المباركية.. ظهر بابا عمرو الذي قصمه النظام

ناشط حمصي يروي قصة قرية وعائلة انضم كل أبنائها للجيش الحر

صورة لما تبقى من آثار القرية أثناء تشييع واحد من الضحايا (الصورة من تنسيقية القصير)
TT

قبل الثورة لم يكن أحد يسمع باسم قرية المباركية في ريف حمص، كما هو حال عشرات القرى السورية التي برزت على ساحة الأحداث كقرى تخرج عن صمتها، وتعلن الثورة على تاريخ تهميش الريف.. فكان لكل قرية قصتها المأساوية المقترنة بمجزرة أو بقائمة طويلة من الشهداء، كما كان لها ملحمتها في الثورة وتقديم التضحيات من أجل نيل الحرية، ورد الاعتبار بعد عقود من الإهمال.

والمباركية، تلك القرية الصغيرة الواقعة قرب حي بابا عمرو الحمصي، وفي أقصى الشمال الشرقي من ريف منطقة القصير في محافظة حمص، بتعداد سكانها البسيط والذين ينتمون في غالبيتهم لعائلة إدريس، كانت كالجندي المجهول من حيث حجم التضحيات التي قدمتها والبطولات التي سطرتها، وكان الثمن مقتل معظم عائلة إدريس وتدمير القرية بشكل كامل.

ويقول ناشط من حمص لـ«الشرق الأوسط» إن قلة قليلة تعرف «قصة صمود عائلة إدريس ونهاية قرية المباركية»، ويتابع أنها «قصة مأساة وتضحية وصمود وبطولة». فعندما كان حي بابا عمرو محاصرا في فبراير (شباط) الماضي، كانت المباركية ممر سكانه للنجاة من البطش والموت، وقبلها شارك «أهالي المباركية أهالي بابا عمرو ثورتهم، فكانوا معا في المظاهرات.. ومن ثم تقديم المساعدات والملاذ الآمن للفارين من جحيم القصف، وقدموا الشهيد تلو الشهيد، وانضمت نخبة أبنائهم من المنشقين عن الجيش النظامي إلى الجيش الحر».

ويوضح الناشط أن المباركية كانت أيضا «الطريق الآمن» الذي يعبره الجرحى نحو لبنان للعلاج، وممرا للمساعدات الذاهبة إلى بابا عمرو المحاصر.. «ما رتب عليه ثمنا باهظا دفعته لاحقا». ويقول في أسى: «بعد تدمير قوات النظام لأكثر من أحد عشر حيا في مدينة حمص، قررت سحق القرية الصغيرة بالقذائف الثقيلة، وتم دكها بالقذائف المدفعية وصواريخ الهاون المنطلقة من كتيبة المدفعية في أم الصخر وكتيبة الصواريخ في منطقة شنشار. وبعد قصف شرس استمر أياما طويلة ولم يبق في القرية حجرا على حجر، اقتحمت الدبابات والمدرعات المدعومة بالمدفعية الثقيلة القرية، ليخوض أهلها والجيش الحر بسلاحهم الخفيف معركة ضارية استمرت خمسة أيام.. حيث كان وابل من الصواريخ والقذائف المدفعية ينهمر بغزارة أجبرت المقاتلين من الأهالي والجيش الحر على الانسحاب بعد نفاد العتاد، لتتقدم قوات النظام وتقوم بسحق القرية وتجريف بعض المنازل وطرد السكان وإحراق المحاصيل الزراعية».

وفجأة أصبحت القرية «أثرا بعد عين»، بحسب الناشط الحمصي الذي يحتفظ بعشرات من مقاطع الفيديو لقرية المباركية ولآثار الدمار ولضحاياها من المدنيين والمقاتلين. ويقول إن «للمباركية فضلا كبيرا على بابا عمرو ومدينة حمص، فقد قدمت الكثير».. ويضيف «عندما نذكر المباركية فإننا نذكر عائلة إدريس البطلة»، مشيرا إلى أن معظم سكان المباركية من آل إدريس، وتابع: «لم يتأخر أبناؤها من الضباط في الجيش الأسدي عن إعلان انشقاقهم وانضمامهم إلى الثورة، وأولهم كان النقيب الشهيد محمد عاطف إدريس الذي أعلن انشقاقه بمظاهرة بحي بابا عمرو».

وشارك عاطف، بحسب الناشط، في معارك بابا عمرو مع «كتيبة الفاروق»، كما أن «شقيقه الرائد معد إدريس أصيب في معركة المباركية بعد أن أبلى أروع بلاء وهو الآن مصاب ويخضع للعلاج.. وشقيقهم الثالث معتصم إدريس قائد كتيبة صواعق الحق، والشقيق الرابع أحمد يخضع أيضا للعلاج بعد إصابته في إحدى المعارك»، ويضيف الناشطون أنه بالإضافة للأشقاء الأربعة هناك أيضا «ابن عمهم الملازم أول عرابة إدريس قائد كتيبة سلمان الفارسي التابعة لكتائب الفاروق، ومع هؤلاء عشرات الشباب من عائلة إدريس يقاتلون في الجيش الحر. منهم من استشهد ومنهم من ما زال يقاتل».

ويتابع النشط: «لعل أبرز شهداء المباركية، والذي قضى في بابا عمرو حيث كان يعيش، هو أسامة برهان إدريس الذي أطلق أول صيحة: الله أكبر، وقاد أول مظاهرة في الحي. وكان في مقدمة كل المظاهرات التي خرجت فيه واستشهد وهو يدافع عن الحي».. موضحا أن «النظام لم يكتف بقتل أسامة؛ بل قام بذبح والده وابنه بالسكاكين بعد اقتحام قواته لحي بابا عمرو».

الناشط الحمصي الذي يروي قصة المباركية يعدد قائمة طويلة بأسماء الضحايا بكثير من الحزن والفخر المشوب بالتحدي، لينهي كلامه «ها هو الطفل برهان ابن الشهيد البطل أسامة يستلم الراية من والده ويقود المظاهرات.. المباركية اغتيلت، لكن بطولتها ستبقى راسخة في وجداننا لن ننساها».