دوافع منفذي أعمال القتل الجماعي في أميركا.. ألغاز في الغالب

محللون يرصدون تشابها بين حالة مرتكب مجزرة كولورادو ومحاولة اغتيال ريغان في 1981

جيمس هولمز (يسار) المنفذ المفترض لمجزرة أورورا أثناء أول مثول له أمام المحكمة الاثنين (واشنطن بوست)
TT

انخفضت مستويات العنف في الولايات المتحدة عما كانت عليه قبل عشرين عاما، حيث تراجعت معدلات القتل، التي بلغت ذروتها في أوائل التسعينات (10 أشخاص لكل 100.000 شخص)، إلى النصف، لتصل إلى مستوى لم تشهده البلاد منذ الستينات.

لكنها في الوقت ذاته، لم تشهد تراجعا مماثلا في حوادث القتل الجماعي - ثورات العنف المفاجئة التي تخلف الكثير من الضحايا ويرتكبها في الغالب مسلحون يشير الباحثون إليهم بـ«الكوماندوز الزائفين». أحد هؤلاء القتلة قام يوم الجمعة، مرتديا درعا واقية وحاملا معه ترسانة صغيرة من الأسلحة، بارتكاب مجزرة في أورورا بولاية كولورادو مخلفا اثني عشر قتيلا و58 مصابا وذعرا على مستوى البلاد، ونتساءل: لماذا يحدث هذا؟ وكيف نوقفه؟

تشير إحصاءات المذابح الجماعية إلى أنها ظاهرة لا تماثل الأنواع الأخرى من قتل العنف، مثل عنف الشارع. وهذه الحوادث لا تتأثر بالحالة الاقتصادية أو استراتيجيات تطبيق القانون. وقد تحول مرتكب المذابح الجماعية إلى شخصية مألوفة في الثقافة الأميركية: شخص يفرط في القتل، وعادة ما يخرج هذا الشخص من العدم.

شهدت الولايات المتحدة في السابق 645 حادثة قتل جماعي - كانت أدنى هذه الحوادث عددا في الضحايا 4 - في الفترة بين عامي 1976 و2010، بحسب إخصائي علم الإجرام في جامعة نورث إيسترن، جيمس آلان فوكس، وعندما وضعت هذه الحوادث في شكل رسم بياني لم تظهر اتجاها واضحا، حيث يرتفع الرقم ثم ينخفض ثم يعود للارتفاع مرة أخرى. وقد بلغت حصيلة ضحايا الحوادث 2949 شخصا.

وراء هذه الإحصاءات التي لم تخضع للتحليل، هناك عدد كبير من الإصابات النفسية. فحوادث القتل الجماعي عندما يتم تضخيمها في وسائل الإعلام تتحول دولة كبرى سريعا إلى أخرى صغيرة، وتتحول الجثث مجهولة الهوية إلى أشخاص حقيقيين يعانون ألما حقيقيا ومأساة حقيقية.

وبالنسبة للبعض، جلبت النشرات الإخبارية من أورورا ذكريات صعبة للغاية. وتقول النائبة كارولين مكارثي، الديمقراطية عن ولاية نيويورك والتي قتل زوجها عام 1993 على يد قاتل على طريق لونغ آيلاند ريل رود، والتي تدعم تشريعا يحظر خزائن الذخيرة الضخمة مثل ذلك النوع الذي استخدم في حادثة كولورادو «عندما يحدث أمر كهذا، فهو يعيدنا إلى يوم رهيب لا يسعنا تذكره. إنه أمر لن نتمكن على الإطلاق من نسيانه».

كابوس أوروا يصعب على الفهم، ليس فقط بسبب نطاق المذبحة، لكن حتى الآن لا يوجد دافع واضح. فالكثير من القتلة تقودهم الضغينة أو الرغبة في الانتقام. والضحايا هم رؤساء وعمال وأفراد عائلات أو زملاء كما كان الحال في معهد فيرجينيا للتكنولوجيا في عام 2007 وحادثة مدرسة كولومبيا العليا في عام 1999. بعض الهجمات وقعت بدوافع آيديولوجية سياسية ويمكن وصفها بالأعمال الإرهابية.

في الوقت الحالي، لا تزال حادثة أورورا عصية على التفسير حتى وفق معايير جرائم القتل الجماعية الأخرى. ويقول غاري لافري، إخصائي علم الإجرام في جامعة ميريلاند الذي يدرس الهجمات الإرهابية «تبدو مجردة من الإحساس. إنها تتسم بالعصبية».

ربما تتضح قضية الدافع بشكل أكبر عندما تنشر السلطات مزيدا من المعلومات عن المشتبه به الموجود قيد الاحتجاز، جيمس هولمز (24 عاما)، والذي لم يقل شيئا في أول ظهور له في المحكمة، حيث بدا وكأنه يعاني حالة من فقدان الاتزان والذهول. لم يكن زملاؤه في الدراسة يعرفونه بشكل جيد. كما أن تاريخ مرضه النفسي غير معروف.

وهناك عنصر عنف هوليوود في حادثة القتل الجماعي الأخيرة، فقد اختار قاتل أورورا صالة عرض سينمائي وعرض منتصف الليل لأحد أكثر الأفلام السينمائية إقبالا خلال الصيف «عودة الفارس الأسود». ولعل أقرب الروايات التي تفسر السبب في استهداف هولمز للسينما، هي أنه قال للشرطة إنه كان «الجوكر»، الشخصية الشريرة في سلسلة أفلام «باتمان».

