الموقف البريطاني من سوريا.. دعم لوجيستي ودبلوماسي للمعارضة وتجنب العسكري

عملية دمشق كشفت تأخر المجتمع الدولي في مجاراة الوقائع على الأرض

TT

عكست تصريحات دوناتيلا روفيرا، المحققة لدى منظمة العفو الدولية التي تنشط في مجال حقوق الإنسان وقضت الأسابيع الماضية في سوريا والتي قالت فيها «على أرض الواقع لا تسألني الناس سوى سؤال واحد وهو لماذا لا يحرك العالم ساكنا»، دخول الأحداث التي تشهدها سوريا مرحلة جديدة خاصة عقب التفجير الذي قتل فيه في دمشق عدد من أركان النظام السوري، ومع ذلك يبدو المجتمع الدولي غير عابئ بما يحدث أكثر من أي وقت مضى.

لذا هل تلعب بريطانيا دورا مؤثرا في الصراع في سوريا؟ من المؤكد أنه كان هناك العديد من الخطوات المحمومة، حيث كان وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ ينتقل من اجتماع إلى آخر في نيويورك ويحضر نقاشات مع الروس وكذا اجتماعات مع مجموعة «أصدقاء سوريا». في السابع عشر من يوليو (تموز) اقترب هيغ من الأحداث على أرض الواقع قدر الإمكان عندما زار مخيم البشابشة للاجئين بالقرب من الحدود السورية الأردنية والتقى ضحايا أعمال العنف الوحشية التي يرتكبها نظام الأسد. وفي بداية العام الحالي شارك هيغ في نقاش على موقع «تويتر» أوضح فيه أن بريطانيا كانت تقود الجهود المتعلقة بسوريا وليبيا في الأمم المتحدة، مشيرا إلى تدشين برنامج جديد لدعم الديمقراطية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بتمويل 110 ملايين جنيه استرليني. ورغم خفض ميزانية وزارة الخارجية، زاد عدد فريق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أجل التعامل مع تداعيات الربيع العربي واسعة النطاق مع إعطاء الأولوية لليبيا ومصر. وتحدث مسؤولو وزارة الخارجية عن الفرص الجديدة التي تحملها الثورات والتعامل مع أطراف فاعلة وحركات سياسية جديدة.

في حالة سوريا، اتخذت الحكومة البريطانية في فبراير (شباط) من العام الحالي خطوة متقدمة تمثلت في الاعتراف رسميا بالمعارضة السورية كممثل شرعي للبلاد. وجاء رد وزير الخارجية السوري، وليد المعلم، على تلك الخطوة في يونيو (حزيران) بقوله إن العالم ليس أوروبا فحسب، وإنهم سينسون وجود أوروبا ويطلبون إلغاء عضويتهم في الشراكة الأورومتوسطية. مع ذلك في الوقت الذي تقدمت فيه بريطانيا إلى صدارة المشهد الدبلوماسي، ظلت على حرصها من الانجراف إلى الصراع. ويقول جوشوا لانديس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أوكلاهوما وصاحب موقع « Syria Comment» الإلكتروني، لـ«الشرق الأوسط» «لا تريد أي من القوى الغربية التورط في سوريا من خلال الاندفاع نحو تدخل سريع. وغياب الوحدة بين الجماعات المسلحة المعارضة أمر غير مشجع، فكيف يمكن أن يحققوا للبلاد الاستقرار بعد سقوط النظام؟».

يتضح موقف بريطانيا تجاه سوريا بشكل مباشر من خلال ما تقدمه من أموال وتوجهها المعلن نحو سياسة خارجية أكثر تحفظا. وأوضح مسح أجراه مركز «شاتام هاوس» البريطاني بداية العام الحالي أن 51 في المائة من العينة التي شملها المسح تعتقد أن السياسة الخارجية البريطانية ينبغي أن تعطي الأولوية لحماية المملكة المتحدة بداية من حدودها بما في ذلك مكافحة الإرهاب مع عدم تقديم دعم علني عام كبير لسياسات الحكومة في التعامل مع التغير المناخي أو نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان. على الجانب الآخر يعتقد 43 في المائة ممن شملتهم عينة المسح أن المملكة المتحدة لا ينبغي أن تتورط في أي تدخل يتعلق بالثورات التي تحدث في البلدان الأخرى مثل سوريا أو تدعمها. ولم يعتقد سوى واحد فقط من بين كل أربعة أن المملكة المتحدة عليها مسؤولية أخلاقية تحتم عليها دعم هذه التحركات.

