مرسي يفاجئ المصريين باختيار رئيس حكومة محسوب على التيار الإسلامي

قيادات إخوانية تراهن عليه.. ومعارضون اعتبروه تصعيدا للجماعة على حساب الكفاءات

مرسي رئيس جمهورية مصر خلال استقباله قنديل أمس (إ.ب.أ)
TT

فاجأ الرئيس محمد مرسي المصريين أمس باختيار رئيس حكومة محسوب على التيار الإسلامي، هو الدكتور هشام قنديل، وزير الري والموارد المائية. وبينما راهنت قيادات في جماعة الإخوان المسلمين عليه في التصدي لما سمته الثورة المضادة، اعتبر معارضون الخطوة تصعيدا لهيمنة الجماعة على القصر الرئاسي ومقدرات البلاد، على حساب شخصيات مصرية كانت مرشحة لشغل المنصب وتتميز بالكفاءة محليا ودوليا.

يأتي ذلك وسط تكهنات بتعيين مزيد من الإسلاميين في الأيام المقبلة في مواقع بالرئاسة والحكومة ما يعزز مخاوف من اتجاه الدولة المصرية نحو نظام ديني. وقال مساعد لمحمد سليم العوا، المرشح الإسلامي السابق لرئاسة الجمهورية، في رده على أسئلة «الشرق الأوسط» إن لقاءه أمس مع مرسي لا يعني اختياره لموقع نائب الرئيس أو مساعد له حتى الآن.

وأعلن قنديل الذي كلفه الدكتور مرسي أمس بتشكيل الحكومة الجديدة، أنه سيختار وزراء من التكنوقراط وأن الكفاءة ستكون هي معيار الاختيار الأساسي لتشكيل الحكومة، قائلا في مؤتمر صحافي عقده أمس بمقر رئاسة الجمهورية: إن أساس عمل الحكومة خلال الفترة المقبلة سيكون تحقيق أهداف الثورة وتطلعات الشعب المصري وتنفيذ برنامج رئيس الجمهورية.

وقالت مصادر الرئاسة: إن قرار مرسي تكليف قنديل بتشكيل الحكومة جاء بعد أن استقبله مرسي يوم الأحد الماضي، وتولى مرسي القادم من جماعة الإخوان المسلمين رئاسة مصر منذ شهر، مدفوعا من التيار الإسلامي في البلاد. ويعتبر قنديل، وهو في الخمسين من العمر وملتح ويميل إلى التيار الإسلامي أيضا، أول رئيس وزراء في العهد الجديد، حيث سيتوجب عليه الانتهاء من التشكيل الوزاري خلال أيام.

وكان قنديل، الذي نفى في السابق انتماءه لأي من التيارات الإسلامية التي زادت هيمنتها في البلاد بعد سقوط نظام الرئيس السابق حسني مبارك العام الماضي، مسؤولا في وزارة الري والموارد المائية قبل أن يشغل منصب الوزير في يوليو (تموز) الماضي في حكومة عصام شرف رئيس الوزراء آنذاك. واحتفظ قنديل بالمنصب في حكومة تسيير الأعمال الحالية برئاسة كمال الجنزوري.

وقال الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع اليساري تعليقا على تكليف الرئيس المصري للدكتور قنديل، بتشكيل الحكومة، إن الدكتور مرسي جاء برئيس وزراء من ذات الوعاء الإخواني.. أما النقطة الثانية فإن هذا الاختيار تم على أساس عقيدي وليس على أساس الكفاءة ولا الخبرة. «أقصى ما يمكن وصف الدكتور هشام قنديل به أنه خبير في مياه الري، ولا أعتقد أن هذه هي الأولوية الأولى للمشاكل الراهنة التي تعاني منها مصر».

وأضاف الدكتور رفعت السعيد أنه «حتى وهشام قنديل وزير للري لم يثبت أنه عبقري ولا أنه كفاءة نادرة ولا إدارة نادرة»، مشيرا إلى أن «الاختيار تم فقط على أساس الانتماء الفكري، وهذا، بالمناسبة، اختيار طبيعي، لأن أي اختيار آخر، مع إصرار الجماعة على الاستمرار في إدارة الرئيس مرسي، لا يمكن أن يكون هناك رئيس وزراء يحاول أن يملي إرادته أو أن يصدر قرارا أو أن يتخذ أفكارا أو مواقف تختلف عن برامج الجماعة».

