طهران لم تعد تعتبر الربيع العربي «هبة من الله» خشية انهيار نظام الأسد

أصوات قلقة في إيران تعتبر أن دعمها للنظام السوري أفقدها أصدقاء في المنطقة مثل حماس

TT

انتهى الحديث عن الربيع العربي باعتباره «هبة من الله»، فحتى إيران بدأت تشعر بالقلق هي الأخرى من العواقب التي يمكن أن تحدث في حال انهيار نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا، الذي ظل من أذرع إيران في المنطقة لفترة طويلة، والذي لم يعد من المناسب أن يظل قائما بعد يوم الخميس الذي كان هو اليوم الخامس من قتال الشوارع العنيف في دمشق.

من شأن سقوط نظام الأسد أن يمحو آخر وأهم موضع قدم لإيران الشيعية في العالم العربي، ومنفذها على البحر الأبيض المتوسط. وسوف يؤدي ذلك إلى تحقيق هدف التصدي للنفوذ الإيراني في المنطقة، وفك التحالف الذي دام لعقود بين طهران ودمشق. وسيقوض ذلك أيضا دور إيران كدولة راعية للثوار في الشرق الأوسط، وهو هدف تسعى لتحقيقه الدول العربية المعتدلة والولايات المتحدة منذ مدة طويلة.

وقد ألقت حركة حماس، التي تعتمد على سوريا وإيران منذ فترة طويلة، بثقلها بالفعل خلف السوريين في الشوارع سعيا إلى إسقاط نظام الأسد. مع ذلك قد يحدث ما هو أسوأ من وجهة نظر طهران، فحزب الله، الذي يعد آخر حليف ثوري لإيران وسوريا ويتمتع بنفوذ كبير في لبنان، سوف يخسر واحدة من أهم الجهات التي تزوده بالسلاح والمال، وقد يتداعى التوازن الطائفي الهش في لبنان، مما يزيد من خطر نشوب حرب أهلية أخرى. وفي رد سريع على أسوأ يوم للنظام السوري حتى هذه اللحظة، أكد حزب الله يوم الأربعاء في أقوى تصريح له عدم تخليه عن الأسد. وقدم حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله، في خطاب متلفز مساء الأربعاء، التعازي لمقتل ثلاثة من كبار المسؤولين السوريين في بداية ذلك اليوم. وصرح قائلا: «المسؤولون السوريون الذين قتلوا بدمشق شهداء ورفاق سلاح في طريق مواجهة العدو الإسرائيلي، ونحن على ثقة من أن الجيش العربي السوري، الذي تحمل ما لا يطاق لديه من القدرة والقوة والعزم والثبات ما يمكنه من الاستمرار، ولديه من القيادات الكثير مما يمكنه من أن يسقط كل آمال الأعداء».

وأشار إلى فضل الأسد ونظامه في النصر الذي حققه حزب الله في حربه ضد إسرائيل عام 2006 في لبنان، وفي إنقاذ غزة خلال الغزو الإسرائيلي للقطاع عام 2009. وقال: «إن أهم الأسلحة والصواريخ التي قاتل بها حزبه إسرائيل عام 2006 مصدرها سوريا ومن الصناعة العسكرية السورية. ولا يقتصر ذلك على لبنان فحسب، بل يشمل أيضا غزة»، وأوضح قائلا: «هذه الصواريخ؛ هل أوصلتها السعودية أو مصر إلى غزة؟ لا، لكنها صواريخ من سوريا». ويصف فواز جرجس، مدير مركز الشرق الأوسط بكلية لندن للاقتصاد، الخطاب بالقوي والمفاجئ، حيث أوضح قائلا: «هذه نقطة اللاعودة بالنسبة إلى حزب الله الآن»، مشيرا إلى أن «نصر الله بحديثه أوضح وجود صلة مثل الحبل السري بين النظام السوري وحزب الله، وأن هذا الحبل وجودي، فهم كما قال رفاق سلاح».

وكانت إيران هي الأخرى مخلصة في دعمها لسوريا، التي تعد الأقلية العلوية بها فرقة من المذهب الشيعي، وهو المذهب السائد في إيران. ولا تزال طهران تزود الأسد بالدعم الاقتصادي والشعبي، وقد تمده بالدعم العسكري أيضا. مع ذلك هناك بعض الأصوات داخل إيران تشعر بالقلق من الموقف المحرج الذي يوضع فيه كل من يدعم الأسد في مواجهة ما يبدو ثورة شعبية واسعة النطاق. وقال ما شاء الله شمس الواعظين، محلل لشؤون الشرق الأوسط مقيم في طهران: «نحن ندعم بعض الثورات ونتجاهل البعض الآخر. لم تعد الشعوب العربية تصدقنا، فنحن نظهر كخصوم مناوئين نسير وفقا لأجندتنا السياسية الخاصة».

ويوضح كيف كانت الثورة الإسلامية التي اندلعت عام 1979 مثالا يحتذى به في المنطقة، لكن الثوار في العالم العربي يتطلعون الآن إلى مصر وتجربتها الديمقراطية في مجتمع إسلامي.

