الصين: عجائز الحزب الشيوعي يصطحبون «المؤامرات السرية» معهم إلى الشواطئ

زعماء الماضي والحاضر يتفاوضون لوضع حلفائهم على رأس التسلسل الهرمي للحزب

قريب لزاو إينالي رئيس وزراء الصين في عهد ماو تسي تونغ ممسكا بعكاز يساعده المحيطون به من الشباب (نيويورك تايمز)
TT

صعد رجل مسن يرتدي قميصا حريريا أسود اللون وسروالا قصيرا متجانسا معه، الدرج بصعوبة، متجها إلى «كيسلينغ»، وهو مطعم نمساوي قديم لا يبعد كثيرا عن الشواطئ المزدحمة لهذا المنتجع الساحلي، ثم جلس في الشرفة وطلب طبقا من المثلجات، مؤكدا لرفاقه أن هذا المطعم هو الأفضل في البلدة، أو على الأقل هكذا كان في شبابه. وقال مدير المطعم بصوت خفيض محدثا بعض الزبائن الأجانب على مائدة قريبة، مشيرا إلى رئيس وزراء الصين في عهد ماو تسي تونغ: «هذا الرجل قريب لزاو إينالي. لقد أتى إلى هنا من قبل، وهو يقيم في الجوار حيث يعيش زعماء البلاد».

وفي أي مدينة أخرى، حتى في بكين، سيكون من غير المعتاد أن تلتقي مصادفة بأحد أقرباء زاو، لكنه منتصف فصل الصيف في بيدايهي، وهو ما يعني شيئا واحدا: أن عجائز الحزب الشيوعي وأسرهم يتجمعون هنا، على مسافة نحو 180 ميلا شرق بكين، للسباحة وتناول الطعام وممارسة النميمة، وكذلك تشكيل مستقبل أكبر بلد في العالم من حيث عدد السكان.

إنها مكائد القصور تحاك على شاطئ البحر، فداخل فيللاتهم المحاطة بالحراس، يقوم زعماء الماضي والحاضر بالتفاوض، في محاولة لوضع حلفائهم في المكتب السياسي الذي يضم 25 عضوا ولجنته الدائمة التي تضم النخبة، على رأس التسلسل الهرمي للحزب. وسوف يتم إعلان الأسماء المختارة أثناء المؤتمر العام الـ18 للحزب الذي سيعقد هذا الصيف في بكين، منبئا بما يتوقع أن يكون ثاني انتقال منظم للقيادة منذ ما يزيد على 60 عاما من الحكم الشيوعي.

ويقول أحد الأهالي، واسمه الأخير هو لي وقد طلب، على غرار الآخرين الذين أجرينا معهم حوارات من أجل هذه المقالة، عدم ذكر اسمه بالكامل نظرا للطبيعة الدقيقة التي تتسم بها الأوضاع السياسية في الصين: «هذا هو المكان الذي تتم فيه تسوية النزاعات بين الفصائل وصناعة القرارات. في الاجتماعات التي ستعقد الخريف المقبل، كل ما سيفعله الجميع هو رفع أيديهم».

وتعد مدينة بيدايهي مزيجا صينيا من شواطئ نيو جيرسي وجزيرة مارتا فينيارد، إضافة إلى قليل من الوهج الأحمر، فبينما تعج الشوارع الجبلية والشواطئ العامة بالعائلات الروسية والصينية التي ترتدي لباس البحر، تظل النخب الحزبية مختفية داخل فيلاتها ومستلقية على مساحاتها الرملية الخاصة بها، ويرتفع بالقرب من مطعم «كيسلينغ» برج به ساعة تدق معلنة: «الشرق أحمر»، وهو نشيد كلاسيكي يعود إلى عهد ماو تسي تونغ. وقد شهد الوجود الأمني كثافة كبيرة في الأسابيع الأخيرة، حيث يتجول ضباط الشرطة في زيهم الأزرق الخفيف على دراجات «سوزوكي» النارية أو يقفون في أركان الشوارع والطرقات يرقبون المارة المخالفين لقواعد المرور، كما أقاموا نقطة تفتيش على الطريق الرئيسي المؤدي إلى البلدة.

