ملك المغرب يدعو إلى تطوير «العمل العربي المشترك» لتجاوز الوضع السياسي الراهن

أكد الالتزام الراسخ بتعميق علاقات المغرب مع دول الخليج ودعا لتخطي فرقة المنطقة المغاربية

العاهل المغربي الملك محمد السادس وإلى يمينه ولي العهد الأمير مولاي حسن وإلى يساره الأمير مولاي رشيد قبل إلقاء خطابه أمس (إ.ب.أ)
TT

دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى «تطوير العمل العربي المشترك» لتجاوز الواقع السياسي الراهن. ونوه بقرارات مجلس التعاون الخليجي «لتجسيد الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين المغرب ودول المجلس»، مؤكدا التزامه «الراسخ بتعميق علاقات المغرب مع هذه الدول الشقيقة وتعزيزها في جميع المجالات». وقال العاهل المغربي في خطاب وجه أمس (الاثنين) إلى الشعب المغربي بمناسبة عيد الجلوس، إن تطوير العمل العربي «يحتم أكثر من أي وقت مضى، القيام بتطوير العمل المشترك، في أفق الاستجابة لتطلعات شعوبه في إطار من التضامن الفعال، والالتزام المتبادل، تجاه ما يقتضيه بناء المستقبل العربي، من ترسيخ أسباب التعاون المثمر، وتقاسم المصالح العليا لأبنائه».

إلى ذلك، دعا العاهل المغربي إلى «ضرورة التعاطي دوليا مع القضية الفلسطينية الجوهرية، بشكل فعال وملموس» وقال إنه «بات من الضروري إعادة النظر في طريقة تعامل المجتمع الدولي مع هذه القضية، وضرورة قيام دولة فلسطينية مستقلة، ذات سيادة، قابلة للحياة، داخل حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية».

وبشأن الوضع في منطقة المغرب العربي، جدد العاهل المغربي دعوته إلى «انبثاق نظام مغاربي جديد، لتجاوز حالة التفرقة القائمة بالمنطقة، والتصدي لضعف المبادلات، بقصد بناء فضاء مغاربي قوي ومنفتح»، وقال أيضا إن «التحولات الكبرى التي تشهدها المنطقة تمنحنا فرصة تاريخية للانتقال بالاتحاد المغاربي من الجمود إلى حركية تضمن تنمية مستدامة ومتكاملة»، مؤكدا أن بلاده ستواصل مساعيها في أفق تقوية علاقاتها الثنائية مع كل الشركاء المغاربيين، بما فيهم الجارة الجزائر.. «استجابة للتطلعات الملحة والمشروعة لشعوب المنطقة، لا سيما ما يتعلق بحرية تنقل الأشخاص والسلع ورؤوس الأموال والخدمات» على حد قوله.

وحول نزاع الصحراء، أكد أن المغرب سيواصل، وبحسن نية، الاستمرار في المفاوضات (مع البوليساريو) الذي يهدف إلى إيجاد حل نهائي لمشكلة الصحراء، على أساس اقتراح الحكم الذاتي «المشهود له بالجدية والمصداقية من طرف المجتمع الدولي، وذلك في إطار سيادة المغرب ووحدته الترابية» على حد تعبيره. بيد أنه قال إن مشاركة المغرب في المفاوضات «لا يعادلها إلا عزمه على التصدي، بكل حزم، لأي محاولة للنيل من مصالحه العليا، أو للإخلال بالمعايير الجوهرية للمفاوضات». وقال العاهل المغربي في السياق نفسه، إنه وفي أفق التوصل إلى حل سياسي دائم لنزاع الصحراء في إطار الأمم المتحدة، «انطلاقا من الشرعية التاريخية للمغرب، ورجاحة موقفه القانوني، فإن المغرب يعتزم تحقيق الجهوية المتقدمة في الصحراء، ومواصلة إنجاز أوراش التنمية الاجتماعية والاقتصادية في هذه المنطقة».

وتحدث العاهل المغربي مطولا حول الأوضاع الداخلية، وقال في هذا الصدد: «دخلت بلادنا مرحلة جديدة، لم تكن محض مصادفة، ولا من صنع ظروف طارئة، بقدر ما تعد ثمرة سياسة متبصرة واستراتيجية متدرجة، انتهجناها بإرادة سيادية كاملة، في تجاوب تام مع تطلعاتها المشروعة. فكان في مقدمة انشغالاتنا ترسيخ تلاحم المجتمع المغربي بتحقيق مصالحة المغاربة مع ذاتهم وتاريخهم، وذلك من خلال عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، وكذا رد الاعتبار للأمازيغية كمكون من مكونات الهوية، ورصيد مشترك لجميع المغاربة، وتوسيع فضاء الحريات وحقوق الإنسان، مع تخويل المرأة وضعا، في إطار مدونة الأسرة، يحفظ لها كرامتها وينصفها ويمكنها من سبل المشاركة في الحياة العامة».

ومضى يقول: «أقدمنا على إصلاحات اقتصادية عميقة لتعزيز البنيات التحتية للمدن المغربية وتحسين تهيئتها وفك العزلة عن العالم القروي، من خلال تزويده بالتجهيزات اللازمة، عاملين على توفير المناخ الملائم لتحفيز الاستثمار، علاوة على نهج سياسة للتأهيل الاجتماعي».

وحول الدستور الجديد، قال العاهل المغربي: «تمكنا من مراجعة الدستور، وفق مقاربة تشاركية. بيد أن إطلاق هذا المسار الطموح لم يكن هدفا في حد ذاته، وإنما هو سبيل لاستكمال دولة الحق والمؤسسات وتحقيق التنمية الشاملة. وذلك شريطة أن يتحمل الجميع نصيبه من الالتزام المسؤول، حكومة وممثلين للأمة ومنتخبين محليين وأحزابا سياسية ونقابات وفاعلين اقتصاديين ومجتمعا مدنيا، وفاء للميثاق الذي أجمعت عليه الأمة باعتمادها للدستور الجديد».

وطلب العاهل المغربي من الحكومة «توفير شروط التكامل بين مختلف الاستراتيجيات القطاعية، واعتماد آليات لليقظة والمتابعة والتقويم، تساعد على تحقيق التناسق فيما بينها، وقياس نجاعتها، وحسن توظيف الاعتمادات المرصودة لها، مع الاجتهاد في إيجاد بدائل للتمويل، من شأنها إعطاء دفعة قوية لمختلف هذه الاستراتيجيات».