سفير روسيا في باريس يثير أزمة مع النظام السوري ويؤكد أن الأسد «قبل التخلي عن السلطة»

التلفزيون السوري ينفي ويتهم الإعلام باختلاق أقوال السفير «لتعطشه للدماء»

السفير الروسي لدى فرنسا ألكسندر أورلوف
TT

للمرة الأولى، قال مسؤول روسي إن الرئيس السوري بشار الأسد قبل التخلي عن السلطة. غير أن هذا التصريح الذي صدر أمس عن السفير الروسي لدى فرنسا، ألكسندر أورلوف، أثار حفيظة النظام في دمشق، بحيث سارع إلى اعتبار ما جاء على لسانه «عاريا عن الصحة»، بل ذهب إلى حد الزعم أنه لم «ينطق بمثل هذه الأقوال» المنسوبة إليه. وحمل التلفزيون السوري المسؤولية لوسائل الإعلام التي وصفها بأنها «متعطشة للدماء».

وأساس الموضوع أن السفير أورلوف كان صباح أمس ضيف «إذاعة فرنسا الدولية» في لقاء خصص للملف السوري, عقب استخدام روسيا حق النقض في مجلس الأمن الدولي لإجهاض مشروع قرار غربي يلوح باتخاذ عقوبات تحت الفصل السابع في حال لم يسحب النظام قواته من المدن ويتوقف عن استخدام الأسلحة الثقيلة في قصف المدنيين في مهلة عشرة أيام.

وبعكس ما يدعيه التلفزيون السوري، فإن السفير المخضرم ألكسندر أورلوف قال فعلا ما ينسب إليه. وردا على سؤال عما إذا كان بشار الأسد انتهى وأنه لم يعد قادرا على البقاء في السلطة قال أورلوف: «شخصيا، أشاطرك هذا الرأي وأعتقد أنه سيكون من الصعب عليه البقاء في السلطة بعد كل ما حدث». واستطرد السفير قائلا: «إن بيان جنيف (الصادر عن مجموعة العمل الخاصة بسوريا) ينص على حصول عملية انتقال سياسي نحو نظام أكثر ديمقراطية، وهذا البيان قبله الأسد الذي سمى ممثلا عنه للتفاوض مع المعارضة السورية لتحقيق هذا الانتقال، ما يعني أنه قبل الرحيل ولكن بشكل حضاري».

وجديد ما قاله أورلوف أنه يختلف عن تفسير وزير الخارجية، سيرغي لافروف، لبيان جنيف الذي وصف بأنه «خريطة الطريق» لتطبيق خطة المبعوث الدولي – العربي، كوفي أنان، ذات النقاط الست. وفيما قال الغربيون (الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا) إن ورقة جنيف تعني رحيل الأسد، رفض لافروف هذا الطرح، معتبرا أن لا شيء في بيان جنيف يقول برحيل الأسد.

ويرجح مراقبون في العاصمة الفرنسية أحد أمرين: إما أن يكون السفير الروسي قد ذهب في صراحته أبعد مما هو متعارف عليه في اللغة الدبلوماسية، وإما أن يكون بصدد رمي «بالون اختبار» دبلوماسي - سياسي يهدف بالدرجة الأولى إلى امتصاص الحملة الإعلامية والسياسية الغربية على بلاده بسبب لجوئها إلى حق النقض في مجلس الأمن، وتحميلها مسؤولية المذابح المستمرة في سوريا برفضها دورا للمؤسسة الدولية.

وحتى بعد ظهر أمس، لم تصدر وزارة الخارجية الروسية أي ردة فعل علنية على تصريحات سفيرها في باريس، غير أن الواضح وبعد الاستماع مجددا للفيديو المسجل لمقابلة أورلوف، فإن ما يدعيه التلفزيون السوري يجافي الحقيقة، إذ إن أقوال السفير لم تختلق ولم تحرف.

وفي المقابلة نفسها، ينتقد أورلوف نظام الأسد بأنه «لم يفعل شيئا» من أجل قيام نظام ديمقراطي في سوريا، كما يؤكد أن بلاده «ليس لها علاقات خاصة» مع الأسد، كما أن مصالحها الاقتصادية «محدودة» في سوريا، فضلا عن ذلك فإنها «لا تدافع عن نظام الأسد»، بل إن موقفها «يتخطاه» ويتناول المحافظة على النظام الدولي ورفض التدخل في شؤون الدول الداخلية.

وكشف أورلوف عن بعض مخاوف موسكو والأسباب العميقة التي تدعوها لالتزام موقف متساهل مع سوريا، وأولها الخوف من امتداد الموجة الإسلامية الراديكالية إلى القوقاز الروسي. وبموازاة ذلك، أشار السفير الروسي إلى العلاقات القديمة بين موسكو ودمشق، ووجود جالية روسية مهمة في سوريا لدى موسكو «قلق» على سلامتها، فضلا عن وجود تزاوج على نطاق واسع بين الجانبين.

وتعكس تصريحات أورلوف قناعة منتشرة على نطاق واسع شرقا وغربا، وقوامها أن الأسد لن يستطيع البقاء في السلطة، وأن رحيله مسألة وقت. ويرى الغربيون أنه من الضروري التسريع في ذلك لتفادي حرب أهلية واسعة النطاق في سوريا. وكرر السفير موقف بلاده الداعي إلى «حل سياسي» في سوريا، متهما الغرب بعدم القيام بما يتوجب عليه من أجل إقناع المعارضة السورية بالجلوس إلى طاولة الحوار.

وفي سياق مختلف، كشف وزير الخارجية الفرنسية، لوران فابيوس، أمس، لدى زيارته إلى مدريد، النقاب عن قرار أوروبي لفرض سلة عقوبات إضافية على سوريا، هي الثانية عشرة من نوعها. وقال فابيوس، في مؤتمر صحافي أمس في العاصمة الإسبانية، إن وزراء الخارجية الأوروبيين سيعمدون إلى فرض عقوبات إضافية تتناول شركات وأشخاصا يعتبرهم الاتحاد مسؤولين عن دعم النظام، إلى جانب تشديد الإجراءات الأوروبية لمنع وصول السلاح إلى النظام السوري.

إلى ذلك ذكرت وكالة «إنترفاكس» أمس نقلا عن مصدر عسكري ودبلوماسي، أن روسيا قررت «إرجاء» تسليم شحنة المروحيات القتالية إلى سوريا حتى «عودة الوضع الطبيعي» في البلاد.

وتابع المصدر أن «قرار إرجاء تسليم المروحيات إلى سوريا مرتبط بتدهور الوضع العسكري والسياسي في البلاد», موضحا أن «المروحيات وأنظمة الدفاعات الجوية ستسلم إلى سوريا بعد عودة الوضع إلى طبيعته هناك».