«نازحو دمشق» ينعشون موسم الاصطياف اللبناني

ارتفعت نسبة إشغال الفنادق في بيروت من 40 إلى 70% وفي جبل لبنان من 20 إلى 55%

TT

بعدما كانت مناطق الاصطياف اللبنانية تخلو من زائريها هذا الصيف الذي وصف بأسوأ المواسم منذ سنوات عدّة، انقلب بين ليلة وضحاها الوضع، رأسا على عقب بفعل «السياحة القسرية للنازحين الشاميين» من ذوي الطبقة الغنية، إلى لبنان بحثا عن «فيلا» أو «منزل فخم» أو «جناح في فندق» يؤويهم هربا من القذائف والمعارك التي وصلت إلى العاصمة السورية. المشهد هنا في بحمدون، يذكّر بحرب يوليو (تموز) 2006، حين تحوّلت هذه المناطق نفسها إلى مقصد للبنانيين الهاربين من القصف الإسرائيلي. المتجوّل في شوارعها التي تشبه إلى حد كبير مناطق أخرى استقبلت النازحين الجدد، وأهمها، عاليه وصوفر وسوق الغرب ورأس المتن ومناطق أخرى، يظهر له بشكل واضح هذه الزحمة المستجدة. ففي شارع واحد من شوارع منطقة بحمدون حيث يقع ثلاثة فنادق شبه متلاصقة، كان يصطف ليلة الاثنين أكثر من 60 سيارة تحمل «لوحة دمشق»، الأسواق والمطاعم والمقاهي تغصّ بروادها حتى موعد السحور. والمشهد نفسه قد لا يختلف في عدد كبير من شوارع بيروت، ولا سيما السياحية منها، كمنتجع «زيتونة باي»، و«شارع الحمرا»، حيث قد يتسنّى لك رؤية لقاء صدفة بين عائلتين سوريتين يتصافحون ويطمئنون على بعضهم ويحاولون تحليل الوضع في سوريا كلّ حسب وجهته السياسية. وليس غريبا، أنّ يكون هذا اللقاء بين طرفين متناقضين سياسيا واقتصاديا، حين تتقدّم مثلا، سيّدة سورية متسوّلة صوب سيّدة أخرى ترتجل من سيارة فخمة تحمل «لوحة دمشق»، طالبة منها المساعدة لترد عليها الثانية بالدعاء لـ«انتصار بشار على أعدائه».

وعن هذا النزوح المفاجئ لعائلات دمشق الميسورة، تقول لما، ابنة منطقة بحمدون، والتي تملك «سوبر ماركت» وتساهم في تأمين منازل وشقق للسوريين النازحين، لـ«الشرق الأوسط» «في بداية الثورة السورية، كان عدد السوريين الذين قصدوا منطقتنا قليلا جدا، ومن أتى منهم لم يكن يقصد الفنادق أو الشقق الفخمة، بل معظمهم كانوا عائلات العاملين السوريين الذي يعملون في لبنان، أما اليوم فالوضع اختلف رأسا على عقب. وهذا يبدو واضحا من خلال المواصفات والشروط التي يطلبونها في كلّ منزل يريدون السكن فيه». وتضيف «معظمهم أتوا إلى الفنادق حيث حجزوا ليلتين أو ثلاثا، وخلال هذا الوقت كان يقوم أحد أفراد العائلة باكتشاف المنطقة وتحديد القرية التي يريد أن يستأجر فيها المنزل، مع التأكيد على مواصفات محدّدة، وأهمّها المنظر الخلاب والمكيف وتوفّر الماء والكهرباء بشكل دائم»، وفي حين تؤكّد لما أنّ بعضهم قد يرفضون بيتا بإيجار 2000 دولار أميركي في الشهر الواحد مفضلين آخر بـ5000 دولار لأسباب متعلّقة بالموقع وليس أكثر، تشير مفيدة عماد، ابنة منطقة بحمدون، والتي تعمل بدورها على خطّ تأمين شقق وبيوت للنازحين، أنّه في أحيان كثيرة، تتفق عائلتان أو ثلاث على استئجار منزل واحد للسكن فيه خلال هذه الفترة، على أمل العودة قريبا إلى دمشق، لافتة إلى أنّه في حين يقوم البعض بإبرام عقد الإيجار لمّدة شهر يفضّل البعض الآخر إبرامه لمدّة عشرة أيام فقط، قابلة للتجديد، على أمل انتهاء الأزمة في بلدهم والعودة إلى منازلهم في أقرب وقت. وتوضح لما أنّ أهل المنطقة يؤجرون السوريين البيوت بأسعار أدنى من تلك التي كان يحصلون عليها من الخليجيين، وفي حين يؤكّد أحمد وهو لبناني، يستأجر بيتا في بحمدون مقابل 2500 دولار أميركي، في السنة، أنّ مالك المنزل اتصل به عارضا عليه التخلي عن بيته لمّدة شهرين فقط مقابل 1000 دولار في الشهر، تقول لما «كان الخليجيون يدفعون بدل الليلة الواحدة في المنزل الفخم أو الفيلا المفروشة، نحو 250 دولارا، أما اليوم فقد تمّ تخفيض السعر أكثر من 50 في المائة، كي يتمكّن السوريون من إيجاد المكان المناسب له بأسعار مقبولة، وهذا القرار كان شبه تلقائي من أهالي المنطقة الذين استقبلوا السوريين». وتلفت إلى أنّ بعض العائلات التي وصلت إلى هذه المنطقة في الأسبوع الماضي، بعد وقوع انفجار دمشق، لم تصمد في لبنان أكثر من أيام قليلة، وفضّلت الانتقال إلى الأردن ومصر، بحجّة أن الوضع الأمني والسياسي في لبنان ليس مستقرا، وبما أنّ ما قد يحصل في سوريا قد ينعكس سلبا على الوضع هنا، مشيرة إلى أنّ وجود هؤلاء في المنطقة أنعش السوق، بدءا من محلات الخضار والثياب وصولا إلى المقاهي والمطاعم التي يقصدها النازحون السوريون بشكل يومي.

وفي هذا الإطار أيضا، أعلن نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر في أن «السوريين الوافدين حديثا إلى لبنان زادوا نسبة تشغيل الفنادق في العاصمة بيروت من 40 إلى 65 و70 في المائة، فيما ارتفعت في منطقة جبل لبنان من 20 إلى 55 في المائة، بعد النزوح الأخير للسوريين في منطقة جبل لبنان حيث كان الموسم الاصطيافي شبه معدوم هذا العام بسبب غياب الاستقرار»، مشيرا إلى أن «هذه النسبة كانت تصل خلال السنوات الماضية إلى 100 في المائة». مؤكّدا أنّ «قرارا قد اتخذ بتخفيض الأسعار في الفنادق بين 25 و50 في المائة».

بدوره، أشار رئيس بلدية محطّة بحمدون أسطه أبو رجيلي إلى أنّ ما بين الـ400 والـ500 عائلة وصلت، حيث استأجرت منازل أو أقامت في فنادق. كما أوضح أن «البلدات المحيطة ببحمدون امتلأت بالوافدين الذين أنعشوا المنطقة والموسم السياحي خصوصًا أن الفنادق كانت ستقفل أبوابها بعد تخلّف السياح الخليجيين والمغتربين عن القدوم هذه السنة إلى لبنان».

الأشقر وأبو رجيلي اللذان لفتا إلى أن «الأسعار التي تُعرض على السوريين منخفضة»، شدّدا على أن موجة النزوح الأخيرة أنعشت الموسم السياحي في لبنان وفقا لمقولة «مصائب قوم عند قوم فوائد».