العمر 24 عاما، الذي تم القبض عليه من قبل الشرطة القبرصية، قد سافر إلى قبرص بجواز سفر سويدي، واعترف بأنه عميل لحزب الله اللبناني، وفقا لما أعلن عنه مسؤولون إسرائيليون وسجلات الشرطة القبرصية. وعندما تم تفتيش غرفته في الفندق الذي كان يقيم فيه تم العثور على وثائق تتضمن تفاصيل عن خطط للهجوم على طائرة أو حافة سياحية. وكشفت الوثائق أيضا أن الرجل كان يقوم بجمع معلومات عن مواعيد رحلات الطائرات المقبلة من إسرائيل، فضلا عن طرق الحافلات السياحية.

وقال ماثيو ليفيت، وهو خبير في شؤون مكافحة الإرهاب ويعمل حاليا على تأليف كتاب عن الإرهاب الذي يتبناه حزب الله اللبناني، إن المؤامرات الجديدة تظهر وجود تحول تكتيكي من قبل إيران، وتعكس وجود تصعيد متعمد وتقدير لصعوبة استهداف السفارات وغيرها من المنشآت التي تخضع لحراسة مشددة.

وقال ليفيت، وهو باحث بمعهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى: «إنهم يبحثون عن أهداف أقل صعوبة»، مشيرا إلى أن المؤامرات الجديدة «تأتي ضمن حرب الظل»، التي تشنها إيران وحلفاؤها على الغرب. وأضاف ليفيت: «ولكن الشيء الذي يثير الدهشة هو نجاحهم هذه المرة على الرغم من أنهم يتبعون نفس الأسلوب». وفي هذا الحادث الأخير، نجح منفذ العملية الانتحارية، الذي تخفى على هيئة سائح يحمل رخصة قيادة وهمية من ميتشيغان، من الدخول في وسط مجموعة من السياح الإسرائيليين في مطار المدينة قبل أن يفجر نفسه، مما أسفر عن مقتل خمسة إسرائيليين بالإضافة إلى سائق الحافلة البلغاري.

واتهم عدد من المسؤولين في الحكومة الإسرائيلية إيران وحزب الله بالوقوف وراء هذا الهجوم، وفقا لبعض المصادر الاستخباراتية غير المحددة. بينما تمادى أحد المسؤولين السابقين في وزارة الدفاع الإسرائيلية عندما ربط هذا التفجير الانتحاري مباشرة بالحرب السرية الأوسع على إيران. وفي حلقة منفصلة من الحرب السرية ضد إيران، أسفرت سلسلة من تفجيرات السيارات منذ عام 2010 عن مقتل 4 من كبار العلماء النوويين الإيرانيين، بينما أدت الهجمات الإلكترونية المعقدة إلى عرقلة تقدم البرنامج النووي الإيراني.

قال عوزي أراد، مستشار الأمن القومي السابق في إسرائيل في مقابلة مع إذاعة الجيش الإسرائيلي: «إننا نخوض حربا ضد إيران. نحن لسنا سلبيين، نحن الجانب النشط. سوف يدرك أي شخص له عقل ما قمنا به وما سنقوم به». ونفت إيران القيام بأي دور في الهجمات التي وقعت في بلغاريا، بينما وصفت وسائل الإعلام الرسمية في إيران الاتهامات الإسرائيلية بـ«السخيفة».

واتهمت إيران وحزب الله الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل بشكل علني بالضلوع في عمليات اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين والقائد السابق للجناح العسكري لحزب الله عماد فايز مغنية، الذي تم اغتياله في سوريا في عام 2008 عن طريق سيارة مفخخة تم تفجيرها بواسطة جهاز تحكم عن بعد.

كما اتهمت إيران عملاء الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أيضا بشن هجمات إلكترونية في الأعوام الماضية بهدف عرقلة برنامجها النووي. تضمن الهجوم الإلكتروني الرئيسي فيروس كومبيوتر يدعى «ستوكس نت»، الذي تسبب في شلل المحطة الرئيسية لتخصيب اليورانيوم في إيران.

وبينما رفضت إسرائيل والولايات المتحدة الإسهاب في ذكر أي برامج أو حوادث محددة، اعترفت الدولتان باستخدام مجموعة كبيرة من الوسائل السرية لإبطاء البرنامج النووي الإيراني. وفي الوقت الذي تعتقد فيه الولايات المتحدة وإسرائيل وغيرهما كثير من البلدان الغربية أن الجهود النووية الإيرانية تهدف إلى تمكين قادة إيران من الحصول على القدرات النووية، تدعي إيران أن كل ما تريده هو الحصول على الطاقة النووية للاستخدامات السلمية والمدنية. وأكدت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الخميس أنها سوف تستمر في استخدام مجموعة متنوعة من التدابير لإقناع إيران بالتخلي عن طموحاتها النووية، كما تعهدت أيضا بمعاقبة الجهة المسؤولية عن مقتل المواطنين الإسرائيليين في بلغاريا أيا كانت.

وصرح جاي كارني، الناطق باسم البيت الأبيض: «سوف نعمل مع كل من إسرائيل وبلغاريا ونقدم لهما يد العون في الجهود المبذولة لمعرفة الجهة المسؤولة عن الهجوم الذي وقع في بلغاريا، ومحاسبة الجهة أو الطرف المسؤول عن ذلك».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»