وتابع رفعت السعيد قائلا: مصر هكذا وقعت في قبضة المقطم (الضاحية التي يقع فيها المقر الرئيسي لجماعة الإخوان)، ووقع معها محمد مرسي وهشام قنديل.

ووصف المهندس باسل عادل عضو المكتب السياسي لحزب المصريين الأحرار، عضو مجلس الشعب السابق، قرار تكليف قنديل بأنه «قرار صادم»، وأن الاختيار لم يأت بحجم الطموحات والتوقعات لحكومة بحجم ثورة 25 يناير (كانون الثاني)، حيث كان الجدل يدور حول شخصيات كثيرة لشغل موقع رئيس الحكومة، من تلك التي لها حضور ثقافي وسياسي واجتماعي سواء محليا أو دوليا، مثل الدكتور محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، والدكتور محمود أبو العيون، المحافظ الأسبق للبنك المركزي، والدكتور محمد العريان، الخبير الاقتصادي الدولي.

وتابع باسل عادل قائلا: إن اختيار مرسي لرئيس الحكومة «صادم ومفاجئ للشعب» لأنه جاء، بعد كل ما أثير من جدل، بشخص من خلف الستار بشكل باغت الناس بشخصية غير مطروحة، في وقت ملتهب يفترض أن تكون فيه الحكومة الجديدة «وزارة ثورة» لحل المشاكل الاقتصادية والأمنية وغيرها. وتساءل: كيف تأتي برجل كان يعمل في المياه والري والصرف وبعيدا عن الخبرات المطلوبة للمرحلة التي تمر بها البلاد.. وأضاف أن قنديل «لم يضبط وهو يقول خطاب سياسي أو انشغل بالعمل السياسي».

وعبر عدد من شباب الثورة عن صدمتهم من اختيار مرسي لقنديل، وقال أحمد عبد اللطيف، وهو محام وناشط يساري من شباب الثورة المصرية، إن الرئيس «محمد مرسي لم يخلف وعده في بناء الدولة الإخوانية وكان لا بد أن يأتي برئيس وزراء من الفكر الإخواني»، معربا عن اعتقاده في أن اختيار قنديل لا يفيد إلا في زيادة هيمنة الإسلاميين. وفي المقابل رحب حزب الحرية والعدالة (وهو حزب جماعة الإخوان المسلمين) بتكليف مرسي لقنديل بتشكيل حكومة المرحلة الانتقالية الجديدة قائلا: إنه «شخصية وطنية مستقلة». وتناقلت وسائل إعلام محلية أمس تغريدة للدكتور عصام العريان القائم بأعمال رئيس الحزب الإخواني، قال فيها إن مهمة حكومة قنديل ستكون مواجهة الثورة المضادة، داعيا للبدء في حركة تغيير لمحافظي المحافظات مما سماه «مواجهة دولة مبارك».

ومن جانبه أعرب الإعلامي حمدي قنديل، عن سعادته باختيار قنديل رئيسا للوزراء قائلا عبر حسابه على «تويتر» إنه سعيد لاختيار شاب لتشكيل الوزارة، لكنه أعرب عن قلقه «مما سيواجهه من صعوبات سياسية». وقال: «أنتظر بقية التشكيل لأحكم وأتمنى له التوفيق». وأضاف حمدي قنديل أن هناك تضاربا واضحا في الآراء حول رئيس الوزراء، و«ربما يحتاج الأمر إلى مزيد من المعلومات عنه.. ولو أنني أعتقد أن الكل سيحكم بناء على موقفه السياسي».

وفي وزارة الري والموارد المائية التي عمل فيها قنديل قبل أن يكون وزيرا لها العام الماضي، قالت مصادر فيها إن الرجل «ملتزم دينيا»، ولديه اهتمام بملف مشكلة مياه النيل مع عدة دول أفريقية، ويسعى إلى الحفاظ على حصة بلاده من مياه النهر الذي تقع عليه 10 دول أخرى مستعينا في ذلك بخلفياته النظرية القائمة على دراسته العلوم الهندسية في الولايات المتحدة الأميركية، وتجاربه العملية من خلال عمله منذ عام 1999 في وزارة الموارد المائية والري، ومشاركاته في أعمال مبادرة حوض النيل وغيرها.

