مخاوف من أن تنظيم القاعدة يسعى لاختطاف الثورة في سوريا

مؤشرات على وجود التنظيم.. والمعارضة تنفي

TT

رغم كون مقطع الفيديو لرجال ملثمين يطلقون على أنفسهم اسم «الجيش السوري الحر» ويلوحون ببنادق «إيه كي - 47»، وهو النوع الذي أصبح بمثابة دعامة للثورة السورية، فإنه كان هناك فارق وحيد يثير القلق.. ففي الخلفية، يتدلى علمان لتنظيم القاعدة، عليهما كتابة باللغة العربية باللون الأبيض على خلفية سوداء.

«نحن الآن نشكل خلايا انتحارية للجهاد في سبيل الله»، هذا ما قاله متحدث باسم التنظيم في مقطع الفيديو مستخدما مفردات اللغة العربية الفصحى التي يفضلها تنظيم القاعدة.

ويعتبر مقطع الفيديو، التي تم نشره على موقع «يوتيوب»، دليلا آخر على أن تنظيم القاعدة ومتطرفين إسلاميين آخرين يبذلون قصارى جهدهم من أجل اختطاف الثورة السورية، محققين نجاحا متناميا، ولكنه محدود، وهو ما أعرب مسؤولون استخباراتيون أميركيون عن قلقهم منه، كما حذر من تبعاته المسؤولون العراقيون بالجوار.

وبينما لا يزال قادة المعارضة السياسية والعسكرية السورية ينكرون مشاركة المتطرفين بأي دور في الثورة، ساهم تنظيم القاعدة في تغيير طبيعة النزاع، من خلال إقحام السلاح الذي قاموا بتحسين كفاءته في العراق (التفجيرات الانتحارية) في الحرب ضد الرئيس بشار الأسد بشكل متكرر.

وتتزايد الأدلة على أن سوريا قد أصبحت عامل جذب بالنسبة للمتطرفين السنة، بما فيهم هؤلاء الذي يعملون تحت لواء تنظيم القاعدة. وسرعان ما أصبح معبرا حدوديا مهما بين سوريا وتركيا سقط في قبضة الثوار السوريين الأسبوع الماضي، وهو باب الهوى، نقطة تجمع للجهاديين.

ويلاحظ تسارع وجود الجهاديين في سوريا في الأيام الأخيرة، ويرجع أحد أسباب ذلك إلى الالتحام مع التوترات الطائفية عبر حدود الدولة الطويلة في العراق. وقد قدم تنظيم القاعدة، من خلال تصريح مسموع، عرضا صريحا بربط حركة التمرد في العراق بالثورة في سوريا، واصفا كلا منهما بالنزاع الطائفي؛ سنة في مواجهة شيعة.

ويشير المسؤولون العراقيون إلى أن المتطرفين الذين يشنون هجمات في سوريا يشبهون إلى حد بعيد نفس المقاتلين الذين يشنون هجمات في العراق، فيقول عزت شهبندر، وهو مساعد مقرب من رئيس الوزراء نوري المالكي، في مقابلة معه يوم الثلاثاء الماضي: «نحن على يقين كامل، من خلال التنسيق الأمني مع السلطات السورية، أن أسماء المطلوبين التي بحوزتنا هي ذات الأسماء التي تملكها السلطات السورية، خاصة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة. فـ(القاعدة) التي تعمل في العراق هي ذاتها التي تعمل في سوريا».

كما قال أحد ناشطي «القاعدة»، ويلقب باسم أبو ضحى 56 عاما، الذي يعيش في محافظة الحويجة القريبة من كركوك العراقية، متحدثا إلى صحافي تابع لصحيفة «نيويورك تايمز» يوم الثلاثاء: «نمتلك الآن خبرة قتال الأميركيين.. وصرنا أكثر خبرة الآن مع الثورة السورية. أملنا الأكبر هو أن نشكل دولة سورية - عراقية إسلامية لجميع المسلمين، ثم نعلن حربنا على إيران وإسرائيل، ونحرر فلسطين».