ومن المتوقع أن تبدأ المحادثات غير الرسمية أواخر هذا الشهر وتمتد حتى شهر أغسطس (آب) المقبل، في استمرار لتقليد قديم كان قد اختفى جزئيا بعد أن تسلم أعلى زعيم في الصين، الرئيس هو جينتاو، السلطة من جيانغ زيمين عام 2002، وأمر المكاتب الحزبية والحكومية بإبعاد العمليات الأكثر رسمية عن الشواطئ أثناء المحادثات الصيفية. إلا أنه ترددت أنباء عن أن هذا أغضب جيانغ، وأنه ما زال يجري المحادثات مع حلفائه هنا، كما عقد اجتماع سري شهير هنا عام 2007 حضره جينتاو، من أجل التحضير للمؤتمر العام الـ17 للحزب، طبقا لباحثين ولبرقية خاصة بوزارة الخارجية الأميركية كشف عنها موقع «ويكيليكس». وعلى أي حال، فإن النقاش السياسي يكون حتميا حينما يظهر عجائز الحزب هنا هربا من الحرارة الخانقة والتلوث في بكين.

وقد بدأ الغربيون في بناء مدينة بيدايهي كملتجأ صيفي في أواخر القرن التاسع عشر، مع سقوط أسرة كينغ المالكة. وحينما دخل جيش التحرير الشعبي عام 1948، كان المنتجع يضم 719 فيللا، طبقا لصحيفة «تشاينا دايلي»، وهي صحيفة حكومية تصدر باللغة الإنجليزية. ثم بدأ الزعماء الشيوعيون في قضاء إجازاتهم هنا، وكان ماو تسي تونغ مغرما بالسباحة، وكان يحب الغطس في مياه بحر بوهاي، كما كان يعقد اجتماعات سرية رسمية هنا. ثم قام خلفه، دينغ زياو بينغ، بتحويل تلك الاجتماعات إلى مناسبات سنوية (كما كان يحرص على ممارسة السباحة، على الأرجح حتى يكذب الشائعات التي كانت تتحدث عن وهن صحته).

وقد تضمن الحدث الأسوأ سمعة في بيدايهي اسم لين بياو، وهو مارشال شيوعي اتهمه ماو تسي تونغ بتدبير انقلاب عسكري، وفي 13 سبتمبر (أيلول) 1971، بعد انكشاف محاولة الانقلاب المزعومة، فر لين من فيللته هنا مصطحبا زوجته وابنه، واستقلوا جميعا طائرة من المطار المحلي، وكانت الوجهة التي يقصدونها هي الاتحاد السوفياتي، إلا أن الطائرة تعرضت لحادث في منغوليا، ولقي جميع من كانوا على متنها حتفهم.

وهناك مؤامرات ومؤامرات مضادة هذا العام أيضا، فالمفاوضات هنا سوف تتعقد بفعل تواصل الفضيحة المتعلقة ببو شيلاي، عضو المكتب السياسي المخلوع الذي كان آخر منصب رسمي تولاه هو منصب ممثل الحزب في شونغ كينغ. وكان بعض المراقبين السياسيين يتوقعون أن يكون الحزب الآن قد انتهى من التحقيق مع بو وزوجته، المشتبه بها في مقتل رجل أعمال بريطاني، ويقول الكثير ممن لديهم اتصالات حزبية رفيعة المستوى إن بو، المحتجز سرا ودون أن توجه إليه أي اتهامات، يعاند محققيه، وإن زعماء الحزب يمرون بوقت عصيب في اتخاذ قرار بشأن كيفية حل هذه القضية.

* خدمة «نيويورك تايمز»