مصر: إضراب عمال المحلة الكبرى يسلط الضوء على تحديات مرسي الاقتصادية

دخل أسبوعه الثاني وشارك فيه عشرات الآلاف من عمال النسيج وامتد إلى مصانع أخرى

TT

منذ أربعة أعوام، بذرت الإضرابات في هذه المدينة المصرية، التي تعد بمثابة قلعة القطن، بذور الثورة التي أثمرت في النهاية خلع حسني مبارك. تهب المحلة اليوم غاضبة مرة أخرى، حيث دخل الإضراب، الذي شارك فيه عشرات الآلاف من عمال النسيج، أسبوعه الثاني يوم الأحد، مما يمثل اختبارا مبكرا للرئيس المصري الجديد محمد مرسي.

تهدد الاضطرابات العمالية المنتشرة واحدة من أهم الصناعات التصديرية في وقت تتأرجح فيه البلاد على حافة أزمة ميزان المدفوعات. ويشير هذا أيضا إلى عدم تحقيق توقعات وتطلعات الثورة التي اندلعت العام الماضي، إلى حد كبير، وإلى كيف يمكن أن يزداد الحنق في النفوس ويثير المزيد من الاضطرابات مما يؤدي إلى عواقب كارثية في الاقتصاد. ويقول حميد ناشبي، رجل ذو لحية بيضاء يبلغ من العمر 60 عاما ويرتدي جلبابا رماديا: «المحلة هي التي خلقت روح الثورة». وأضاف حميد الذي عمل في مصنع بالدلتا لمدة 45 عاما: «لكن الآن بعد اندلاع الثورة وحصول المصريين على حقوقهم، نسوا معاناة المحلة، لقد نسيتنا الثورة». وكان حول حميد عدد كبير من زملائه العمال الذين يعبرون عن غضبهم ويصيحون مقاطعا بعضهم بعضا في محاولة لشرح مطالبهم وهي الحصول على نصيب من أرباح شركة مصر للغزل والنسيج المملوكة للدولة، ونظام أفضل للرعاية الصحية والتقاعد، وزيادة الأجور من 700 إلى ألف جنيه (من 115 إلى 165 دولارا) وإقالة الرئيس التنفيذي للشركة.

ووراء هؤلاء بوابات المصنع مغلقة بحمولات، ومداخن المصنع الإسمنتية الضخمة خالية من أي دخان، ومباني الإدارة المبنية بالطوب الرملي خاوية على عروشها، بينما يجلس المئات من زملائهم تحت المظلات المصنوعة من المشمع ليقوا أنفسهم شمس الصيف الحارقة. وهذا المشهد هو آخر ما يحتاجه الاقتصاد المصري المتداعي.

انتشرت الإضرابات في طول البلاد وعرضها خلال الأسابيع التي أعقبت اندلاع ثورة 2011، مما أضر بالاقتصاد المصري ضررا بالغا لم يتعاف منه حتى هذه اللحظة. وابتعد السياح والمستثمرون عن البلاد، وتراجع احتياطي النقد الأجنبي إلى مستوى خطير.

في الوقت الذي تراجعت فيه الاضطرابات العمالية التي شهدها العام الماضي، امتد إضراب نحو 22 ألف عامل في مصنع شركة مصر للغزل والنسيج إلى سبع شركات نسيج أخرى سواء كانت خاصة أم حكومية.

ويتحدث الناشطون في صفوف العمال عن «ثورة عمال» جديدة على مستوى الدولة. قد يكون الحديث عن هذا سابقا لأوانه، لكن من الصعب تجاهل ما تعنيه هذه الاضطرابات التي تشهدها مدينة المحلة، فقد كانت هذه المدينة هي أول مدينة مصرية تشهد حرق صورة كبيرة لمبارك منذ أربع سنوات؛ حيث أدى احتجاج على تدني الأجور وارتفاع أسعار الأغذية إلى احتجاجات عامة على مستوى البلاد تدعو إلى الحرية والكرامة ووضع حد لفساد الدولة والتعذيب الذي يقوم به أفراد الشرطة. كان هذا الإضراب بمثابة شرارة لحركة الشباب في أنحاء البلاد وحملة على موقع «فيس بوك» أصبحت في النهاية قوة كبيرة من قوى الثورة.

مع ذلك، أعقب سقوط مبارك 18 شهرا من الانحراف عن المسار في إدارة شؤون البلاد. وتدهور الوضع الأمني وتكدست أكوام القمامة في الشوارع وغضت قوات الشرطة الطرف عن حالة المرور المستمرة في التردي بالقاهرة. أكبر تحد يواجه مرسي هو تحقيق تطلعات الشعب المصري وليس فقط استعادة الأمن؛ بل أيضا الانضباط الاقتصادي، ومعالجة تدهور وضع الأموال العامة، على حد قول مصطفى كامل السيد من شركة «بارتنرز إن ديفيلوبمينت» الاستشارية. ويوضح مصطفى قائلا: «لقد حدث ركود اقتصادي منذ الثورة، ولا يوجد لدى الدولة أي عائدات، ولا تستطيع فرض مزيد من الضرائب، فهي في وضع حرج للغاية».

وتنفق مصر نحو 10 في المائة من دخلها القومي على دعم الغذاء والوقود، وهو عبء بالكاد تستطيع تحمله. وسيكون إعادة النظام للمال العام صعبا للغاية في أفضل الأحوال على حد قول سيمون ويليامز، كبير خبراء الاقتصاد في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمصرف «إتش إس بي سي» في دبي. ويوضح سيمون قائلا: «يعد هذا صعبا، خاصة في هذا الجو المشحون سياسيا، ويصبح أكثر صعوبة بعد 18 شهر من هذا النشاط الاقتصادي المحدود. مع كل شهر يمر، تزداد صعوبة تحدي تعافي الاقتصاد وتوفير ظروف اقتصادية تسمح بتحقيق توقعات المصريين».

جمود في القاهرة:

وعد مرسي الذي تولى منصبه في 30 يونيو (حزيران) باتخاذ خطوات سريعة من أجل إعادة العافية للاقتصاد المتدهور. بدلا من ذلك، انشغل خلال الأسابيع الأولى له بعد توليه المنصب، بصراع على السلطة مع قادة الجيش المصري، الذين استغلوا النفوذ الكبير الذي حصلوا عليه بعد الثورة في حل البرلمان المنتخب مؤخرا وتقييد سلطات الرئيس. وحذر خبراء اقتصاد من أن الشعور بعدم اليقين حول من يدير الدولة قد يؤجل الحصول على قرض ضروري من صندوق النقد الدولي.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»