وأوضحت جين كينينمونت من برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمركز «شاتام هاوس» أن رد فعل بريطانيا تجاه ما يحدث في سوريا يشير إلى درجة عالية من التشكك الشعبي في تقبل التدخل في سوريا رغم تزايد وتيرة الأعمال الوحشية هناك.

وقد يكون سبب هذه النظرة السلبية التدخل العسكري البريطاني في أفغانستان، الذي بدأ منذ أكثر من عقد ولم ينته بعد، وكذلك في العراق. لكن الجانب الأكبر من الجدل في هذا الشأن يدور بشأن سوريا حول القيام بعملية برية لا فرض منطقة حظر جوي مثلما حدث في ليبيا، حيث تدور أكثر المعارك في سوريا على الأرض ولم يتم السيطرة حتى هذه اللحظة على مدينة مثل بنغازي لتكون قاعدة تتمركز بها المعارضة. ورغم عدم الرغبة الشعبية في تورط بريطانيا في سوريا، لا يزال بمقدور الحكومة البريطانية قيادة ردود الفعل الأوروبية تجاه الأحداث.

وصرح أندرو تابلر، الخبير السوري في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، لـ«الشرق الأوسط» بأن المملكة المتحدة كانت تلعب دورا دبلوماسيا أكبر من الدور الأميركي، لكنه رفض فكرة أن الضغط البريطاني على النظام السوري يمكن أن يشجع على الانشقاقات بقوله: «لن تهتم الدائرة المقربة من النظام على الأرجح بذلك».

وصلت الجهود الدبلوماسية، التي تقودها بريطانيا من أجل الضغط على سوريا، إلى طريق مسدود بسبب الفيتو الذي تستخدمه كل من الصين وروسيا لعرقلة استصدار أي قرار من مجلس الأمن. وبينما قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس العموم البريطاني، ريتشارد أوتاواي، إن الموقف في سوريا غير مقبول والجمود الذي يشهده مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مثير لقلق بالغ على نحو واضح. مع ذلك، لا يمكن التأكد من أن تبني نهج يتضمن تدخلا محدودا بدرجة أكبر مما حدث في ليبيا كان ليحظى بدعم قوي من روسيا والصين لإدانة أكثر قوة للرئيس الأسد.

يرى بعض الخبراء أن الموقف الروسي/ الصيني يتيح لبريطانيا زيادة حدة خطابها مع الشعور بالارتياح لمعرفتها أنها لن تتورط في أي تدخل. وأوضح ستيفن ستار، مؤلف كتاب «ثورة في سوريا» «Revolt in Syria» لصحيفة «الشرق الأوسط»: «لقد فعلت بريطانيا ما بوسعها بالنظر إلى غياب توافق دولي واسع على الانخراط بشكل مباشر. بطبيعة الحال يجعل هذا من الأسهل على ويليام هيغ توبيخ النظام السوري لعلمه أن روسيا والصين سوف تستمران في عرقلة إصدار أي قرار أممي بشأن سوريا. ولم يتم التنسيق كما ينبغي بين الدعم البريطاني للمعارضة على الأرجح نتيجة افتقار المعارضة السياسية للنظام والوحدة».

ربما يكون الرد البريطاني على المعارضة هو الأكثر إثارة للنقاش من بين ردود الأفعال الأخرى على الأحداث. ومن أسباب ذلك الطبيعة التعددية والمتشرذمة للجماعات المعارضة للنظام بمشاربها وآيديولوجيتها وطرقها المختلفة والرؤى المتعلقة بوضع سوريا ما بعد الأسد. وقال النائب روجر غودسيف، عضو مجموعة الشؤون البريطانية - السورية في البرلمان البريطاني، لـ«الشرق الأوسط»: «موقفنا في المجموعة هو أننا نقف إلى جانب الشعب السوري. وهناك توافق بين الحزبين على هذه القضية. تدور رحى حرب أهلية حاليا في سوريا، حيث أعلن الأسد الحرب على شعبه. وتقدم بريطانيا الدعم الدبلوماسي واللوجيستي للمعارضة، لكن المشكلة تكمن في انقسام المعارضة ذاتها إلى فصائل كثيرة، ولا أعلم أي فصيل يحظى بدعم الحكومة البريطانية بشكل مباشر». يمثل عدم معرفة الطرف الذي تدعمه مشكلة حقيقة في هذا الصراع الذي يشهد تطورات سريعة متلاحقة.

