الحدود التركية تتحول إلى مركز للثورة السورية

الصراع الذي تشهده سوريا وصل بالفعل إلى أعماق الدولة التركية

عائلة سورية تنتظر في سيارة قبل العودة إلى سوريا على الحدود مع تركيا (رويترز)
TT

يوم الأربعاء الماضي، قامت السلطات التركية بإغلاق كافة حدودها مع الجانب السوري، بعد أن تمكن الثوار في سوريا من السيطرة على عدد كبير من المعابر. وقد اتخذت تركيا هذه الخطوة نتيجة القلق من سيطرة المتطرفين الإسلاميين على الأمور في تلك المناطق الحدودية بعد سيطرتهم على معبر باب الهوي، ولا سيما بعدما تم بث مقطع فيديو مؤخرا على شبكة الإنترنت أعلن خلاله المجاهدون تأسيس «دولة إسلامية».

ومن جهتها، أعلنت السلطات التركية أن القرار سوف يؤثر فقط على حركة الأتراك الذين يسافرون إلى سوريا، بينما سيتم السماح للاجئين السوريين بالدخول إلى الأراضي التركية. ومع ذلك، لا يمر اللاجئون عبر المعابر الرسمية، ونفس الأمر ينطبق أيضا على الثوار ومهربي الأسلحة والمنشقين والمصابين الذين يتدفقون إلى جنوب تركيا بشكل كبير خلال الأشهر الماضية، وهو مما أدى إلى تحويل منطقة من أكثر المناطق هدوءا في تركيا إلى المحور الرئيسي للثورة السورية.

وتشهد الحدود السورية مع كل من العراق ولبنان والأردن أنشطة مماثلة، ولكن على نطاق أضيق. وتم استقبال السوريين استقبالا حارا في تركيا التي تطالب حكومتها منذ فترة طويلة بالإطاحة بالرئيس السوري بشار الأسد. وقال صوفي أتان، وهو المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية التركية: «يتعين علينا أن نهتم بهم لأنهم إخواننا وأخواتنا»، في إشارة إلى 43 ألف لاجئ سوري مقيمين بمعسكرات للاجئين على الحدود التركية.

ولم يتوقف الدور التركي على إيواء اللاجئين السوريين فحسب، على الرغم من عدم وضوح نشاط أنقرة في تقديم المساعدة بفعالية في الحرب بعيدا عن الدبلوماسية العالمية. وقال هيو بوب، وهو عضو في مجموعة الأزمات الدولية في إسطنبول، «يبدو أن تركيا في طريقها لوضع استراتيجية للتصدي لحالة الفوضى التي تحدث على حدودها». وأضاف بوب: «تسعى تركيا لأن تفرض كلمتها على الأوضاع التي تشهدها سوريا، ولكني لست متأكدا مما إذا كانت لديها إجابات سهلة عن ما يحدث هناك، خاصة أن ما تشهده سوريا حاليا يعد جديدا وغير متوقع بالنسبة لتركيا».

أما الشيء المؤكد، فهو أن الصراع الذي تشهده سوريا حاليا قد وصل بالفعل إلى أعماق الدولة التركية، حيث لا يتوقف سكان مدينة أنطاكية التركية، التي تعد الوجهة المفضلة لمعظم السوريين الذين يعبرون الحدود، عن الحديث عن الحرب التي تدور رحاها في سوريا.

وتقاتل العناصر التابعة للجيش السوري الحر في شوارع ضيقة في حرارة الشمس الحارقة وتفوح منهم رائحة العرق من ساحة المعركة، ويحدوهم الأمل في الحصول على المال والسلاح اللازم. ويتجمع السلفيون، الذين جاءوا لتقديم المساعدة من دول الخليج العربي، بلحاهم الطويلة وجلابيبهم بشكل لافت للنظر في تركيا العلمانية، ويقوم الرجال الذين يعرفون أنفسهم بأنهم ممثلو كتائب الثوار باستئجار غرف فندقية وشقق رخيصة، وهو ما زاد التكدس السكاني في تلك المدينة التي كانت يوما ما جزءا من سوريا والتي يتحدث غالبية سكانها باللغة العربية باعتبارها لغتهم الأم.

وغالبا ما تشكو المعارضة السورية من قلة الأسلحة والمعدات التي تصل إليها والتي تحتاج إليها بشدة. وتصل الأسلحة إلى الثوار بكميات صغيرة وتم شراؤها من تجار السلاح الأتراك وبتمويل من المملكة العربية السعودية وقطر، ولكن تصلهم تلك الأسلحة على مراحل متقطعة، علاوة على أن الأسلحة الصغيرة والذخائر ليست كافية لمواجهة الجيش النظامي السوري المجهز تجهيزا جيدا، على حد قول الثوار. ويلقي كثيرون باللوم على تركيا التي اكتفى رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان بالتصريحات الرنانة التي تدين صديقه وحليفه السابق بشار الأسد وتتوقع سقوطه.