وعمل الوزير عن قرب ضمن برامج ومشروعات وزارة الري والموارد المائية للحفاظ على الموارد المائية المتاحة من عام 2004 إلى 2017. سواء عن طريق التفاوض مع الدول الأفريقية لزيادة حصة مصر من المياه أو عن طريق استقطاب الفواقد المائية، أو استخدام تحلية مياه البحر في التجمعات الساحلية. وتابعت مصادر وزارة الري والموارد المائية أن قنديل من التيار الإسلامي لكن من غير المعروف إن كان يتبع جماعة الإخوان بشكل تنظيمي أم لا. وتابع مسؤول كبير في الوزارة قائلا: إن قنديل تم الدفع به لشغل وزارة الري في حكومة شرف، العام الماضي، بواسطة جماعة الإخوان، وتم الإبقاء عليه في حكومة الجنزوري أيضا بمساندة من «الإخوان»، مشيرا إلى أن وزارة الري والموارد المائية من الوزارات التي تتميز بوجود موظفين كثيرين فيها ينتمون للجماعة منذ سنوات.

وفور الإعلان عن قرار مرسي، ساد الهدوء المقر المؤقت لحكومة تسيير الأعمال برئاسة الجنزوري ويقع مقرها في مقر هيئة الاستثمار شرق القاهرة. واستمر الجنزوري في مزاولة عمله بشكل طبيعي رغم الإعلان الرسمي بتكليف قنديل بتشكيل الحكومة الجديدة.

وتلقى قنديل نبأ تكليفه برئاسة الوزراء خلال اجتماع كان يحضره برئاسة الجنزوري. وقدم له الجنزوري والوزراء التهنئة. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية إن وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، عبر عن تمنياته بالتوفيق لقنديل وأنه قال أثناء خروجه من الاجتماع الحكومي برئاسة الجنزوري «إن الفترة القادمة فترة صعبة»، مشيرا إلى أن الفترة الماضية «كانت صعبة وفيها الكثير من العمل وأن الملف الأمني هو ملف هام للغاية وينعكس على كافة قطاعات الدولة».

وقال قنديل في المؤتمر الصحافي الذي عقده في وقت لاحق من يوم أمس إنه سيعمل على قدم وساق مع رئيس الجمهورية لتشكيل الحكومة الجديدة والتي ستكون أهم توجهاتها هي تنفيذ برنامج المائة يوم للرئيس المتمثلة في توفير الطاقة وحل مشكلة التكدس المروري وتوفير رغيف الخبز وتحقيق الأمن والنظافة والصحة العامة، إضافة إلى توفير المياه وتحسين الخدمات العامة للمواطنين.

وأضاف قنديل أن شغل الحكومة الشاغل سيكون تحقيق أهداف ثورة 25 يناير التي تتطلب العمل ليس فقط من جانب الحكومة ولكن من جميع أطياف الشعب، خاصة أن البلاد تمر بمرحلة صعبة من تاريخها مليئة بالتحديات وهي ليست تحديات اقتصادية فحسب وإنما أيضا تحديات بيئية واجتماعية وهو ما يضع ضغوطا كبيرة على الموارد العامة للدولة.

وأشار قنديل إلى أهمية البناء على ما سبق من إنجازات للحكومتين السابقتين سواء حكومة شرف أو حكومة الجنزوري، وقال: إن معيار اختيار الوزراء سيعتمد على الكفاءة وأن الاختيار سيتم بالتنسيق مع رئيس الجمهورية، خاصة أن النظام في مصر هو نظام رئاسي وأن العمل بين الحكومة ومؤسسة الرئاسة سيكون كفريق واحد بأهداف واحدة، وأن هناك وزارات أخرى، كوزارة الدفاع سوف يكون هناك تنسيق مع الرئيس والمجلس العسكري بشأنها.