من جانبهم قال مسؤولون في وزارة الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط» إنهم يطبقون أنظمة على الأرض للتأكد من أنهم يدعمون المجموعات التي تستخدم الوسائل غير المميتة القادرة على لعب دور فاعل في المرحلة الانتقالية لما بعد الأسد. وكانت بريطانيا على نحو خاص حريصة على تجنب دعم الجناح العسكري للجيش السوري الحر. ويقود الاتصالات والتنسيق مع المعارضة السورية جون ويكس، السفير البريطاني السابق لدى اليمن والمقيم في لندن، الذي حل محل فرانسيس غاي في مايو (أيار). وفي بيان مكتوب إلى البرلمان في الرابع من يوليو (تموز) العام الجاري في أعقاب اجتماع مجموعة العمل الوزارية في جنيف في الثلاثين من يونيو (حزيران) شرح ويليام هيغ وزير الخارجية البريطانية الدعم البريطاني: «تقف الحكومة البريطانية في طليعة نشاط دولي يهدف إلى وضع نهاية للعنف والتقدم في عملية الانتقال السياسي في سوريا.. وقد رفعنا التمويل المقدم للمعارضة السورية ومنظمات المجتمع المدني، حيث قدمنا 1.5 مليون جنيه استرليني من المساعدات خلال العام المالي الحالي للمساعدة في تقدم مراقبة حقوق الإنسان والتدريب الإنساني للنشطاء ووسائل الدعم غير القاتلة الأخرى بما في ذلك معدات الاتصالات».

وقد شكا أسامة المنجد، عضو المجلس الوطني السوري، لصحيفة «الشرق الأوسط» من أن «الرد الدولي تجاه المذابح في سوريا كان مثيرا للشفقة، فعدم صدور قرار إدانة واحد عن الأمم المتحدة يظهر مدى العجز الذي تعاني منه المنظمة. وبات من الواضح أن المجتمع الدولي أصبح غير ذي صلة، فقد تعلم السوريون الطريقة الصعبة بأنهم هم من ينبغي أن يسقطوا الأسد بأيديهم بأنفسهم، وإلا فلن يقوم أحد آخر بذلك. لم تكن الاستجابة البريطانية مختلفة عن نظيرتها الأميركية. وكنا نأمل في أن تتقدم الحكومة البريطانية لمساعدة السوريين كما فعلوا في عام 1945 ضد الفرنسيين».

ويقول كريس دويل، مدير مركز التفاهم البريطاني - العربي لـ«الشرق الأوسط»: «هل من الممكن أن تكون بريطانيا أكثر فاعلية تجاه الصراع؟ هذا مما لا شك، كان الممكن لذلك أن يلطف من حدة الأحداث ويخفض من مستوى إراقة الدماء. وقد ارتكبت بريطانيا العديد من الأخطاء، فمطالبتها بشار الأسد بالتنازل في الوقت الذي لم ولن تتمكن من تقديم التوقعات المطلوبة، كشف الضعف الغربي. إن بريطانيا المكبلة سياسيا لم تترك سوى خيارات محدودة للحل السياسي».

ما يمكن لبريطانيا أن تؤثر فيه بشكل فاعل هو تقييد الإمدادات المادية للنظام. وقد أوردت شبكة «بي بي سي» أن بعضا مما يصل إلى 100 مليون جنيه استرليني (157 مليون دولار) من أصول النظام السوري، غالبيتها أموال سائلة في حسابات مصرفية، تم تجميدها خلال الأربعة عشر شهرا الماضية. وركزت الحكومة البريطانية الدعم بشأن تدهور الوضع الإنساني في سوريا. وعملت في شراكة مع مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية والمنظمات الحكومية غير الإنسانية لتقدم 17.5 مليون جنيه استرليني لما وصفه هيغ «بالأدوية والرعاية الطبية والمأوى والدعم الضروري الآخر للعشرات في لبنان والأردن وتركيا والعراق». الدعم الإنساني أمر تقوم به بريطانيا بشكل تقليدي تماما، لتصف نفسها بأنها «قوة مساعدة عظمى». ويرى كريس دويل أن «بريطانيا كانت أكثر نجاحا في مجال تقديم الدعم الإنساني للأعداد المتزايدة من اللاجئين السوريين، وأدخلت أيضا حقوق الإنسان ومسألة المحاسبة في الصراع».

وتؤكد عملية بركان دمشق ومقتل أربعة من رموز النظام في يوليو بشكل مفاجئ مدى تأخر المجتمع الدولي عن مجاراة الوقائع على الأرض. كما عززت أيضا الخطاب الصادر عن لندن، وقد يجبر استمرار تدهور الأوضاع لندن على تكوين صورة أكثر وضوحا بشأن تعزيز الدعم للجماعات الوليدة التي ستقود سوريا في المرحلة الانتقالية التي ستلي الأسد.