وعلى الرغم من كونه لا يحتل مكانة بارزة في «القاعدة»، فإن خططه الكبيرة رددتها «جبهة نصرة بلاد الشام»، التي يقول محللو الاستخبارات والجيش إنها أبرز التنظيمات التابعة لـ«القاعدة» العاملة في سوريا، إلى جانب مجموعتين أخريين ترتبطان بـ«القاعدة» يزعمون أيضا أنهما تعملان هناك، هما: كتائب عبد الله عزام ولواء البراء ابن مالك الاستشهادي.

ومنذ بداية الثورة، سعت الحكومة السورية إلى تصوير المعارضة بأنها خاضعة لهيمنة «القاعدة» وحلفائها من الجهاديين.. وهو الأمر الذي أنكرته المعارضة والمراقبون المستقلون الذين قالوا إن ذلك لم يكن صحيحا في حينه. وأن الانتفاضة بدأت بمظاهرات سلمية، وتحولت بعد ذلك إلى قتال مسلح ردا على استخدام الحكومة للقوة الغاشمة.

بينما دأب الإعلام الرسمي للدولة على وصف كل انفجار بالتفجير الانتحاري - كما فعل مع التفجير الذي وقع في 18 يوليو (تموز)، والذي قتل فيه أربعة مسؤولين رفيعي المستوى على الأقل.

بيد أنه بمرور الوقت تحولت سوريا إلى منطقة جذب للجهاديين، نظرا لتطور المعارك إلى حرب طائفية بين المعارضة، التي تهيمن عليها السنة، والحكومة وإلى جوارها القوات الأمنية التي تهيمن عليها الطائفة العلوية.

بدأ المحللون في بداية ديسمبر (كانون الأول) يتابعون ما اعتقد الكثيرون حقا أنه تفجيرات انتحارية.

ومنذ ذلك الحين وقع ما لا يقل عن 35 تفجيرا باستخدام المركبات و10 تفجيرات انتحارية مؤكدة، أربع منها أعلنت جبهة النصرة التابعة لـ«القاعدة» مسؤوليتها عنها، بحسب المعلومات التي جمعها معهد دراسات الحرب.

وفي بعض الحالات، كالتفجير الذي وقع في الأول من يونيو (حزيران) في مكاتب الأمن التابعة للحكومة في إدلب، أو الذي وقع في 27 أبريل (نيسان) عندما قتل تفجير انتحاري 11 شخصا في دمشق، زعمت جماعة النصرة مسؤوليتها بالإعلان عن ذلك في موقع جهادي، بحسب موقع «سايت» المتخصص في مراقبة مواقع التنظيمات الإسلامية الجهادية.

وزعمت جبهة النصرة أيضا مسؤوليتها عن التفجير الذي وقع في 30 يونيو، والذي استهدف قناة «الإخبارية»، الموالية للحكومة، التي قالت الجبهة إنها «تمجد الطاغية ليل نهار».. ولقي سبعة من العاملين في مجال الإعلام مصرعهم في تلك الحادثة، وهو ما تسبب في إدانة دولية. لكن المتحدث باسم المعارضة السورية أنكر أي صلة للمقاومة بمقتلهم.

وفي فبراير (شباط) قال مدير الاستخبارات الوطنية، جيمس كاليبر، في جلسة استماع في الكونغرس إن «هناك نمطا مشابها لهجمات (القاعدة) في سلسلة التفجيرات التي استهدفت مقرات القوات الأمنية والاستخبارات في دمشق». وعزا ذلك في شهادته، وشهادات آخرين في مجتمع الاستخبارات، إلى تغلغل فرع «القاعدة» في العراق إلى سوريا.

وقبل وقت قصير من شهادة كاليبر، نشر أيمن الظواهري زعيم «القاعدة» الجديد بعد مقتل أسامة بن لادن، تسجيلا صوتيا أمطر فيه الثناء على الثوار السوريين، واصفا إياهم بـ«أسود بلاد الشام»، الصفة التي رددتها الجماعة مرارا في بياناتها.

يقول دانيال بايمان، وهو خبير في شؤون مكافحة الإرهاب وأستاذ في جامعة جورج تاون، إنه من الواضح أن «القاعدة» تحاول أن تصبح أكثر نشاطا في سوريا. وكما فعلت من قبل في الصومال ومالي، وقبلها في الشيشان واليمن، تحاول «القاعدة» تحويل الصراع المحلي الدائر في سوريا إلى صالحها. يقول بايمان، زميل في معهد بروكينغز: «ليس هناك أدنى شك في أن (القاعدة) تحاول القيام بذلك، وهي بالفعل تجيد القيام بمثل هذه الأمور. لقد نجحوا في السابق في الاستيلاء على المعارك المحلية وتحويلها إلى معارك عالمية».

