الجفاف يضرب أميركا بقوة وتداعياته السلبية تتفاقم

أضر بأكثر من نصف مساحة البلاد.. و1300 مقاطعة باتت مدرجة كمناطق كوارث

مزارعان ينظران إلى محاصيل الذرة المتضررة بالجفاف في حقل بكانساس (نيويورك تايمز)
TT

بات من المرجح أن تتفاقم موجة الجفاف التي ضربت أكثر من نصف مساحة الولايات المتحدة الأميركية المترامية الأطراف في الصيف الحالي، والتي تعد الأوسع انتشارا منذ أكثر من نصف قرن. وتتوقع دائرة الأرصاد الجوية الوطنية في أحدث توقعاتها، التي صدرت أول من أمس الخميس، زحف المناخ الجاف على نحو متزايد على سلة الغذاء في البلاد، وهو التطور الذي قد يقود إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتكاليف الشحن، وكذلك انخفاض الإيرادات في المناطق التي تعتمد على السياحة الصيفية. لكن ربما تأتي النجدة من خلال النشاط الاستوائي الذي يشهده خليج المكسيك وجنوب شرقي البلاد، والذي من الممكن أن يجلب معه الأمطار إلى المناطق الجنوبية من البلاد.

وتأتي هذه الاحتمالات في الوقت الذي تزداد فيه حالة الغموض التي تكتنف الاقتصاد الأميركي. ويرى بعض المزارعين بأم أعينهم المحاصيل النقدية التي يعتمدون عليها كثيرا وهي تذهب أدراج الرياح، بينما اضطر آخرون إلى حصاد محصول الذرة قبل موعده ليستخدموه كأعلاف للحيوانات، وهو مشروع ذو ربحية أقل بكثير. وصرح بات كوين، حاكم ولاية إلينوي، بعد قيامه بجولة في المزارع المنكوبة في المناطق الجنوبية من الولاية، قائلا «إنها حقا أزمة كبيرة، لا أعتقد أنني رأيت أي شيء مثل هذا طيلة حياتي».

وأعلنت الحكومة الأميركية ثلث عدد المقاطعات في البلاد - البالغ عددها 1.297 في 29 ولاية - مناطق كوارث فيدرالية نتيجة لموجة الجفاف، وهو الأمر الذي يتيح للمزارعين طلب الحصول على قروض منخفضة الفائدة كي يتمكنوا من عبور هذا الموسم المخيب للآمال بصورة كبيرة. ويقول بوتش كالهون، سكرتير ولاية أركنساس للشؤون الزراعية «هناك احتمال كبير أن تصبح هذه الموجة أسوأ موجة جفاف تعرضت لها ولاية أركنساس على الإطلاق، فضلا عن الآثار شديدة السوء التي ستخلفها على اقتصادنا».

الأمر اللافت للنظر في موجة الجفاف هذه هو اتساع نطاقها بصورة كبيرة، حيث تتعرض 55 في المائة من مساحة الولايات المتحدة الشاسعة - من كاليفورنيا حتى أركنساس ومن تكساس حتى داكوتا الشمالية - لموجة جفاف شديدة أو معتدلة، ولذا تعد أكبر منطقة تتعرض للجفاف في البلاد منذ ديسمبر (كانون الأول) 1956، حسبما أكدت الحكومة الأميركية. وأظهر التحليل الذي أصدره برنامج مراقبة الجفاف في الولايات المتحدة، أول من أمس الخميس، أن 88 في المائة من محصول الذرة و87 في المائة من فول الصويا في البلاد يوجد في المناطق التي تضربها موجة الجفاف، وهو ما يزيد بنحو 10 في المائة عن تقديرات الأسبوع الماضي. ووصلت أسعار الذرة وفول الصويا إلى مستويات قياسية الخميس، حيث تم إغلاق التداول على الذرة بزيادة 8.07 دولار للبوشيل، بينما ارتفعت أسعار فول الصويا بنحو 17.49 دولار.

واعتبارا من يوم الأحد المقبل، سيكون أكثر من نصف محصول الذرة الموجود في سبع ولايات معرضا إما لظروف سيئة أو شديدة السوء، وذلك وفقا لوزارة الزراعة، بينما يزيد هذا الرقم في كنتاكي وميسوري وإنديانا على 70 في المائة. وعلى وجه العموم، يعد 31 في المائة فقط من محصول الذرة في البلاد في ظروف جيدة أو ممتازة، مقارنة بـ66 في المائة في الفترة نفسها من العام الماضي. ويقول براد ريبي، وهو عالم أرصاد جوية في وزارة الزراعة «نحن نتوقع انخفاضا هائلا في الإنتاجية المحتملة للمحاصيل الزراعية، خاصة محصولي الذرة وفول الصويا». وأدى تلف محصول الذرة إلى زيادة أسعار الأعلاف واستنزاف الأراضي المتاحة لتغذية الحيوانات ووضع ضغوط كبيرة على كواهل المزارعين الذين يمتلكون قطعان الماشية، حيث تؤكد وزارة الزراعة أن 54 في المائة من مساحات المراعي والأعشاب - التي تتغذى عليها الماشية أو التي يتم فيها حصاد التبن لإطعام الماشية - تتعرض لظروف إما سيئة أو بالغة السوء. ونتيجة لذلك، اضطر الكثير من المزارعين إلى بيع مواشيهم. وحيث إن أسعار الأعلاف يصل ثمنها تقريبا إلى نصف تكلفة قطعان الماشية التي يمتلكها المزارعون، فقد يشهد المستهلكون ارتفاعا في أسعار اللحوم ومنتجات الألبان، حسبما أكد أحد الخبراء. ويقول كريس غالين، الناطق باسم الاتحاد الوطني لمنتجي الألبان، إن الارتفاع المستمر في درجات الحرارة أدى إلى نقص المكونات الرئيسية في الحليب، مثل الدهون والبروتينات، بصورة أكبر من المعتاد.

