واشنطن تتجه إلى «أصدقاء سوريا» وتدعم المعارضة وتحتاط من الأسلحة الكيماوية لدى دمشق

بدائل الولايات المتحدة للتعامل مع الأزمة السورية بعد الفيتو الروسي ـ الصيني في مجلس الأمن

TT

تتزايد وتيرة التوتر بين روسيا والولايات المتحدة بسبب الأزمة السورية، حيث وضع الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن، أول من أمس (الخميس)، الولايات المتحدة في مأزق جعلها تحاول التحرك بشكل سريع لإنقاذ استراتيجيتها في سوريا، وسط مخاوف من تحول الأزمة إلى «لعبة خطيرة».

وقد بذلت الولايات المتحدة جهودا دبلوماسية مكثفة لحشد الدعم وراء مشروع القرار البريطاني للجوء إلى الفصل السابع، وتوقيع عقوبات على دمشق، في حال عدم التزامها بتطبيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ خطة المبعوث الدولي كوفي أنان، لكنها تلقت ضربة مزدوجة باستخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ضد القرار للمرة الثالثة، وهو ما ترك واشنطن وحلفاءها أمام مجموعة من الخيارات القليلة للتعامل مع الأزمة السورية، خاصة مع عزوف المجتمع الدولي عن القيام بتدخل عسكري مباشر.

وقال برايان كاتوليس، خبير الأمن في مركز التقدم الأميركي، وهو مركز أبحاث قريب من إدارة أوباما: «من الواضح أنهم في وضع حرج، ففي الوقت الذي سيبذلون ما بوسعهم من أجل المعارضة، من المرجح أن يركزوا الآن على صلب المصالح الأمنية للولايات المتحدة، مثل الأسلحة الكيماوية وعنصر (القاعدة)، والخوف من أن يتحول هذا إلى صراع أوسع».

وطالب ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن، بالتوقف عن استخدام مصطلح المجتمع الدولي بعد الانقسام الواضح بين الجانب الشرقي، وتمثله روسيا والصين، والجانب الغربي، وتمثله الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وقال: «استخدام روسيا والصين لحق النقض ليس تفسيره معارضتهما لاستخدام القوة لإسقاط نظام الأسد فقط، بل رفض الدولتين لأي تحرك يضفي الشرعية على تحرك دولي للتدخل في الشؤون الداخلية للدول». وأضاف: «الحكومتان الروسية والصينية تخشيان من أن يشكل ذلك سابقة، بحيث يمكن أن تتكرر ضدهما».

ودعا هاس الإدارة الأميركية إلى تشكيل تحالف من دول حلف الأطلسي والحكومات العربية، وغيرها من الجهات، التي تري ضرورة فرض عقوبات على النظام السوري في تحالف خارج الأمم المتحدة، وعدم اعتبار الأمم المتحدة مؤسسة تحتكر الشرعية. ونصح هاس بمساعدة المعارضة السورية والضغط لتقديم بشار الأسد وبطانته إلى المحكمة الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب، والتخطيط لتوجيه ضربات ضد المخزون السوري من الأسلحة الكيماوية والتحضير لسوريا ما بعد الأسد.

وقد زادت المخاوف من حدوث انهيار من الداخل في سوريا بعد هجوم يوم الأربعاء، الذي أدى إلى مقتل ثلاثة من كبار مساعدي الأسد، وبعد أن توغلت قوات المعارضة في عمق العاصمة السورية دمشق، على الرغم من أن القوات الحكومية فتحت نيران مدفعيتها واستخدمت الطائرات الحربية في مسعى لتأمين العاصمة. ومع تصاعد العنف في سوريا ومأزق الأمم المتحدة، قال مسؤولون أميركيون إن التركيز الدبلوماسي سيكون الآن على التحول مرة أخرى إلى بدائل، منها مجموعة أصدقاء سوريا، وحشد المعارضة السورية المتشرذمة.

