العراق يتقدم درجتين في تصنيف الدول الأكثر فشلا في العالم وأكاديميون يعزونه إلى اختلال المعايير

المستشار الاقتصادي للمالكي لـ«الشرق الأوسط»: نفتقر إلى تقارير رصينة

TT

لا يزال العراق واحدا من البلدان التي تحتل المراتب العشر الأولى من بين الدول الأكثر فشلا وفقا لتصنيف مجلة «فورين بوليسي» الأميركية وذلك من بين 177 دولة في العالم. وبالقياس إلى دولة غير نفطية وجارة له مثل الأردن التي احتلت المرتبة 86 من بين 177 دولة، شملها التقرير فإن دولة نفطية مثل العراق وتعيش أوضاعا ليست مستقرة بالكامل قد جاءت بالمرتبة 71 الأمر الذي عكس نوعا من التضارب في الرؤية واختلال المعايير من وجهة نظر عدد من الأكاديميين والسياسيين العراقيين.

ومن بين مجموع الدول الأكثر فشلا هناك 37 دولة في مرحلة الخطر، وكان أبرزها 10 دول مرتبة عدديا من 1 إلى 10 هي: الصومال وتشاد والسودان وزيمبابوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان والعراق وجمهورية أفريقيا الوسطى وغينيا وباكستان. وبينما كان العراق ترتيبه السابع عام 2010 بمجموع 107.3، وكان يحتل المرتبة الثانية عام 2007 بمجموع 111.4 فإنه تقدم درجتين بموجب هذا التصنيف ليحتل المرتبة التاسعة وهو ما يبقيه في دائرة الدول التي تقع في دائرة الخطر والفشل معا. واعتمد التقرير على مجموعة من المعايير العالمية من أبرزها الديمقراطية السائدة في البلد، وتماسكه العرقي والثقافي، والمستوى الاقتصادي والتعليمي، ومدى حرية وسائل الإعلام، حقوق الإنسان، احتجاجات وشكاوى المواطنين من أوضاعهم المعيشية، إلى غيرها من المؤشرات.

وقد وضع مقاييس التصنيف خبراء اعتمدوا فيه على الأخبار الواردة من 90 ألف مصدر خاصة من وسائل الإعلام حكومية وغير حكومية، أو المنظمات الإنسانية من 177 دولة. وفي هذا السياق أكد الدكتور عبد الحسين العنبكي المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «واحدة من المشكلات التي نعانيها في العراق هي عدم وجود خطة لإعداد تقارير معدة بشكل جيد وذات شفافية ومصداقية وعلمية بحيث يمكن الركون إليها عند الاحتكام إلى معايير معينة للتقييم وبالتالي نقع دائما ضحية الصورة النمطية التي يملكها الآخرون عنا حتى لو كانوا مؤسسات علمية رصينة».

وأضاف العنبكي أن «العراق يفتقر أيضا إلى مؤسسات بحثية رصينة قادرة على إعطاء صورة أخرى عما حصل فيه من تطور في العديد من المجالات بما يؤدي إلى تغيير الصورة الجاهزة» يضاف إلى ذلك «عدم التواصل مع الجهات والمؤسسات العالمية وهو ما يجعلها تستقي معلوماتها من جهات ليست مؤمنة بالتحول الديمقراطي في العراق وهو ما يحتاج إلى جهد مؤسساتي وليس فرديا». أما عميد كلية العلوم السياسية في جامعة بغداد الدكتور عامر حسن فياض وهو ناشط سياسي معروف فقد أكد في تصريحه لـ«الشرق الأوسط» أن «المعايير الـ12 التي تم الاعتماد عليها في تحليل النتائج هي معايير علمية ومجردة وأن احد عوامل نجاحها كونها مجردة غير أن المسالة تظل هي كيفية تجسيد المعايير على أرض الواقع» مشيرا إلى أن «هناك نقطة إيجابية في وضع العراق قد تبدو غير ملموسة ولكنها في غاية الأهمية وهي أن العراق الآن هو في مرحلة انتقالية وهذه المرحلة تكون بالضرورة كاشفة لكل السلبيات والإيجابيات والتناقضات».

وأضاف أن «العراق قبل عام 2003 لم تكن فيه شفافية أو كشف للسلبيات ولذلك فإن التصنيف هنا وفق قاعدة الاستقرار يعطيه درجة دولة بينما أي كيان سياسي أو دولة بين مزدوجين تمر في مرحلة انتقالية تكشف عن عورات كثيرة وهو ما يتبين لو طبقنا المعايير التي هي علمية ومجردة على أرض الواقع». واعتبر فياض أنه «في الوقت الذي حقق فيه العراق تقدما في بعض المفاصل مثل الحرية إلا أن عدم التنظيم يمكن أن ينقل المجتمع من مرحلة انعدام الحرية إلى الحرية المتوحشة بالإضافة إلى أنه جرت 4 انتخابات في العراق وفيه إقرار دستوري وتعددية سياسية لكن ملف حقوق الإنسان لدينا لا يزال متدنيا فهناك انتهاكات واعتقالات وهو أمر يشكل نقطة سلبية».

أما الدكتور علي الرفيعي عميد كلية القانون بجامعة بغداد وعضو المكتب التنفيذي للتيار الديمقراطي في العراق فقد اعتبر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «المعايير التي اعتمدها التقرير هي بلا شك معايير عالمية مقبولة ولكن المسائل تظل نسبية لا سيما أنه مع كل استقرار امني وسياسي يمكن أن يحصل تطور في فهم آليات التعامل بين الواقع وبين محاكمته من خلال معايير ثابتة» مشيرا إلى أن «الأوضاع في العراق ورغم الخروقات الأمنية وبعض الاضطرابات السياسية فإنها حققت تقدما يحتاج أن يخرج العراق بموجبه من هذا التصنيف المتدني». وأشار إلى أنه «باستثناء ملف حقوق الإنسان الذي لا يزال دون مستوى طموحنا كتيار ديمقراطي لأن هناك الكثير من الانتهاكات في دوائر الشرطة وغيرها فإن هناك تقدما في بعض المفاصل رغم أن هناك اعتراضات على مسائل أساسية مثل قانون حرية التعبير الذي لا يزال يفتقر إلى الكثير وكذلك قانون المعلوماتية الذي هو الآخر يتعارض مع الحرية وحقوق الإنسان».

وأكد حسين الساهي المنسق الإعلامي في حركة التيار الديمقراطي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك بلا شك فارقا كبيرا على صعيد الحريات والشفافية قبل عام 2003 وبعده ولكن هناك جهات إقليمية ودولية عملت على إحداث خرق في السلم الأهلي في العراق لا سيما بعد أحداث فبراير (شباط) عام 2006 وما تلاها من عنف طائفي أدى إلى إرباك كامل للمنظومة الأمنية والسياسية وهو ما أدى إلى عدم حصول متغير من قبل الآخرين عن العراق» مضيفا أن «هناك مسائل لا تزال تحتاج إلى توضيح من أهمها أن الدستور العراقي مثلا غفل قضية أساسية وهي حق الوصول إلى المعلومة كما أننا ما زلنا نعاني خللا في فهم حقوق الأقليات وحقوق الإنسان بشكل عام».