العرب يتجهون للجمعية العامة للأمم المتحدة بعد يأسهم من مجلس الأمن

مندوب السعودية في نيويورك لـ«الشرق الأوسط»: المشروع سيطرح الأسبوع المقبل.. وبان كي مون يحذر العالم من تكرار أخطاء البوسنة في دمشق

سمات الدمار تظهر على مباني القصير في حمص إثر أعمال العنف في سوريا (رويترز)
TT

أكد عبد الله المعلمي، المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة، في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، أن الدول العربية قررت التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى تتولى الجمعية مسؤولياتها تجاه ما يحدث في سوريا، ومؤكدا أن هذا الموقف اتخذ يوم الأحد الماضي خلال الاجتماع الوزاري لدول الجامعة العربية.

وأشار المعلمي إلى أن هذا الموقف يأتي انسجاما مع موقف الدول العربية تجاه الوضع في سوريا، ومشيرا إلى أن موقف جامعة الدول العربية نص على أنه نظرا لعدم اتخاذ أي قرار دولي في مجلس الأمن، قرر مجلس الجامعة العربية التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة.

وبين المندوب السعودي لدى الأمم المتحدة أن مشروع القرار العربي سيتم تقديمه للجمعية العامة للأمم المتحدة مطلع الأسبوع المقبل، وموضحا أن الدول العربية قررت التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة حتى تتولى الجمعية مسؤولياتها تجاه ما يحدث في سوريا بعد قتل قوات النظام السوري أكثر من 16 ألف شخص خلال الاحتجاجات هناك.

وانتقد المعلمي الدول الداعمة للنظام في دمشق، مشددا على أن النظام السوري يعمل على قتل من يعارضه من الشعب السوري، ولافتا إلى أن عجز المجتمع الدولي عن التحرك يشجع النظام السوري على كل ما يرتكبه بحق الشعب.

وأوضح سفير السعودية لدى الأمم المتحدة أن مشروع القرار العربي المتوقع تقديمه للجمعية العامة سيمثل، إذا أقر، شرعية دولية في التعامل مع الوضع السوري، متوقعا أن يحظى مشروع القرار العربي بتأييد كبير لدى أعضاء الجمعية العامة، ومؤكدا أن قرارات سابقة تخص الشأن السوري لاقت تأييدا كبيرا داخل مجلس الأمن والجمعية العامة.

وتأتي هذه المبادرة السعودية الجديدة بعد فشل محاولة غربية الأسبوع الماضي في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يهدد نظام الرئيس السوري بشار الأسد بفرض عقوبات بعد استخدام روسيا والصين حقهما في النقض (الفيتو). وقرار التوجه إلى الجمعية العامة، وهو تحرك تدعمه دول عدة، منها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. وقال مسؤول في وزارة الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط»: «نحن ندعم مشروع القرار كليا ونعتبره رسالة سياسية مهمة»، إذ يتطلع الداعمون لمشروع القرار إلى أن يحصل على أكثر من 100 صوت من 100 دولة لإظهار إجماع سياسي حول القضية السورية. ومن المتوقع أن يشكل مشروع القرار، في حال حصل على أغلبية عالية من الأصوات، إحراجا لروسيا والصين الداعمتين الرئيسيتين للنظام السوري من خلال استخدام «الفيتو» في مجلس الأمن.

وأفادت المصادر الفرنسية التي تحدثت إليها «الشرق الأوسط» بأن باريس أيضا تؤيد وتدعم المبادرة السعودية في الأمم المتحدة، وهي على تواصل دائم بالسعودية ومع كل الأطراف في نيويورك. وتعتبر فرنسا أن ما تسعى إليه الرياض «مهم»؛ لأن صدور قرار يحظى بدعم واسع في الأمم المتحدة يحمل رسالة قوية ومن شأنه «تقوية الدينامية السياسية» الهادفة إلى تحقيق الانتقال السياسي.

وردا على سؤال عما إذا كان مشروع القرار سيتناول تهديد الحكومة السورية باستخدام ترسانتها من الأسلحة الكيميائية في حال تعرضها لهجوم أجنبي، قال المعلمي إن المشروع «سيأتي على ذكر كل المسائل المهمة في الوضع السوري».

وأوضح دبلوماسيون في الأمم المتحدة أن القرار قد يدعو الدول الـ193 الأعضاء في المنظمة الدولية إلى تطبيق العقوبات الدولية نفسها التي فرضتها الجامعة العربية على سوريا، كما قد يطالب القرار بتأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة بالنزاع في سوريا، بحسب الدبلوماسيين الذين طلبوا عدم كشف هوياتهم. ومن المتوقع أن يتناول مشروع القرار أيضا أهمية محاسبة المسؤولين عن القتل في سوريا، ولكن من المتوقع عدم الإشارة مباشرة إلى تحويل قيادات النظام السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ولا يمكن للجمعية العامة للأمم المتحدة إصدار عقوبات ملزمة خلافا لمجلس الأمن الدولي بأعضائه الـ15، إلا أنه من غير الممكن لأي دولة عضو في المنظمة الدولية فرض فيتو على قرارات الجمعية العامة التي تتطلب موافقة غالبية الأعضاء لإصدارها.

