النظام السوري لوح باستخدام أسلحة كيماوية ضد «الاعتداء الخارجي».. ثم أنكر امتلاكها

المعارضة تعتبرها تهديدا.. ولندن وواشنطن تنددان وإسرائيل تتوعد

مئات المسلحين التابعين للمعارضة السورية خلال تجمعهم بالقرب من مدينة حلب (إ.ب.أ)
TT

رغم اعتراف النظام السوري علنا أمس بامتلاكه أسلحة كيماوية، واستعداده لاستخدامها ضد ما سماه «اعتداءا خارجيا»، وهو ما استتبعته ردود فعل عالمية منددة، فإن النظام تراجع سريعا عن اعترافه - رغم أنه كان عبر بيان تلاه المتحدث الرسمي باسم الخارجية - وقال إن تلك التصريحات أسيء فهمها.

وفي سياق تلاوته لبيان واضح، ومنقول تلفزيونيا، قال الناطق باسم الخارجية السورية، جهاد مقدسي، إن حكومته «لن تلجأ إلى استخدام مخزونها من الأسلحة الكيماوية تحت أي ظرف كان على المدنيين»، وتابع قائلا «إلا في حال تعرضنا لاعتداء خارجي، فهذه الأسلحة هي لإحلال سلام وليس لاستخدامها».

إلا أن وزارة الخارجية عقبت، بعد ساعات قليلة عبر وكالة الأنباء السورية (سانا)، على «تعاطي بعض وسائل الإعلام السلبي مع مضمون بيانها السابق حول الحملة الإعلامية المبرمجة التي تستهدف سوريا، لتحضير الرأي العام الدولي لإمكانية تدخل عسكري، تحت شعار أكذوبة أسلحة الدمار الشامل.. وإخراجه المتعمد عن سياقه عبر تصويره على أنه إعلان لامتلاك أسلحة غير تقليدية من قبل الجمهورية العربية السورية».

ورغم النفي السوري، فإن الاعتراف الأولي الواضح بامتلاك أسلحة كيماوية كان غير قابل للنفي، إذ توالت ردود الفعل الداخلية والخارجية المنددة بالتلويح باستخدام مثل هذه الأسلحة. وأوضح مدير المكتب القانوني في «المجلس الوطني السوري»، هشام مروة، أن «فكرة وجود أسلحة كيماوية في سوريا أمر معروف». وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن «النظام السوري لديه مخزون من الأسلحة الكيماوية، ومنذ مدة حذرت وسائل إعلام غربية من استخدام هذه الأسلحة، واليوم هو يعترف بذلك».

ولفت مروة إلى أن «التلويح باستخدام هذا النوع من السلاح في حرب خارجية، هو رسالة تهديد إلى الدول الكبرى بأنه إذا حصل أي تحرك من خارج مجلس الأمن الدولي، فنحن جاهزون لاستخدام هذا السلاح غير التقليدي». وقال «إن النظام في سوريا يعرف النتائج الدولية لهكذا خطوة، وبذلك يعيد خطيئة (الرئيس العراقي الراحل) صدام حسين، سيما أن التجربة العراقية لا تزال ماثلة، كما أن الدول التي تتحرك من خارج مجلس الأمن لديها معلومات أن النظام السوري يمتلك هذا النوع من الأسلحة وقد يستخدمه، وهي تتخذ احتياطاتها»، مشيرا إلى ان «وزيرة الخارجية الأميركية (هيلاري كلينتون) أعلنت أن خطط التحرك من خارج مجلس توضع الآن موضع التنفيذ»، مشددا على أن «هذا التحرك يؤرق النظام لأنه يعرف أن الشعب لا يحميه، وبالتالي فإن تلويحه بالأسلحة الكيماوية يأتي في سياق رسائل التهديد إلى الدول المعنية».

أما نائب قائد «الجيش السوري الحر» العقيد مالك الكردي، فرأى أن «النظام يوجه رسالة مباشرة إلى المعارضة، بأن لديه أسلحة كيماوية سيستخدمها في لحظات الحسم». ولفت في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «نظام الأسد يعتبر المعارضة نتاج تدخل خارجي، ويصورها اعتداء خارجيا قد يستخدم ضدها الأسلحة المحظورة والمحرمة دوليا».

وقال الكردي: «لقد سبق ان وردتنا معلومات تفيد بأن الجيش النظامي يوزع الأقنعة الواقية من الغازات السامة على مجموعات محددة من جنوده التي هي في مواجهة مع (الجيش الحر)، مما يؤشر إلى احتمال استخدامه سلاحا كيماويا». وأضاف: «يمكنه (النظام) استخدام السلاح الكيماوي وقتل الآلاف وربما عشرات ومئات الآلاف، لكن بعد ذلك ستكون العواقب وخيمة عليه، ونحن نحذره من اللجوء إلى هذا الخيار، لأنه سيواجه بقوة رد لم يتخيلها، وبأساليب نحاذر حتى الآن من استخدامها وهي ستفاجئه»، مؤكدا أنه «في حال تجرأ على ضرب (الجيش الحر) والمدنيين بهذا النوع من السلاح، فستصبح كل الخيارات أمامنا مفتوحة».

