قتل قادة النظام السوري يغير الاستراتيجية الأميركية حيال الأسد

مصدر في الخارجية لـ «الشرق الأوسط»: سنعمل خارج مجلس الأمن.. وخبراء: «الفيتو» أنهى خطة أنان

ثوار سوريون ضد نظام الأسد في دورية بالقرب من حلب امس (إ.ب.أ)
TT

رغم انتقادات من موسكو لتصريحات سوزان رايس، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، بأن الولايات المتحدة سوف تعمل «خارج مجلس الأمن» - قال مصدر في الخارجية الأميركية إن خططا توضع، بالفعل، للعمل خارج مجلس الأمن، بعد أن استعملت روسيا والصين الفيتو للمرة الثالثة دفاعا عن نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

وقال المصدر إن الولايات المتحدة تتشاور مع دول «الناتو»، ومع دول عربية ودول أخرى، وإن تقديم مساعدات مكثفة للمعارضة السورية واحد من هذه السيناريوهات.

وقال المصدر لـ«الشرق الأوسط»: «تصريحات سوزان رايس عن العمل خارج مجلس الأمن لم تأت من فراغ»، موضحا أن واحدا من العوامل الجديدة هو انتقال القتال إلى دمشق، وإلى قلب نظام الأسد. وأضاف: «اغتيال وزير الدفاع السوري ومسؤولين كبار في نظام الرئيس الأسد، بما فيهم صهر الأسد، كان مفاجأة.. ليس فقط في سوريا، ولكن هنا في واشنطن أيضا. وهو، طبعا، جعلنا نعيد النظر في سيناريوهاتنا. نحن الآن أكثر رغبة في دعم مكثف للمعارضة السورية».

واستبعد المصدر تدخلا عسكريا أميركيا مباشرا «في هذه السنة الانتخابية»، واستبعد أيضا تدخلا من حلف الناتو، على غرار التدخل من دون قرار من مجلس الأمن في تسعينات القرن الماضي في يوغوسلافيا لحماية المسلمين هناك. وقال: «ربما سنعود إلى سيناريو المناطق الآمنة في شمال وجنوب سوريا، مع حدود تركيا، ومع حدود الأردن. ربما سنعود إلى حظر الطيران انطلاقا من مطارات في الدولتين».

وأفاد المصدر بأن تدفق اللاجئين السوريين بأعداد كبيرة إلى تركيا والأردن ولبنان «صار عاملا جديدا في سيناريوهاتنا». وأضاف: «ليس سرا خوفنا من هزيمة المعارضة السورية، رغم النجاحات الكبيرة التي حققتها مؤخرا. ليس سرا أن جيش الأسد يقدر على ضرب المعارضة ضربات قاتلة. هذا واحد من أكبر الجيوش في المنطقة، ليس ذلك فحسب، بل هو جيش مسيس. ظل لنصف قرن تقريبا يحمي النظام ولا يحمي الوطن. يجب ألا نخدع أنفسنا، يجب أن نكون واقعيين»، ولكنه تابع: «لكننا، طبعا، نأمل أن تنتصر المعارضة، وربما سنسمع مفاجأة أخرى (مثل مفاجأة مبنى الأمن الوطني في دمشق)».

وأشار المصدر إلى أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة انعكست في عبارة «العمل خارج مجلس الأمن» التي استعملتها سوزان رايس الأسبوع الماضي، يوم استعمل الروس والصينيون الفيتو. وكانت رايس قالت: «هذه هي المرة الثالثة التي عرقلت فيها روسيا والصين إنهاء المذابح في سوريا.. في المرتين السابقتين عرقلتا جهود مجلس الأمن. وهذه المرة، رفضتا طلبنا للجانبين بوقف العنف. وكان هذا هو طلبهما منذ البداية». وأضافت: «مرة أخرى، نفقد فرصة مهمة للعمل معنا. نحن وشعب سوريا لا نقدر على أن نفقد فرصا أخرى.. لا يكفى الولايات المتحدة الاعتماد على مراقبين لا حول لهم ولا قوة. سوف نعمل خارج مجلس الأمن، لأن مجلس الأمن فشل فشلا ذريعا.. ونأمل أن روسيا والصين، يوما ما، سوف تقفان إلى جانب الشعب السوري».

وكان إدوارد فينتريل، المتحدث باسم الخارجية الأميركية، علق على عبارة «خارج مجلس الأمن» بقوله: «طبعا، نحن لسنا سعداء بنتائج التصويت هناك. وطبعا، نحن نركز على استراتيجية أمننا الوطني». وأضاف: «واضح أن الأمم المتحدة جزء (واحد) من استراتيجيتنا الكبيرة، نحن نعمل مع أكثر من مائة دولة في مجموعة (أصدقاء سوريا). ونحن نعمل مع جامعة الدول العربية، ولدينا الكثير من الشركاء الذين سوف يواصلون العمل معنا خارج إطار مجلس الأمن». ومن دون أن يعطي تفاصيل، قال فينتريل: «نتابع تنفيذ أهدافنا للانتقال السياسي في سوريا، وهو حقا هدف المعارضة داخل سوريا، وهدف الشعب السوري الذي يتطلع إلى مستقبل مشرق».