وأضاف شمس الواعظين: «بدلا من اكتسابنا لنفوذ، نشهد الآن صعود دول قوية جديدة يمكن أن تمثل تحديا لنا في المستقبل».

وتنبأ حسين علائي، لواء سابق في الحرس الثوري، منذ عام على الموقع الإلكتروني «ديبلماسي إيراني» بأنه «من الأفضل أن يبقى الأسد، لكن هذا ربما لا يحدث، وينبغي أن نفكر في وسائل أخرى لحماية أمننا القومي». لقد أدى الدعم الإيراني المستمر لسوريا إلى خسارتها لأصدقائها الآخرين في المنطقة، حيث يقدم الربيع العربي للثوار الشباب الطموحين نموذجا مختلفا عن نموذج الثورة الإيرانية بقادته آيات الله كبار السن. الجدير بالذكر أن أكثر العرب من السنة لا الشيعة. وبدأت قيادات حركة حماس، التي تمتعت بمنفى آمن في دمشق ودعم عسكري من إيران، منذ فبراير (شباط) الماضي تتوجه إلى قطر وملاجئ أخرى، وأعلنت دعمها للثوار السوريين. ومع تعثر إيران وما تواجهه من أضرار اقتصادية جراء العقوبات الغربية، أثبتت كل من قطر والسعودية أنهما حليفتان أكثر نفعا وامتلاكا للقدرة المالية. لقد حاول نصر الله بخطابه أن يجعل الأمر يبدو وكأن شيئا لم يحدث، وكأن ثورات الربيع العربي لم تقم، على حد قول سامي نادر، محلل وأستاذ العلاقات الدولية في جامعة سانت جوزيف في بيروت. وأوضح نادر قائلا: «يعد هذا أهم تحول في تاريخ العالم العربي، ويثبت عدم وجود أي تعارض بين الإسلام والديمقراطية». ويرى سركيس ناعوم، وهو كاتب عمود بصحيفة «النهار» في بيروت أن «الخطاب كان بمثابة اعتراف باعتماد حزب الله الكامل على بقاء نظام الأسد»، وأوضح قائلا: «إنه يخبرهم بأنه لن يتخلى عن الأسد، وأنه بحماية الأسد يحمي حزب الله ونفسه ومجتمعه، وكذا المصالح السورية والإيرانية». وقال ناعوم إنه «يشعر بالقلق مما يمكن أن يحدث في لبنان في حال انهيار نظام الأسد أو تزايد وتيرة الحرب الطائفية. وتقابل كثير من التصدعات الطائفية في سوريا، من علويين ومسيحيين في مواجهة مسلمين سنة على سبيل المثال، تصدعات مشابهة في لبنان الذي به عدد كبير من الأقليات المسيحية والعلوية والسنة. وقد شهد شمال لبنان بالفعل مواجهات بين علويين وسنة، وامتنع حزب الله عن القيام بأي فعل يهدد بنشوب صراع»، لكن يرى ناعوم أن ذلك قد يتغير. ويقول: «إذا شعر حزب الله بأن الفوضى في سوريا أو حتى انهيار نظام الأسد يمثل له تهديدا، سوف يتخذ موقفا داخل لبنان على الأقل بشل حركة الذين يتعاونون مع الثوار، خصوصا في الشمال». وأضاف قائلا: «إن حزب الله خاسر في الحالتين، سواء ظل في الجانب الذي ينظر إليه أكثر العرب على أنه الجانب الخاطئ من التاريخ، أو تخلى عن حليف يربطه بباقي العالم الشيعي، ووجد نفسه منعزلا».

بطبيعة الحال سيغير انتصار الأسد هذه المعادلة، وقد أكد نصر الله ثقته في ذلك حين قال: «نحن على ثقة من أن الجيش السوري، الذي تحمل ما لا يطاق، لديه من القدرة والقوة والعزم والثبات ما يمكنه من الاستمرار، ولديه من القيادات الكثير مما يمكنه من أن يسقط كل آمال الأعداء». وهذه أيضا وجهة النظر السائدة في طهران، التي لديها نموذج ناجح لقمع المعارضة الشعبية بعد انتخابات عام 2009. ويقول حميد رضا ترقي، الخبير في شؤون السياسة الخارجية والسياسي الذي تتوافق آراؤه مع آراء الحكومة الإيرانية إلى حد بعيد: «لا يوجد أدنى شك في بقاء وصمود نظام الأسد». على الجانب الآخر لم يكن شمس الواعظين متأكدا من ذلك، حيث قال: «لقد كنا نحظى بشعبية منذ بضع سنوات، لكن قراراتنا الأخلاقية سببت أزمة لنا. لقد كنا نأمل جميعا أن تدير المنطقة ظهرها للولايات المتحدة، لكن ينبغي حاليا أن نحرص على ألا تدير هي ظهرها لنا».

* خدمة «نيويورك تايمز».

* شارك توماس إردبرينك في إعداد التقرير من طهران ورود نوردلاند ومي عياد من القاهرة