وعلى الصعيد الدولي، ردت واشنطن بشدة على تهديدات سوريا باستخدام الأسلحة الكيماوية في حال تعرضها لعدوان خارجي، وطالبت دمشق بالتخلي عن ترسانتها من الأسلحة الكيماوية وحماية مخزونها. وقال مسؤول بالخارجية الأميركية في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أوضحنا مرارا وتكرارا للحكومة السورية أن عليها أن تتحمل مسؤولية حماية مخزوناتها من الأسلحة الكيماوية، وأن المجتمع الدولي سوف يحاسب أيا من المسؤولين السوريين الذين يفشلون في الوفاء بهذا الالتزام».

وأكد المسؤول أن الولايات المتحدة تراقب من كثب انتشار المواد الحساسة والمرافق التي لا تزال تحت سيطرة الحكومة السورية، وقال: «قلنا مند وقت طويل إن وجود أسلحة كيماوية في المنطقة يقوض جهود إقرار السلام والأمن، وندعو مرة أخرى الحكومة السورية للتخلي عن ترسانتها الكيماوية، والانضمام إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية».

وأشار مسؤول أميركي كبير إلى أن سوريا لديها أسلحة كيماوية وغازات مميتة للأعصاب مثل غاز السارين والخردل وصواريخ سكود قادرة على حمل هذه المواد الكيماوية القاتلة، إضافة إلى مجموعة متنوعة من الأسلحة التقليدية المتطورة ومنها الصواريخ المضادة للدبابات والمضادة للطائرات.

وأشار إلى أن النظام قد يكون بدأ نقل الأسلحة الكيماوية من المخازن في شمال سوريا، حيث يشتد القتال، إلى مكان آخر، ربما لضمان عدم سقوطها في يد المعارضة المسلحة. وشدد المسؤول على أن أجهزة الاستخبارات الأميركية تكثف جهودها للرصد وتتبع الأسلحة، ومحاولة معرفة ما إذا كان السوريون يحاولون استخدامها.

بينما اعتبر وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، أن تهديد سوريا باستخدام السلاح الكيماوي ضد التدخل الأجنبي «غير مقبول»، وقال للصحافيين خلال اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي ببروكسل: «هذا نموذج لما يتوهمه النظام السوري.. أنه ضحية لعدوان خارجي، بينما ما يحدث فعليا هو أن الشعب السوري ينتفض ضد دولة بوليسية وحشية».. وأضاف: «من غير المقبول أن يقولوا إنهم سيستخدمون الأسلحة الكيماوية تحت أي ظرف».

واعتبر المحللون أن قرار سوريا بالكشف عن أسلحتها الكيماوية - التي طالما حاولت نفيها والتملص من فكرة امتلاكها لتلك الأسلحة - تشير إلى أن النظام أصبح يائسا في مواجهة حركات التمرد التي حققت سلسلة من النجاحات، ومنها مقتل أربعة مسؤولين كبار الأسبوع الماضي.

وقال مارك لينش، مدير معهد دراسات الشرق الأوسط بجامعة جورج واشنطن، إن النظام السوري يواجه احتمالات تزايد الانشقاقات واهتزاز القدرات لدى المؤسسة العسكرية، وزيادة العزلة الدولية والعقوبات المالية، وزيادة المظاهرات المعارضة والمطالبة بإسقاطه.. لذا، يعتمد على الحرب النفسية، وإعادة التأكيد على سيطرته على العاصمة والتصميم على البقاء على قيد الحياة بأي ثمن، لكنه يوما بعد يوم يراكم الأخطاء ويفقد الشرعية والسيطرة على سوريا وشعبها.

وأشار لينش إلى أن إدارة أوباما كانت حكيمة في تخطيطها لتجنب أي تدخل عسكري مباشر في سوريا، في ظل الإلحاح من بعض القادة الجمهوريين بالمطالبة بتنفيذ ضربات جوية هناك، وفرض منطقة حظر جوي وملاذات آمنة من ناحية، والمطالب بتوفير الأسلحة للمعارضة السورية. واقترح لينش التركيز على زيادة الضغوط الدولية والعقوبات على الأسلحة.

إلى ذلك، هددت إسرائيل سوريا بأنها ستهاجم أي شحنة أسلحة كيماوية أو صواريخ وأنظمة دفاعية جوية تنقل إلى حزب الله اللبناني، مطلقة في الوقت ذاته تحذيرا من أي محاولة قد يقوم بها جنود سوريون للتسلل إلى المنطقة منزوعة السلاح في الجولان المحتل. وأعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن قلقه في مقابلة مع قناة «فوكس» الأميركية «مما سيحدث لمخزون الأسلحة الكيماوية والصواريخ عند سقوط نظام بشار الأسد». وقال نتنياهو: «هل نستطيع أن نتصور أن يمتلك حزب الله أسلحة كيماوية. هذا الأمر مثل امتلاك (القاعدة) لأسلحة كيماوية»، وتابع: «هذا أمر غير مقبول بالنسبة لنا وللولايات المتحدة. لهذا، يجب علينا أن نعمل لوقف ذلك، إن استدعت الحاجة».