فياض يشكو من «التهميش».. والبنك الدولي يقول إن السلطة الفلسطينية غير جاهزة للدولة

تقرير مخالف لتقديرات سابقة: النمو الاقتصادي لم يكن تجاريا ولا صناعيا.. ولا يدعم إقامة دولة

فلسطيني يقرأ القرآن في محله بالبلدة القديمة في الضفة الغربية (إ.ب.أ)
TT

استقبل مكتب رئيس الحكومة الفلسطينية، سلام فياض، تقرير البنك الدولي الذي قال إن السلطة غير جاهزة للتحول إلى دولة، بغضب شديد، لكن ليس على التقرير ومضمونه بل على «التهميش» الذي تعاني منه القضية الفلسطينية عربيا ودوليا وقاد إلى مثل هذا الواقع.

وعبر فياض عن ذلك في مقابلة مع صحيفة «الإندبندنت» البريطانية، قائلا «إن هذا التهميش يشكل الآن العقبة الكبرى للتقدم نحو دولة فلسطينية»، مضيفا: «قضيتنا لم تهمش هكذا من قبل، أبدا، هذا هو التحدي الأكبر أمامنا». وحذر فياض من أن السلطة الفلسطينية نفسها مهددة بسبب عوامل تتراوح بين الأزمة المالية الحادة وفقدان ثقة الفلسطينيين بقدرتها على إنهاء الاحتلال.

وبحسب فياض فإن «الأزمة المالية وغياب أي أفق سياسي، وفشل العالم في التعامل مع السلطة وإسرائيل، وبعض الأخطاء الداخلية، تشكل أمرا لا يمكن استمراره، وسيصبح غير قابل للدفاع عنه من الناحية السياسية». تابع القول: «تقريبا، هذه هي الأسباب التي دفعت البنك الدولي إلى القول إن السلطة غير جاهزة. وهو موقف مخالف لتقارير سابقة طالما تغنت بها السلطة، واعتمدت عليها في مخاطبة العالم للمطالبة بدولة. والآن بعد عام واحد من آخر تقرير للبنك الدولي قال فيه إن السلطة جاهزة للتحول إلى دولة، يقول البنك إن السلطة واقتصادها لا يسمحان بإقامة دولة».

وقال تقرير البنك: «في حين حققت السلطة الفلسطينية نجاحا لافتا في بناء مؤسسات دولة مستقبلية، فإنها حققت تقدما أضعف في تطوير قاعدة اقتصادية مستدامة». ويرى البنك أنه لا يمكن الاعتماد على اقتصاد مبني تماما على المساعدات، مضيفا: «إن الدول المانحة دعمت الاقتصاد الفلسطيني بمنح السلطة الفلسطينية مساعدات تقدر بمليارات الدولارات مما أدى إلى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.7 في المائة بين عامي 2007 و2011، غير أن النمو لم يكن سوى في الخدمات الحكومية وقطاع العقارات والقطاعات غير التجارية، في حين انكمشت قطاعات الزراعة والتصنيع، وانخفض معدل المعونات بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية».

ويؤكد البنك الدولي أن «النمو والاستقرار الاقتصاديين يتأتيان فقط عبر التشديد والاهتمام بالتجارة والدمج وخلق قطاع خاص قوي وديناميكي، والسلطة حققت تقدما في جهودها الهادفة لتتحول إلى دولة لكن الاقتصاد الفلسطيني غير قوي بالدرجة التي تسمح له بدعم مثل هذه الدولة»، مشددا على ضرورة وجود قطاع خاص نشط وسريع النمو في الأراضي الفلسطينية من أجل خلق فرص العمل التي يحتاج إليها الفلسطينيون المتزايدة أعدادهم، ومن أجل تحقيق الإيرادات الضريبية اللازمة لتمويل الخدمات الحكومية الأساسية. وحملت الدراسة التي تمثل ضربة لجهود السلطة بإقامة الدولة، عنوان «نحو استدامة اقتصادية لدولة فلسطينية مستقبلية: تعزيز النمو بقيادة القطاع الخاص».

وقال جون ناصر، كبير الخبراء الاقتصاديين والمؤلف الرئيسي للدراسة: «لقد حققت السلطة الفلسطينية تقدما مطردا في كثير من المجالات نحو إقامة المؤسسات التي تتطلبها دولة في المستقبل، لكن الاقتصاد في الوقت الحالي ليس قويا بالدرجة الكافية لمساندة مثل هذه الدولة. ومن الضروري أن تعمل السلطة الفلسطينية على زيادة التبادل التجاري وحفز نمو القطاع الخاص، إذ لا يمكن أن تعتمد استمرارية الاقتصاد الفلسطيني على المعونات الأجنبية». بل يرى جون أن نمو الاقتصاد الفلسطيني في المستقبل يتوقف على مدى اندماجه في الاقتصاد العالمي واستغلال مواطن قوته الرئيسية التي تتمثل في المستوى التعليمي الجيد للسكان وروح العمل الحر لديهم، وموقعه كحلقة وصل بين العالم العربي وأوروبا. وقالت الدراسة: «في ظل انسداد أفق أي حل سياسي للصراع، لا يمكن فعل الكثير إزاء هذه القيود». وتابعت: «مع ذلك، ثمة عدد من المناطق التي بإمكان السلطة الفلسطينية تركيز اهتمامها عليها ليس لتحسين أدائها الحالي فحسب، بل لإرساء دعائم دولة مستقبلية».

ويرى التقرير أن «على الدولة الفلسطينية المستقبلية أن تسعى لمحاكاة نموذج البلدان الآسيوية التي نجحت في المحافظة على معدلات مرتفعة من النمو الاقتصادي عبر اعتماد توجه منفتح على الخارج، والاندماج في سلاسل التوريد العالمية». ويؤكد التقرير أن زيادة التجارة تتطلب قيام السلطة الفلسطينية بتحسين البنية التحتية للتجارة من أجل خفض التكاليف وزيادة الكفاءة «وتتمثل الخطوة الأولى على هذا الطريق في أن تحدد السلطة الفلسطينية نوع النظام التجاري الذي يصلح لدولة في المستقبل».

وتطرق التقرير إلى القيود الإسرائيلية على الاقتصاد الفلسطيني، وقالت الدراسة: «إن رفع القيود الإسرائيلية على الدخول إلى الأسواق والوصول إلى الموارد الطبيعية ما زال متطلَّبا أساسيا لنمو القطاع الخاص الفلسطيني». ومع ذلك، ترى الدراسة أن هناك الكثير الذي يمكن عمله في الوقت الراهن لتحسين بيئة الأعمال من أجل مساندة الدولة الفلسطينية عند قيامها في المستقبل.

وقالت مريم شيرمن، المديرة والممثلة المقيمة للبنك الدولي في الضفة الغربية وقطاع غزة: «على الرغم من أن القيود الإسرائيلية لا تزال هي أكبر عائق في طريق الاستثمار، ومعظم النمو يأتي من الإنفاق الحكومي الذي يموله المانحون، فإن هناك إجراءات إيجابية يمكن للسلطة الفلسطينية اتخاذها الآن لترسي الأساس لاقتصاد يتمتع بمقومات الاستدامة ويساهم في النمو اليوم وفي المستقبل».