وأضاف غالين، في رسالة بريد إلكتروني «ينتج هذا عن تناول الأبقار لأعلاف أقل جفافا وشرب المزيد من المياه، وهو ما يؤدي إلى نقص المكونات الرئيسية في الحليب. فإذا كنت أحد مصنعي الجبن، فسوف تحتاج لكميات أكبر من اللبن للحصول على حجم الإنتاج نفسه من الجبن».

وعلى الرغم من ذلك، فإنه من غير المتوقع أن تخلف موجة الجفاف الحالية نفس التأثير الهائل على الزراعة كما فعلت موجة الجفاف التي ضربت مناطق الغرب الأوسط في عام 1988. ويقول جوزيف غلوبير، كبير الاقتصاديين في وزارة الزراعة، إن محصول الذرة قد انخفض بنسبة 22 في المائة تحت المعدل في ذلك العام، بينما تتوقع وزارة الزراعة انخفاض محصول الذرة بنسبة 11 في المائة فقط تحت المعدل في العام الحالي «على الرغم من أن الأمور قد تتغير في شهر أغسطس (آب)».

وبينما يعتقد كثيرون أن أحوال المزارعين في الوقت الحالي تمكنهم من التصدي لآثار موجة الجفاف بصورة أفضل بكثير مما كان الوضع عليه منذ عقدين من الزمان، يؤكد غلوبير أن التقديرات تشير إلى أن 80 في المائة من محصول الذرة وفول الصول في البلاد لم يتم التأمين عليه.

وفي بيان صحافي، أكد توم زاكارياس، مدير الشركة الوطنية لخدمات التأمين على المحاصيل الزراعية، أن شركات التأمين على المحاصيل الزراعية قامت بدفع تعويضات قياسية في العام الماضي بلغت 11 مليار دولار، وأن هذا «يجب أن يكون مثالا جيدا على ما يتوقعه المزارعون في العام الحالي». لكن آثار موجة الجفاف الحالية امتدت لما وراء الزراعة، ففي ولاية ميسوري، أدت درجات الحرارة المرتفعة إلى التسبب في اندلاع حرائق الغابات، التي تشبه موجة الحرائق التي شهدها الغرب الأميركي، حيث اندلعت 117 من حرائق الغابات في محمية مارك توين الوطنية للغابات في ولاية ميسوري، وهو رقم قياسي بالفعل. وزادت موجة الجفاف بصورة كبيرة لدرجة أن أحد التقارير يشير إلى اندلاع النيران في كومات التبن الموجودة في إحدى الحظائر من تلقاء نفسها. وفي الأثناء نفسها، تنخفض مستويات المياه الجوفية في خزانات المدن، فضلا عن المجاري المائية الكبيرة مثل نهري المسيسبي وأوهايو. وقالت آن مكلوتش، المتحدثة باسم مشغلي المجاري المائية الأميركية، إن مشغلي السفن وزوارق القطر يقومون بتقليل أحجام حمولاتهم بسبب انخفاض مستويات المياه. يعني هذا أنه أصبح يتعين على شركات الشحن البحري، التي تقوم بنقل كميات متنوعة من السلع بداية من المحاصيل الزراعية إلى الحصى، أن تقوم بالمزيد من الرحلات، مما سيزيد من تكلفة الشحن التي سيتحملها المستهلكون في نهاية المطاف. ويقدر المسؤولون في بلدة أوغوستا بولاية كنساس أنه يتبقى لديهم ما يوازي 110 أيام من السحب من خزانات المياه الجوفية القريبة. ويقول جوش شاو، مساعد مدير البلدة، إن مستوى المياه في خزان المياه الجوفي الرئيسي الذي يتم استخدامه في إمداد البلدة باحتياجاتها المائية قد انخفض بصورة كبيرة في العام الماضي، نتيجة لموجة الجفاف التي تضرب المنطقة والتي بدأت منذ عامين. ووضعت إنديانابوليس بعض القيود على استخدام المياه، بينما حظرت مقاطعة جونسون، التي تقع جنوب المدينة، التدخين في معرض المقاطعة.

* أسهمت مونيكا دافي من شيكاغو وماشيد موهادغرين من أوغوستا بولاية كنساس وجوانا فوستر من نيويورك في إعداد التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»