تونس: خلاف حول النظام السياسي في أوساط الترويكا الحاكمة والمعارضة

حركة النهضة تهدد باللجوء إلى «الاستفتاء الشعبي»

TT

لم يتوصل أعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان) التونسي إلى التوافق حول النظام السياسي الذي ينبغي أن تعتمده البلاد أي نظام برلماني أم رئاسي، بينما تتواصل النقاشات غير المؤدية إلى اتفاق بين أعضاء الائتلاف الثلاثي الحاكم أنفسهم وفي صفوف الأقلية المعارضة داخل المجلس، وذلك وسط تمسك الأطراف السياسية بمواقفها مما أوصل الأمر، حسب المتابعين للمشهد السياسي التونسي، إلى ممر مغلق بين حزبي المؤتمر من أجل الجمهورية والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، من جهة، وحركة النهضة في الشق المقابل.

ويدعم حزبا المؤتمر والتكتل فكرة النظام الرئاسي المعدل كما يدعمان فكرة النظام البرلماني المعدل. ويرى الحزبان أن هذين النمطين من الحكم يتوافقان مع الديمقراطية الناشئة في تونس، ويقطعان الطريق على احتمال سيطرة أي سلطة سياسية على الأخرى، وهو ما يمنع نظريا عودة الحكم الاستبدادي.

وفي مقابل هذه المقاربة، تتمسك حركة النهضة ذات المرجعية الإسلامية، وصاحبة الغالبية في المجلس التأسيسي (89 مقعدا)، بالنظام البرلماني، الذي تضمنته إحدى توصيات المؤتمر التاسع للحركة. وفي سياق ذلك، هددت بعض قيادات «النهضة» في المجلس التأسيسي باللجوء إلى الاستفتاء الشعبي في حالة فشل التفاوض حول طبيعة النظام السياسي المقبل للبلاد. وكانت حركة النهضة قد واصلت تمسكها بالنظام البرلماني بدءا من الحملة الانتخابية لعضوية المجلس التأسيسي، مشيرة إلى تفضيل هذا النظام ضمن برنامجها الانتخابي.

ويمكن النظام البرلماني المعدل أو النظام الرئاسي المعدل من انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب، وهو يتمتع بصلاحيات حكم حقيقية، في حين أن النظام البرلماني كما تمت مناقشته من قبل الكثير من الأحزاب السياسية المناهضة لوجهة نظر حركة النهضة يمكن رئيس السلطة التنفيذية (رئيس الحكومة) من السيطرة على الحياة السياسية، ولا يسمح لرئيس الدولة إلا بسلطات محدودة.

وترى المعارضة في النموذج الحالي لإدارة حركة النهضة للحكم صورة من النظام البرلماني الذي تدافع عنها. ويتيح هذا النظام البرلماني لأعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان) بعد إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة إمكانية انتخاب رئيس الدولة من قبل الحزب الحاصل على أغلبية الأصوات، وهو مما ينبئ بسيطرة حركة النهضة على كل من السلطة التشريعية ممثلة في مؤسسة الرئاسة والسلطة التنفيذية ممثلة في رئاسة الحكومة.

وفي سياق ذلك، قال المولدي الرياحي، رئيس الكتلة النيابية لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات (أحد الأحزاب الثلاثة المشاركة في الائتلاف الثلاثي الحاكم) إن النظام البرلماني يمثل مجازفة كبيرة في بلد غادر حديثا الحكم الاستبدادي، ولم تتعود خلاله النخب السياسية على الجدل السياسي العميق، وأوضح الرياحي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن التكتل يدعم النظام الرئاسي المعدل، ولا يرى في مؤسسة الرئاسة مؤسسة شرفية لا تؤثر في الحياة السياسية مع ضرورة الانتباه إلى أن تكون سلطة الرئيس منطلقا لإرساء نظام رئاسوي.

ورغم حجم الهوة الفاصلة بين موقف التكتل وحركة النهضة حول النظام السياسي القادم لتونس، أكد الرياحي تفاؤله، وقال: إن تنسيقا عميقا لا يزال يجري بين «الترويكا الحاكمة» من أجل تجاوز مثل تلك الخلافات. وردد عبارة «الأمر ممكن»، وهو تقريبا نفس الموقف الذي اتخذه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، الطرف الثالث في الائتلاف.

وبشأن تهديد حركة النهضة باللجوء إلى الاستفتاء الشعبي في حالة عدم التوافق حول النظام السياسي، اعتبر عمر الشتيوي، رئيس لجنة السلطة التشريعية والتنفيذية بالمجلس التأسيسي أن تنظيم الاستفتاء «يعد فشلا سياسيا، وخيبة أمل للشعب التونسي في القيادات المنتخبة». وترى الحركة التي تقود البلاد بعد انتخابات المجلس التأسيسي وحصولها على أغلبية أصوات التونسيين لأول مرة في تاريخها، أن النظام البرلماني يمثل سدا منيعا في وجه النظام الديكتاتوري بتوزيعه السلطات بين أكثر من طرف سياسي، ويضمن مشاركة معظم الأحزاب في إدارة شؤون البلاد حتى الصغيرة منها. وتلقى هذه الدعوة انتقادات من قبل المعارضة التي ترى في سيطرة حركة النهضة على البرلمان التونسي (المجلس التأسيسي حاليا) سيطرة على الحياة السياسية، وهو ما تسعى إلى تفاديه خلال الفترة القادمة.