في الوقت الذي تترقب فيه النخب المصرية اليوم موقف رئيس البلاد الدكتور محمد مرسي من الاحتفال بالذكرى الستين لثورة 23 يوليو (تموز) عام 1952، معتبرين ذلك اختبارا حقيقيا له لإثبات صدق وعوده بأنه رئيس لكل المصريين وليس مندوب جماعة الإخوان المسلمين بقصر الرئاسة.. فإن الشارع المصري لا يكترث بهذا الاختبار، معتبرا أن الاختبارات الحقيقية لرئيس البلاد تتمثل في توفير الخبز والوقود وعدم انقطاع الكهرباء.
وتترقب التيارات السياسية في مصر الكيفية التي سيقوم بها الرئيس المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بإحياء ذكرى الثورة، على خلفية الخصومة التاريخية بين قيادات ثورة يوليو، وعلى رأسها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، مع جماعة «الإخوان» التي تتجاهل دائما الاحتفال بتلك الذكرى.
ويواصل مرسي اليوم معاركه البروتوكولية، التي بدأت قبل توليه السلطة بشكل فعلي منذ إعلان فوزه بالانتخابات الرئاسية، حيث تترقب النخب السياسية المشاركة البروتوكولية في مراسم الاحتفال السنوية بثورة يوليو، التي تتضمن وضع إكليلين من الزهور على قبر الزعيمين جمال عبد الناصر وأنور السادات، إلى جانب إلقاء الرئيس خطابا رسميا للشعب المصري.
وكان موقف مرسي من ثورة 23 يوليو والحقبة الناصرية حاضرا في الخطاب الأول الذي ألقاه في ميدان التحرير، عقب إعلان فوزه بمنصب رئيس الجمهورية من قبل اللجنة العليا لانتخابات رئاسة الجمهورية، عندما قال في نص خطابه: «الستينيات وما أدراك ما الستينيات»، في إشارة لما تعرض له الإخوان المسلمون من قمع أمني واعتقال وحظر لنشاط الجماعة في تلك الفترة، وهو ما يجعل هناك تساؤلا عما سوف يقوله عن الثورة عندما يكون خطابه بمناسبتها، وهل سيكون خطابه من موقعه رئيسا لمصر، أم سيكون خطابه متبنيا لوجهة النظر الإخوانية؟
وبدأت أولى معارك مرسي البروتوكولية، مع موقعة أداء اليمين الدستورية، حيث ظهرت إشكالية الجهة التي سيؤدي أمامها رئيس الجمهورية المنتخب اليمين الدستورية، بعد أن أقر الإعلان الدستوري المكمل أداء اليمين الدستورية أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، وهو الإعلان الذي قوبل من جماعة الإخوان المسلمين بالرفض.
ومع الاستقرار على أداء اليمين أمام الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا، فإن الرئيس مرسي طلب أن لا تذاع مراسمه على الهواء مباشرة، لتبدأ معركة بروتوكولية أخرى سريعة، انتهت مع إصرار قضاة المحكمة الدستورية على بث مراسم أداء اليمين الدستورية علانية ومباشرة عبر التلفزيون حتى لا يكون مخلا بالضمانات الدستورية المطلوبة لهذا المنصب، فضلا عن الإخلال بمبدأ العلانية المطلوب في مثل هذه المناسبات.
إشكالية بروتوكولية أخرى واجهت الرئيس المصري مع زيارة وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون مؤخرا، فمع مع أثارته الزيارة من رفض واضح بين مختلف القوى السياسية، تطرقت وسائل إعلام إلى مسألة المصافحة باليد بين الاثنين في ضوء التزام مرسي بالشريعة، وهي المسألة البروتوكولية التي قالت عنها شبكة «سي بي إس نيوز» الإخبارية الأميركية إن الرئيس محمد مرسي رفض مصافحة كلينتون أمام كاميرات وعدسات المصورين، لكنه صافحها وكل أعضاء الوفد الأميركي بحرارة في الغرف المغلقة.
وأخيرا، كانت إشكالية حضور مراسم الجنازة العسكرية لنائب رئيس الجمهورية السابق، اللواء عمر سليمان، التي شيعت في القاهرة أول من أمس، حيث اختلف قياديون بجماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة حول قرار رئيس الجمهورية بإقامة جنازة عسكرية حيث رأى البعض أنها تحسب للرئيس وفى إطار المصلحة الوطنية، فيما رأى آخرون أنها في إطار البروتوكول، وكان الحل الرئاسي للخروج من الإشكالية البروتوكولية في مقاطعة الجنازة وعدم حضور مرسي، وإيفاد كبير الياوران اللواء أركان حرب عبد المؤمن فودة نيابة عنه، وذلك على الرغم من محاولة قيادات المجلس العسكري إقناع مرسي بحضور الجنازة، في لقاء استمر ساعة ونصف الساعة قبيل الجنازة.
لكن بعيدا عن هذه المعارك، واختلاف النخب والتيارات والقوى السياسية حولها، فإن رجل الشارع لا تهمه هذه الأمور والإشكاليات البروتوكولية على الإطلاق، ويضع الشارع في مقدمة أولوياته ما سوف يتحقق من وعود رئيسه الانتخابية خلال الـ100 يوم الأولى في القصر، التي تمر بهدوء دون شعور بتحقيق أي إنجاز.
في إحدى ضواحي القاهرة، يقول محمد فاضل، صيدلاني: «على الرئيس مرسي ضرورة تجاوز تلك الأزمات التي تعترضه، كي لا يدخل في معارك تشغله عن مهامه الأساسية.. هناك وعود انتخابية قطعها على نفسه، ووعد بحل مشكلات كثيرة خلال 100 يوم، إلا أن الأيام تمر، ولم نلمس أي تحرك».
بينما يرى الشاب الثلاثيني ناصر السيد: «لا يهم المواطن إكليل الزهور الذي سوف يضعه مرسي أو لن يضعه على قبر جمال عبد الناصر.. الاحتفالات لا تهمنا، ولن تقدم أو تؤخر.. ما يهم هو رغيف الخبز، خاصة أننا الآن في شهر رمضان المبارك».
ويعاني الشارع المصري حاليا من أزمات متعددة؛ منها أزمة انقطاع الكهرباء المتواصل ولفترات طويلة تصل للساعات في العاصمة القاهرة والمحافظات في ظل موجة الحر الشديدة التي تضرب البلاد، وانقطاع المياه عن بعض المناطق لمدة قد تصل إلى أيام، إلى جانب أزمة الوقود المستمرة منذ شهور.
ويبدو أن أزمة جديدة تلوح في الأفق، بعد ما تردد عن قيام الحكومة بتوحيد سعر رغيف الخبز المدعم وارتفاعه من 5 قروش إلى 10 قروش، مما يعني زيادة الأعباء المادية على المواطن، لأنه يمس مباشرة «لقمة عيشه»، مما دفع الحكومة إلى المسارعة بنفي هذا الأمر أول من أمس.