ويقول أبو علاء، وهو مقاتل مخضرم وفلاح سابق كان قد عبر الحدود إلى سوريا ليحصل على إمدادات جديدة من الذخيرة: «تركيا لا تفعل شيئا سوى الكلام». وكانت كتيبة أبو علاء قد حصلت على 4 آلاف قنبلة يدوية من أحد تجار الأسلحة الأتراك، ولكنها سرعان ما نفدت.

ومع ذلك، تشارك تركيا بقوة في الجهود المبذولة لتنظيم المعارضة السورية، وتستضيف مكاتب المجلس الوطني السوري في إسطنبول وتحمي المعسكر الذي يضم قيادة الجيش السوري الحر في منطقة أبايدن على بعد بضعة كيلومترات من الحدود. ويقوم الجنود الأتراك بمراقبة التدفق المستمر لقادة الثوار والعرب الذين يتبرعون بالأموال والسوريين المعدمين الذين يقفون على الأبواب لتقديم الأموال والأسلحة إلى القادة في الداخل أو للحصول على حصة منها. ولا يتم السماح للصحافيين بالدخول، كما يتعين على الضباط الحصول على إذن قبل المغادرة.

وثمة مؤشر آخر يعكس مدى الجهود الحثيثة التي تبذلها تركيا لتقديم المساعدة والسيطرة على التدفق السوري، ويتمثل هذا المؤشر في منطقة مرتفعة قليلا تعلوها نقطة عسكرية محصنة تم تعزيزها بصورة أكبر عقب قيام سوريا بإسقاط طائرة تركية الشهر الماضي.

وهنا، تم تحويل معبر غير قانوني إلى معبر رسمي، عن طريق تثبيت بوابة معدنية صغيرة عبر فجوة في حاجز الأسلاك الشائكة، حيث يجلس ضابط تركي أمام طاولة مطبخ ويقوم بكتابة أسماء من يدخلون البلاد ومن يخرجون منها. وضمن دفتر الأوراق الذي يمسك به، توجد قائمة تبين الشارات العسكرية السورية، كي تساعده في التعرف على رتب المنشقين من الجيش السوري القادمين لعبور الحدود.

وذات أمسية قريبة، كانت تقف هناك سيارة إسعاف في انتظار قدوم أي جرحى، إضافة إلى شاحنة تفرغ ما بدا أنه إمدادات طبية كي يتم نقلها إلى داخل سوريا. وكانت الحافلات الصغيرة على الجانب التركي من الحاجز تعج بالنساء والأطفال، بينما كانت الحافلات الصغيرة على الجانب السوري تعج بالشباب، وهم على الأرجح ثوار عائدون إلى سوريا بعد زيارة عائلاتهم في مخيمات اللاجئين. وقد رفض الجنود الأتراك الموجودون في المعبر السماح بإجراء حوارات هناك، إلا أن الثوار في مناطق أخرى يقولون إنهم يأتون ويذهبون بانتظام عبر نقطة التفتيش، وهي الطريق الوحيد غير الشرعي إلى سوريا الذي يستطيع السوريون القيادة خلاله في مجاز موحل وعر.

وهذه أيضا هي النقطة التي يتم نقل الأسلحة منها إلى سوريا، حيث تقوم بتوصيلها شاحنات تابعة للجيش التركي ويتسلمها المقاتلون على الجانب الآخر تحت ستار الليل، بحسب مزارعين يعيشان قريبا ذكرا أنهما شاهدا هذه العملية وهي تتم في وقت متأخر من الليل. وقد أنكرت تركيا مرارا قيامها بتسليح الثوار، وقالت إن جهودها لمساعدة المعارضة السورية هي جهود إنسانية محضة، إلا أن بوب يقول إن تركيا على الأقل تشيح بناظريها في الاتجاه الآخر، مضيفا: «بالتأكيد، لم يعلن أي قرار يقضي بأن تقوم تركيا بتسليح الثوار، لكنني لا أظن أن أحدا يحاول منع الثوار من الحصول على الأسلحة أيضا». أما بالنسبة لقدرة تركيا على ذلك من عدمها، فهذه مسألة أخرى. ونظرا لأن تركيا تقوم بنقل كل من يأتون من سوريا عبر المعبر الخاضع لإدارتها إلى مخيمات اللاجئين، فإن الكثير من السوريين ما زالوا يفضلون استخدام الطرق غير الشرعية. ومع غروب شمس إحدى الأمسيات القريبة على القرية، سار جندي تركي باتجاه بستان الزيتون الذي يظهر منه السوريون في المعتاد، وهو يلوح بيديه في إلحاح، ثم ارتفع صوت طلق ناري، لردع من يحاولون التسلل إلى البلاد. وبعد ساعة واحدة، كان الجندي قد اختفى، وانسلت أسرة مكونة من 5 أفراد خارج بستان الزيتون واختفت في جنح الظلام.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»