إسرائيل ستحول أجزاء من القدس لحكم الإدارة المدنية بدل السلطة

تشمل المناطق خلف الجدار.. وتضم نحو 100 ألف فلسطيني مهددين بفقدان هوياتهم

الحرم القدسي
TT

تخطط بلدية الاحتلال في القدس، لنقل خدمات الأحياء الفلسطينية التي أصبحت خارج حدود جدار الفصل إلى «الإدارة المدنية» في الجيش الإسرائيلي، بعد سنوات طويلة من التصريح والتلميح والاعتقاد بأنها ستؤول إلى السلطة الفلسطينية في خطوات بادرة حسن نية أو في إطار حل الدولتين.

وفي توجه جديد وخطير، يؤكد إعادة إحياء الإدارة المدنية أداة الاحتلال الأساسية في الضفة الغربية والقدس على حساب السلطة الفلسطينية، بما يخالف اتفاقية أوسلو، عقد مسؤولون في بلدية الاحتلال في القدس، وضباط كبار في الجيش برئاسة منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية العميد دانغوت ايتان، ورئيس الإدارة المدنية العميد الموز موتي، اجتماعات طالبت فيها البلدية، الجيش بتولي المسؤولية المدنية والخدماتية في المناطق المقدسية التي تقع خارج حدود الجدار.

وتريد البلدية من الإدارة المدينة، إعادة الاهتمام بشؤون التعليم والصحة والمياه والصرف الصحي والبناء والخدمات الأخرى. ولم يمانع الجيش لكنه أشار إلى ضرورة اتخاذ قرار سياسي على أعلى المستويات أولا.

والحديث عن إخراج هذه الأحياء التي يقطنها نحو 100 ألف فلسطيني، من تحت سلطة البلدية، ليس جديدا، وأدرك الفلسطينيون هناك منذ سنين أن ثمة خطرا يتهددهم بعدما بدأ الجدار يعزلهم عن القدس (الشرقية). لكن أن يكون الهدف هو نقلهم من حكم إسرائيلي مدني إلى عسكري مرة أخرى، فقد شكل ذلك مفاجأة.

وقال الناشط المقدسي، ومدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، زياد حموري: «طوال الوقت كان الحديث يدور عن إخراج أجزاء من القدس وإرجاعها للسلطة، والآن بشكل غريب يتحدثون عن إعادة هذه الأجزاء للإدارة المدنية، إنه حديث مستمر منذ شهور، ويدل على توجه جديد لإرجاع الحكم العسكري لهذه المناطق بدل إعطائها للسلطة في إطار حل الدولتين»، وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «بدلا من أن تكون هذه الأجزاء تحت إدارة السلطة حسب الاتفاقات، فإنهم يحولونها إلى الإدارة المدنية، وكل شيء يدل على أنهم يعيدون احتلال الضفة والقدس».

وتشمل المناطق المهددة، مخيم شعفاط، ورأس خميس، ورأس شحادة من أراضي شعفاط، وكفر عقب، وسميراميس، ويعيش أهالي هذه الأحياء في ظروف أقرب ما تكون إلى الفوضى. والسبب أن البلدية ومؤسساتها المختلفة لا تقدم أي خدمات لهم، أما السلطة فإنها يحظر عليها العمل في محيط القدس، حسب اتفاقات أوسلو. وقالت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية: «تمنع الاتفاقيات الجهات الفلسطينية الرسمية والأجهزة الأمنية من العمل في هذه المناطق، كما تمتنع في نفس الوقت السلطات الإسرائيلية وشركات البنية التحتية عن العمل فيها بحجة المخاوف الأمنية»، لكن لا يقف الأمر عند ذلك.

وقال حموري: «أخشى أنهم سيسحبون الصلاحيات من السلطة في المناطق التي سمح لها بالعمل فيها أيضا، مثل أبو ديس والسواحرة الشرقية والرام والضاحية، ويعطونها للإدارة المدنية أيضا». ويعزز من التوجهات الإسرائيلية، افتتاح السلطات في القدس المحتلة، قبل شهور معبر شعفاط، وهو معبر يصل بين هذه المناطق جميعا، والقدس الشرقية.

ويرتفع قلق الفلسطينيين خشية من خطوات أخرى لاحقة، قد تتضمن سحب هويات من هم خلف الجدار بعد إلحاقهم بالإدارة المدنية. وقال حموري: «طبعا، هذا هو الهدف الثاني والأساسي، المسألة مسألة ديموغرافية، هذا هو الهدف النهائي، هذه هي معادلة الجدار أصلا». وأضاف: «ليس من قبيل الصدف أن يقول (رئيس الحكومة الإسرائيلية) بنيامين نتنياهو إنه يريد القدس عاصمة للشعب اليهودي، إنهم يريدون أغلبية يهودية». وتابع القول: «المخططات المعروفة بـ2020 و2030، ترتكز إلى حرب ديموغرافية، هدفها تقليل الوجود العربي في القدس وزيادة عدد المستوطنين».

ويعيش الآن في القدس (الشرقية) 280 ألف عربي يحملون الهوية، مقابل نحو 200 ألف مستوطن هناك. وأوضح حموري أن «الهدف الكبير هو جلب 300 ألف مستوطن آخر وتقليل الوجود العربي إلى النصف». وأردف: «الخطة تقضي بأن يشكل العرب 12 في المائة من حجم السكان في القدس الشرقية و4 في المائة أو أقل في القدس كلها».

ويشكل العرب الآن أغلبية في القدس الشرقية، و35 في المائة من القدس بشقيها. وقال حموري: «إنه مشروع تصفية كبير».

وتشير إحصائيات مركز القدس إلى أن ما يزيد على 125 ألف مقدسي باتوا مهددين بفقدان حق إقامتهم في مدينتهم، بعد أن طالت الإجراءات نحو 30 ألف مقدسي على أدنى تقدير منذ أوائل التسعينات.

ولم تعقب السلطة الفلسطينية فورا على التوجهات الإسرائيلية، التي تنسف إمكانية حل الدولتين، وتتنكر لاتفاقات أوسلو، وتسمح للإدارة المدنية بالعودة للعمل في أكثر المناطق حساسية.

وكانت الإدارة المدنية، تأسست بعد عام 1982 لإدارة شؤون الحياة في الأراضي الفلسطينية، قد توقفت عن العمل بعد اتفاق أوسلو، وتحولت لمكاتب تنسيق مدني، لكنها عادت للعمل خلال الشهور الماضية، سلطة مسؤولة عن الفلسطينيين، وراحت تتعامل مع الجمهور الفلسطيني مباشرة.

وهو الأمر الذي وصفه الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، بعملية إنهاء السلطة. وقالت مصادر في بلدية القدس لصحيفة «هآرتس»: «نريد تعزيز وتحسين التعاون بين البلدية والإدارة المدنية، وإن الموضوع ليس موضوعا سياسيا».