عسكر باماكو يتجاهلون الشمال ويستهدفون الصيد السهل

حملة قمع تطال الصحافيين والمعارضين السياسيين بدافع الانتقام من انقلاب مضاد

جندي يضع صورة النقيب سانوغو على زيه، خلال حراسةالمجموعة العسكرية الحاكمة بعد انقلاب مارس، قرب باماكو (أ.ب)
TT

يُقدِم مسلحون مقنعون في مالي على خطف وضرب الصحافيين ليلا، كما يتعرض الجنود الذين يعارضون الطغمة العسكرية الحاكمة إما للتعذيب أو «للاختفاء» القسري، في حين أفلت من تجمهروا وتعدوا بالضرب على رئيس البلاد الانتقالي الكبير في السن من دون أن توجه إليهم أي اتهامات.

وبينما يعرب كثيرون عن قلقهم إزاء إعلان دويلة متطرفة في شمال مالي، مما دفع مئات الآلاف من الأهالي إلى الفرار من البلاد، فإن الموقف هنا في العاصمة المالية رهيب وينذر بكارثة أخرى، في ظل تفاقم مناخ القمع والترهيب. فقد كانت الآمال الخارجية في التصدي للإسلاميين في الشمال معلقة على التجديد للحكومة المدنية هنا، بعد وقوع انقلاب عسكري في مارس (آذار) الماضي. وفي ظل الضغوط الدولية، وافقت المجموعة العسكرية الحاكمة على تشكيل حكومة مدنية يرأسها رجل من خارج السياق، هو شيخ موديبو ديارا، وهو عالم فيزياء أميركي مالي سبق له العمل في وكالة «ناسا» وسياسي مبتدئ معروف بنوباته الانفعالية.

ورغم اختبائهم خلف ستار المدنيين، فإن العسكر ما زالوا يمسكون بزمام الأمور، بحسب مدافعين عن حقوق الإنسان، وصحافيين تعرضوا للاعتداء، وبعض السياسيين المعارضين. وبدلا من تضييق الخناق على الإسلاميين الذين استولوا على شمال مالي، يبدو أن الجيش في الجنوب مصمم على تصفية الحسابات مع خصومه الذين قاموا بانقلاب مضاد فاشل في أبريل (نيسان) الماضي.

وقد اتهمت منظمة «هيومان رايتس ووتش» الجيش بالانخراط في حملة انتهاكات «بشعة» ضد جنود المعارضة في مقر المجموعة العسكرية الحاكمة خارج باماكو. وذكر أحد شهود العيان أن النقيب أمادو سانوغو، قائد المجموعة العسكرية الحاكمة، شوهد وهو يركل محتجزا اختفى بعدها تماما، كما رصدت منظمة العفو الدولية، في تقرير لها سيصدر الأسبوع القادم، وجود «حالات تعذيب واعتداء جنسي وأوضاع غير إنسانية ومهينة» داخل القاعدة العسكرية التي اختارها النقيب سانوغو مقرا له.

وقال تييبيلي درامي، وهو زعيم سياسي من زعماء المعارضة «منذ وصولهم إلى السلطة، لم تطلق طلقة واحدة في الشمال»، وفي المقابل، كانت الصحافة، التي كثيرا ما تنتقد المجموعة العسكرية الحاكمة وجيش البلاد، الوحيدة التي تعرضت للهجوم. وأكد كاديديا سانغاري كوليبالي، وهو محام يرأس «اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان» في باماكو «إنهم يريدون من الناس أن يخرسوا».

خلال الأسابيع الأربعة الماضية، اقتيد اثنان من أبرز الصحافيين في البلاد تحت تهديد السلاح إلى مؤخرة شاحنتين صغيرتين، حيث تعرضا للضرب بالهراوات وأعقاب البنادق. لم يكن المهاجمون يرتدون الزي العسكري، غير أن بعضهم كانوا يرتدون أحذية الجيش ويحملون أسلحة يشيع استخدامها بين أفراد الجيش المالي. وجاءت تلك الاعتداءات عقب صدور أمر استدعاء للمثول أمام السلطات الأمنية للدولة في حق صحافيين بارزين آخرين.

وقال ساوتي حيدرة إن المعتدين صاحوا في وجهه، بينما كانوا يضربونه فوق أرض موحلة خارج البلدة في ساعة مبكرة من يوم 13 يوليو (تموز) «أنتم الصحافيون، إنكم تثيرون غثياننا». ويعاني حيدرة، وهو رئيس تحرير صحيفة «لانديبوندون» (المستقلة) ويعد عميد سلك الصحافة في مالي، من كسر في ذراعه ورضوض وكدمات في أنحاء متفرقة من جسده.