تقوم «القاعدة» بهذه الأمور عن طريق الاعتماد على المقاتلين المحليين أكثر من نظرائهم الأجانب، فيما عدا القيادات العليا للتنظيم - وهو ما يأتي لتصحيح الخطأ الذي كلفهم كثيرا من مصداقيتهم في السنوات الأولى للصراع العراقي.. يقول بايمان: «لقد تعلموا الكثير من الأشياء من وجودهم في العراق»، مضيفا: «إنهم يكتبون عن هذا الموضوع ويقولون: لقد أخطأنا بالاعتماد على المقاتلين المحليين».

وفي يوم الأحد، أي قبل يوم واحد من وقوع موجة شملت 40 هجوما في شتى أنحاء العراق، أصدر أبو بكر البغدادي، وهو زعيم تنظيم القاعدة في العراق، الذي يحمل اسما مستعارا، بيانا صوتيا نادرا يتوقع فيه الهجمات التي ستحدث في اليوم التالي ويشيد أيضا بثوار سوريا، حيث قال البغدادي: «لقد علمتم العالم بأسره كيف تكون الشجاعة والجهاد والصبر»، وذلك وفقا للترجمة التي أوردها موقع «سايت».

ويقول جوزيف هوليداي، وهو محلل بمعهد دراسات الحرب ويقوم بتدريس شؤون «القاعدة» والربيع العربي: «ظهور خلايا إرهابية على علاقة بتنظيم القاعدة تعمل ضد النظام، يمثل خطرا على الولايات المتحدة، وتحديا لأولئك الذين يطالبون بتقديم دعم مادي للمعارضة المسلحة».

وأضاف هوليداي: «ينبغي النظر بعين الاعتبار إلى التقارب بين العراق وسوريا، فما إن تفقد سوريا القدرة على السيطرة على أراضيها، حتى تكون هناك معارضة سنية أشد جرأة في مدينة نينوى العراقية».

وفي الوقت الحالي، تعارض كل أطياف المعارضة السورية أن يكون لتنظيم القاعدة دور في الثورة الشعبية التي تشهدها سوريا.

وقال سمير نشار، وهو عضو المكتب التنفيذي للمجلس الوطني السوري: «نسمع من حين لآخر عن تنظيم القاعدة في سوريا، ولكن لا يوجد أي دليل مادي على وجود التنظيم هنا. لقد تحدث النظام السوري عن ذلك، فضلا عن بعض البيانات السياسية من جانب الحكومة العراقية، التي تحدثت عن انتقال تنظيم القاعدة من العراق إلى سوريا، ولكن لا توجد أي معلومات على الأرض عن وجود مقاتلين أجانب في سوريا».

وفي محافظة دير الزور الشرقية التي لا تبعد كثيرا عن الحدود العراقية، قال قائد أحد الألوية التابعة للجيش السوري الحر، خلال مقابلة شخصية معه عبر «سكايب»، إنه سمع شائعات عن وجود مقاتلين تابعين لتنظيم القاعدة في سوريا، ولكنه لم ير أيا منهم على الإطلاق. وفي وقت سابق من العام الحالي، انفجرت شاحنة ملغومة ضخمة بالقرب من قاعدة عسكرية في دير الزور.. وقالت المقاومة إن نظام الأسد مسؤول عنها.. مدعية أنه تفجير مصطنع.

وقال القائد، الذي عرف نفسه باسم سيد: «لو جاء تنظيم القاعدة إلى هنا للتخلص منه (الأسد)، فلمَ لا؟»، وأضاف: «ولكني شخصيا لم أر أيا منهم».

* ساهم في كتابة التقرير دريد عدنان من بغداد ودلال معوض ونيل ماكفاركوهار وهايدي سعد من العاصمة اللبنانية بيروت وإريك شميدت من واشنطن

* خدمة «نيويورك تايمز»