وفي إجابة عن سؤال، في المؤتمر الصحافي اليومي، حول إذا ما كان قرار «العمل خارج مجلس الأمن» سببه هو «فشل كوفي أنان»، قال فينتريل: «كنا نفضل العمل وفق قرار جديد من مجلس الأمن يركز على الفصل السابع كجزء من استراتيجيتنا الشاملة. لكننا، رغم فشلنا هنا، سنواصل العمل مع المبعوث الخاص.. في نفس الوقت، نحن نعمل بنشاط كبير للتأكد من أننا مستعدون لكل السيناريوهات المحتملة. نحن هنا في وزارة الخارجية، وفي الوزارات والمصالح الحكومية الأخرى، نراقب الوضع من كثب، ونرى أن العنف يستمر ويزيد. نحن نخطط للخطوة القادمة تخطيطا حذرا جدا». وتابع فينتريل أن جزءا من الخطط الأميركية هو التعاون مع المعارضة، عند سقوط نظام الأسد، لتشكيل حكومة جديدة، ولعبور المرحلة الانتقالية نحو نظام ديمقراطي، وانتخابات حرة ونزيهة.

وفي إجابة عن سؤال عن «الاستغناء عن مجلس الأمن»، قال فينتريل: «نحن نملك استراتيجية أكبر (من مجلس الأمن). ظل دائما هذا هو حالنا».

وحول إذا ما كان قتل وزير الدفاع وقادة كبار في النظام السوري هو سبب «قرار العمل خارج مجلس الأمن»، قال فينتريل: «واضح أنه حادث مهم. ونحن ظللنا نكرر لبعض الوقت أن نظام الأسد لن يدوم، والحادث يوضح أن الأسد لم يعد يسيطر على الوضع». وأضاف: «نحن نفضل الحل السلمي، لكن عندنا خيارات كثيرة».

وفي سياق ذي صلة، قال خبراء إن استخدام روسيا والصين حق النقض (الفيتو) ثلاث مرات في مجلس الأمن الدولي جعل القوى الكبرى مستعدة لدفن خطة أنان وفتح المجال أمام الرئيس بشار الأسد والمعارضة السورية للقتال حتى الموت على الأرض.

وأكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون السبت أنه ما زال هو وموفد الجامعة العربية والمنظمة الدولية كوفي أنان يبحثان عن طرق لإنهاء النزاع، وقال بان «ما زلنا ندفع باتجاه حل سلمي».. إلا أن القتال مستمر.

ويرى خبراء عدة أن الأمر في المعركة الحالية حول سوريا، يعود إلى الحملة على ليبيا العام الماضي، التي تؤكد روسيا والصين أنهما خدعتا من قبل الدول الغربية بموافقتهما على قرار للأمم المتحدة. وقال ماتس بيردال، أستاذ الأمن والتنمية في قسم الدراسات الحربية في معهد كينغز كوليدج في لندن، إن «روسيا والصين تشعران بأن العقوبات كانت حجة لتغيير النظام، وهما محقتان إلى حد ما». وأضاف لوكالة الصحافة الفرنسية أنهما «لن تتنازلا قيد أنملة في هذه القضية، وهذا يجعل الأمر بالغ الصعوبة».

في المقابل، قال ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، إنها «ليست خسارة كبيرة»، بما أن الخطة لم تكن تتمتع بأي فرصة لقبولها. وأضاف «من الأفضل إنهاء هذا الجهد وبدء جهد جديد مهمته تأمين مخرج للنظام السوري الحالي».

من جهته، رأى ريتشارد غوان، نائب مدير مركز التعاون الدولي في جامعة نيويورك، أن «مزيجا من الكذب والتعنت وعدم الكفاءة أدى إلى كارثة». وأضاف أن «التطورات في دمشق ونيويورك تجعل من الواضح أن نتيجة الحرب الأهلية ستتقرر على أرض المعركة أكثر منها في مجلس الأمن الدولي».

وتابع غوان لوكالة الصحافة الفرنسية أن أنان «بذل جهودا شاقة ليعزز موقفه، وأكد مرارا انفتاحه على الأسد والروس وأصدقاء سوريا في إيران». وأضاف أن «اقترابه من إيران أثار غضب المسؤولين الأميركيين»، مشيرا إلى أن الموفد الخاص «يستحق الثناء لمواصلته جهوده من أجل إيجاد حل سياسي غير منحاز في مواجهة مهمة مستحيلة». وتابع «سيكون مفهوما - وربما من الحكمة - أن ينسحب بعد أحداث الأسبوع الحالي».

وقال بيردال إن مشاكل أنان لا يمكن تجنبها «مع المأزق الذي وصل إليه مجلس الأمن الدولي والروس، المصممين على عدم الموافقة إطلاقا على ممارسة أي نوع من الضغوط»، مضيفا «لقد قدم (أنان) أفضل ما لديه في وضع بالغ الصعوبة».

وأكد الخبير نفسه في كينغز كوليدج أن «البعض يعتقدون أنه ذهب بعيدا جدا مع النظام، لكنه رأى ذلك دائما خطوة أولى للدفع بالعملية قدما، وربما إيجاد صيغة تحفظ ماء الوجه لبشار الأسد ليغادر السلطة».