ويتذكر عبد الرحمن كيتا أن الرجال الذين ضربوه ليلة 2 يوليو صاحوا فيه «أنتم من يضعفون هذا البلد». وتم نصب كمين لكيتا، وهو رئيس تحرير صحيفة «لورور»، حيث كان قد تلقى وعدا بالحصول على أخبار من الشمال. وقال كيتا في حوار أجري معه الأربعاء، وهو يذكر كيف تركوه ملقى في حقل موحل تملأ جسده الكدمات بعد أن سرقوا منه أكثر من ألفي دولار «كنا نندد بجبن الجيش المالي لفشله في الدفاع عن السكان في الشمال وحمايتهم».

وبعد أن فقدت الثقة في الجيش المالي، تطالب معظم أطياف المعارضة بقوات أجنبية تقوم بتطهير شمال البلاد من هذه التنظيمات العسكرية. وترغب «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» (الإيكواس)، بشدة في القيام بهذا الأمر، لكنها لم تتلق دعوة للقيام بهذا الدور من جانب ما تبقى من السلطة في البلاد أو حتى بعض الدعم من قبل الولايات المتحدة الأميركية أو الأمم المتحدة.

وفي إحدى المقابلات، أشار جوني كارسون، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية للشؤون الأفريقية، إلى أنه من المرجح أن تبرز الحاجة للتدخل العسكري لاستعادة المكاسب التي حققها الإسلاميون في الشمال، مضيفا أن القوات المالية سيتوجب عليها أن تأخذ زمام المبادرة في الجهود الرامية لشن أي عملية عسكرية، وهو الدور الذي أقر بعدم قدرة القوات المالية على القيام به في الوقت الراهن. وقال كارسون، الذي زار مالي الأسبوع الماضي وتحدث إلى القادة هناك «بمرور الوقت، سوف يكون من الضروري الذهاب إلى الشمال واجتثاث هذه العناصر الإرهابية، ولكن أي عملية عسكرية سيتم القيام بها في الشمال ينبغي أن يكون مخططا لها جيدا ومنظمة ومؤمنة المصادر ومدروسة بشكل جيد»، مضيفا «ينبغي أن تكون هناك عناصر كبيرة من القوات المسلحة المالية في المقدمة». لم يحدد كارسون التاريخ الذي ستكون فيه القوات المسلحة المالية قوية بدرجة كافية للاضطلاع بمثل هذا الأمر، مؤكدا «من المهم أن يتم التفكير مليا في أي خطوة وأن تتم بحرص شديد».

وسادت حالة من الهدوء الحذر في باماكو، حيث تقلصت حركة المرور بصورة كبيرة بينما لا يزال الاقتصاد يعاني من حالة الجمود، في الوقت الذي قامت فيه الحكومة باتخاذ القليل من القرارات المهمة في هذا الشأن. وقال درامي «هناك مناخ من الترهيب والخوف. في هذا البلد يمكنك ضرب الرئيس ولن تكون هناك أي عواقب لفعلتك هذه».

ومنذ عشرة أيام، نزل مئات من زوجات الضباط المفقودين أو الذين تم تعذيبهم، إلى الشوارع للتظاهر والمطالبة بمعرفة أي أخبار عن أزواجهن. ويقول براهيما كوني، رئيس «الاتحاد الأفريقي لحقوق الإنسان»: «بصراحة، إنه نوع من الاضطراب العقلي».

وأكدت بعض الجماعات الحقوقية أنه كان يتم تعذيب الجنود المتهمين بالاشتراك في الانقلاب المضاد في مدينة كاتي عن طريق إطفاء السجائر في أجسادهم أو إجبارهم على ممارسة الجنس مع بعضهم بعضا تحت تهديد السلاح، أو خنقهم عن طريق دفع قطع من القماش في أفواههم، أو تكبيلهم وتقييدهم لأيام طويلة. وتقدر منظمة «هيومان رايتس ووتش» أن عدد الأشخاص المفقودين وصل إلى 20 على الأقل، بينما يؤكد الناشطون السياسيون أن العدد أكبر من ذلك بكثير. وصرح سنغاري كوليبالي، من المفوضية الوطنية لحقوق الإنسان «يملك الآن الأشخاص المسلحون السلطة في البلاد. وفي بلد تقع فيها القوة في أيدي هؤلاء المسلحين، لا يوجد أحد في أمان».

* أسهم إيريك شميدت من واشنطن في كتابة هذا التقرير

* خدمة «نيويورك تايمز»