ووصفت المبعوثة الأميركية لدى الأمم المتحدة، سوزان رايس، قرار روسيا والصين بأنه «خطر ويبعث على الأسى»، وأضافت أن «مجلس الأمن فشل تماما، وبعد فيتو أمس (الخميس)، سنزيد من عملنا مع مجموعة متنوعة من الشركاء من خارج مجلس الأمن للضغط على نظام الأسد، ولتوصيل المساعدات إلى من يحتاجونها».

ورفضت موسكو تصريحات رايس والانتقادات الدولية لتصويتها بالفيتو في مجلس الأمن، وأشار المتحدث باسم الخارجية الروسية ألكسندر لوكاسفيتش إلى أن تصريحات مبعوثة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة بأن بلادها تعتزم العمل مع الشركاء خارج مجلس الأمن «غير مقبولة على الإطلاق».

ويشير تقرير إلى أن بعض أعضاء مجموعة أصدقاء سوريا، ومنهم السعودية وقطر، يمدون قوات المعارضة بالأسلحة. لكن مسؤولين في واشنطن صرحوا بأنهم سيبتعدون عن هذه الجهود نظرا للغموض الذي يحيط بطبيعة حركة المعارضة المسلحة، ومخاطر تحوله إلى صراع عسكري أوسع. وقال باتريك فنتريل، المتحدث باسم الخارجية الأميركية: «نفضل انتقالا سياسيا محكوما، الذي هو حقا الطريق الوحيد لوقف العنف وإنهاء إراقة الدماء، ويصل بنا إلى سوريا جديدة ويوم أفضل، لكننا نستعد لكل السيناريوهات».

ومن ضمن السيناريوهات الأكثر إزعاجا للمسؤولين الأميركيين أن تفقد الحكومة السورية سيطرتها على مخزونها من الأسلحة الكيماوية الذي يعتقد أنه الأكبر في الشرق الأوسط، أو أن تستخدمه في ساحة المعركة في محاولة أخيرة للقضاء على حركة المعارضة المسلحة.

وحذر كل من البيت الأبيض الأميركي ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع (البنتاغون) دمشق، وطالبوها بضرورة تأمين مخزونها من الأسلحة الكيماوية. وصرح مسؤولون أميركيون بأن واشنطن تتشاور مع جيران سوريا، ومنهم إسرائيل، حول ما يمكن أن يتحول إلى خطر إقليمي أوسع. وقال فنتريل: «نحن نتشاور بهمة مع جيران سوريا؛ أصدقائنا في المجتمع الدولي، لإبراز مخاوفنا المشتركة المتعلقة بأمن تلك الأسلحة».

بينما نصح المحلل العسكري مايكل ايزنشتات، مدير برامج الأمن العسكري بمعهد واشنطن، الإدارة الأميركية وشركاءها بانتهاج سياسة الردع والاحتواء لمنع استخدام الترسانة الكيماوية في سوريا، مطالبا الإدارة الأميركية بإقناع نظام الأسد بأن استخدامه لتلك الأسلحة يمكن أن يدفع إلى عمل عسكري دولي ضده وتحذير قوات أمن النظام من معاقبتهم إذا فكروا في استخدام تلك الأسلحة، ومساعدة من يرفض الأوامر باستخدام تلك الأسلحة وتسهيل هروبهم وحمايتهم من بطش النظام السوري.

وأكد ايزانشتات أن سوريا لديها على الأرجح أفضل الأسلحة الكيماوية تقدما في العالم العربي، إضافة إلى الآلاف من القذائف المدفعية والصاروخية، ومخزون من غاز الخردل وغاز السارين، وعدد من الرؤوس الحربية العنقودية والغازات المميتة للأعصاب.

ومن المخاوف الأخرى المثارة أن يكون مقاتلو «القاعدة» يعملون إلى جانب المعارضين السوريين، وأن تحدث الأزمة الإنسانية المتصاعدة وتدفق اللاجئين السوريين حالة من عدم الاستقرار في دول مجاورة وضعها هش، مثل لبنان والأردن.