وتختزل عبارة قالها مندوب فرنسا لدى الأمم المتحدة، السفير جيرار أرو، عقب اجتماع مجلس الأمن الدولي للتداول في وضع الشرق الأوسط، وتحديدا سوريا، توجهات السياسة الفرنسية إزاء هذه المسألة؛ فقد أعلن أرو أن «العجز الذي فرضه استخدام روسيا والصين حق النقض لا يعني أن الأسرة الدولية معدومة الوسائل» للتحرك. وتصب هذه العبارة في الاتجاه نفسه لما قالته المندوبة الأميركية سوزان رايس ليل الخميس الماضي، عقب استخدام موسكو وبكين للمرة الثالثة حق النقض لإجهاض مشروع القرار، حيث أكدت أن واشنطن «ستعمل من خارج نطاق مجلس الأمن».

ولذا يتعين اللجوء إلى «البدائل» التي يقع من بينها التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما حصل ذلك في الماضي، من أجل استصدار قرار جديد لا يتمتع بقوة «الإلزام» كالتي يتمتع بها قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، ولكن له قيمة «سياسية»، إذ سيبين عزلة سوريا والدول التي تدعم نظامها. وتبادل أعضاء مجلس الأمن الدولي الاتهام بالمسؤولية عن تزايد العنف في سوريا، وتعهدت الدول الغربية بالعمل على وضع نهاية للصراع خارج إطار المنظمة الدولية، في حين حذرت روسيا من أن سلوك هذا السبيل ستكون له على الأرجح «عواقب وخيمة». وقال سفير ألمانيا لدى الأمم المتحدة، بيتر فيتيج، في مناقشة في مجلس الأمن بشأن الشرق الأوسط، مساء أول من أمس: «سيدفع الشعب السوري ثمن هذا الفشل».

وقالت فرنسا أمس إنه يتعين على روسيا والصين أن تعملا مع بقية دول مجلس الأمن الدولي لوقف حمام دم يمكن حدوثه في مدينة حلب السورية. وسئل وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، خلال زيارة إلى وارسو، عما إذا كان ينتابه قلق إزاء الوضع في حلب فأجاب: «على بلدان العالم، وبخاصة الدول دائمة العضوية (في مجلس الأمن)، أن تعمل معا وتضطلع بمسؤولياتها».

وخص روسيا والصين بالذكر قائلا: «نأمل أن تسمعا في النهائية الصرخات لا من شعب سوريا فحسب، بل من بقية العالم والبلدان العربية من أجل وقف حمام الدم هذا». ولكن ترفض موسكو تحمل مسؤولية تفاقم الأزمة السورية مع دعمها لنظام الرئيس السوري بشار الأسد، بل تحمل واشنطن ودولا حليفة لها مسؤولية ذلك. وقال السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فيتالي تشوركين: «تتبع واشنطن وعدد من العواصم الأخرى مثل هذه السياسة منذ بداية الأزمة السورية، وأدى هذا إلى تفاقمها إلى حد بعيد». وأضاف أن واشنطن «ستتحمل المسؤولية عن العواقب الوخيمة التي يرجح أن تؤدي إليها مثل هذه الخطوات».

ومن جهته، حذر الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، قوى العالم أمس من تكرار الأخطاء التي ارتكبت في البوسنة خلال التسعينات من القرن الماضي، في سوريا، وذلك خلال زيارة تاريخية إلى سربرنيتشا، حيث لم تتمكن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة من منع مذبحة راح ضحيتها ثمانية آلاف من الرجال والأطفال المسلمين.

وقال بعد أن وضع إكليلا من الزهور على نصب تذكاري من الرخام الأبيض لضحايا سربرنيتشا: «لا أريد أن أرى أيا ممن سيأتون بعدي وهم يزورون سوريا بعد 20 عاما ويعتذرون عن عدم فعل ما كان يمكن فعله الآن لحماية المدنيين في سوريا». وأضاف: «ينبغي أن لا يتكرر ما حدث في سربرنيتشا أبدا.. لا في أي مكان ولا مع أي أحد».

وجاءت الزيارة - وهي الأولى التي يقوم بها أمين عام للأمم المتحدة لسربرنيتشا - ختاما لجولة لمدة أسبوع قام بها بان لدول يوغوسلافيا السابقة.

وقال أمام برلمان البوسنة في سراييفو أول من أمس، حيث لقي عشرة آلاف شخص حتفهم في حصار دام 43 شهرا، إنه يناشد العالم توحيد الصف و«وقف المذبحة» في سوريا.

ومن جهة أخرى، علمت «الشرق الأوسط» أن الاستعدادات بدأت لعقد اجتماع جديد، مبدئيا، لمجموعة أصدقاء الشعب السوري في المغرب بداية سبتمبر (أيلول) المقبل. وكان وزير الخارجية المغربي قد عرض استضافة بلاده للاجتماع المذكور الذي سيكون الرابع من نوعه بعد تونس وإسطنبول وباريس.