هذه التفاصيل لم يتم تأكيدها بشكل رسمي، لكن راندولف روث، أستاذ التاريخ وعلم الاجتماع في جامعة ولاية أوهايو ومؤلف كتاب «جريمة قتل أميركية» قال إذا كانت رواية «الجوكر صحيحة، وأن القاتل كان يحاكي نوعا من العنف الخيالي، فإن هذه الحالة ستكون تكرارا لمحاولة جون هينكلي اغتيال الرئيس رونالد ريغان عام 1981. وكان هينكلي يحاول السير على خطى بطل فيلم (سائق التاكسي)».

وتساءل بعض الباحثين عما إذا كانت ألعاب العنف تلعب دورا في حوادث القتل الجماعي، لكن لا توجد أدلة على وجود مثل هذا الرابط، بحسب كريستوفر فيرغسون، طبيب نفسي في الطب الشرعي في جامعه «تكساس إيه آند إم» الدولية.

حوادث القتل الجماعي ليست بالظاهرة الجديدة بالنسبة للولايات المتحدة، فغالبا ما يتحدث علماء عن عنف هوارد أونروه في شوارع مدينة نيوجيرسي، واستخدام تشارلز وايتمان لبندقية قناصة من برج أعلى جامعة تكساس عام 1966.

ويرى فوكس أن منفذي عمليات القتل الجماعي يقلدون أسلافهم، فمذبحة أورورا، على سبيل المثال، تتوافر بها عناصر شائعة في هجوم الكوماندوز الزائف الذي ارتكب في النرويج الصيف الماضي، حين قام أندرس بهرينغ بريفيك في البداية بتفجير قنبلة سماد في أوسلو - محاكيا الإرهابي الأميركي تيموثي ماكفي الذي فجر مبنى فيدراليا في مدينة أوكلاهوما - ليقتل ثمانية أشخاص. ثم مضى بريفيك بعد ذلك إلى جزيرة مليئة بالشباب وبدأ في إطلاق النار عليهم واحدا تلو الآخر ليقتل 69 منهم.

وتقول سلطات تطبيق القانون إن هولمز أعد خطة مفصلة مشابهة. وتقول السلطات إنه فخخ شقته بالمتفجرات، ثم استخدم مؤقتا لتشغيل الموسيقى منتصف ليل الخميس عند بدء عرض فيلم باتمان. وربما كانت تلك محاولة لغواية شخص بالدخول إلى الشقة كي تعمل المتفجرات - نوع من التشتيت للشرطة قبل الهجوم على صالة العرض.

وحتى مع انخفاض معدلات القتل في الولايات المتحدة لا تزال معدلات قتل الأميركيين أعلى من معدلاتها في الدول المتقدمة الأخرى، فمعدلات القتل في الولايات المتحدة أعلى بثلاثة أضعاف من كندا وأربعة أضعاف في أستراليا وقرابة خمسة أضعاف في بريطانيا وما يقرب من 12 ضعفا في اليابان، وهو كذلك خمسة أضعاف معدل القتل في الصين. تقع حوادث القتل في هذه الدول وأحيانا ما تكون في صور غريبة. ففي الصين كانت هناك موجة من القتل في السنوات الأخيرة، هاجم فيها رجال يحملون السكاكين أطفال المدارس.

لكن المدافعين عن تشديد قوانين الأسلحة يقولون إن خطورة العنف الأميركي في تزايد عبر تيسير الوصول إلى الأسلحة من النوع الذي صمم للاستخدام في الأغراض العسكرية. وقال روث، الذي يعتقد بضرورة حظر الأسلحة شبه الأوتوماتيكية القادرة على رمي 60 طلقة في دقيقة «لقد اخترعت الدروع والأسلحة شبه الأوتوماتيكية للأغراض العسكرية لا لتنفيذ عمليات قتل جماعي». وبدوره يقول فيرغسون إن قوة النيران تكون مهمة عندما يتعلق الأمر بالقتل الجماعي، وقال «من الصعب أن ترتكب عملية كوماندوز زائفة وأنت تحمل بندقية قديمة تعود إلى القرن الثامن عشر».

ويرى فوكس، إخصائي علم الإجرام في جامعة نورث إيسترن، أن قوانين حظر الأسلحة المقيدة لا يُتوقع أن توقف الأفراد العازمين على تنفيذ عمليات القتل. وأضاف فوكس الذي أعد أحد كتبه بعنوان «القتل المتطرف: فهم القتل الجماعي والمتسلسل»: «مرتكبو حوادث القتل عادة ما يكونون دقيقين ومحددين للغاية وصرحاء ومصممين على ارتكاب جرائم القتل. يجدون الأسلحة التي يحتاجونها بغض النظر عن القيود التي نضعها أمامهم، وهذا ليس عملا متهورا».

هولمز الذي لا يملك أي تاريخ إجرامي كان حتى وقت قريب طالبا جامعيا يدرس علم الأعصاب في المعهد الوطني للصحة بمنحة من جامعة كولورادو في دنفر. وعلى الرغم من الهدوء والعزلة غير المعتادة التي كان يعيشها، فإنه لم يحاول إصابة زملائه كنوع من التهديد للمجتمع. بيد أن هولمز كان يواجه فشلا للمرة الأولى - فقد حصل على درجات سيئة في اختبار نهاية العام وقرر ترك الدراسة. ويرى روجر لين، أستاذ التاريخ في جامعة هارفارد «الصورة النفسية للقاتل الجماعي عادة ما تلائم شخصا انتحاريا، وهذا تحديدا ما يكون عليه القاتل الجماعي: نوع من الانتحار. هذا الشاب كان يعلم أنه لن ينجو بعمله هذا، فلم ينج أحد منهم».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»