اللاجئون السوريون مصدومون بسبب الاستقبال العدائي لهم في العراق

كانوا يتوقعون ترحيبا بعد أن استضافوا أكثر من مليون نازح خلال الحرب

TT

قرر محمد موفق أنه لقي ما يكفيه حينما سقطت قذائف الهاون التي أطلقها الجيش السوري بالقرب من منزله بينما كانت أسرته تتناول طعام الإفطار بعد صيام أحد أيام شهر رمضان، فجمع أسرته المكونة من 10 أفراد في بوكمال، وهي البلدة الحدودية السورية التي يعيشون فيها، وفر إلى هنا في هذه البلدة الحدودية العراقية.

وكان الرجل يتوقع ترحيبا حارا، حيث إن بلاده رغم كل شيء سبق أن استضافت 1.2 مليون عراقي أثناء الحرب الأخيرة التي تعرضت لها بلادهم، وهو عدد أكبر بكثير من الأعداد التي استضافتها أي من البلدان الأخرى المجاورة للعراق، كما سمحت لهم بالعمل وإرسال أطفالهم إلى المدارس العامة والتمتع بالرعاية الصحية الحكومية. ولكن بدلا من ذلك، وجد موفق نفسه وأسرته محبوسين داخل مدرسة تحت الحراسة مع عدة مئات من السوريين الآخرين، وتم منعهم من الخروج لزيارة أقاربهم في العراق أو لفعل أي شيء آخر.

وقال عبد الحي مجيد، وهو سوري آخر محتجز داخل أحد المباني المدرسية، إلى جانب 11 من أفراد أسرته: «نتمنى العودة إلى سوريا والموت هناك بدلا من العيش هنا في هذا السجن»، وأكد مجيد واللاجئون الآخرون أنه تم رفض التصريح لهم بهذا أيضا.

ويعتبر العراق البلد الوحيد من بين جيران سوريا المسلمين الذي يمانع في استقبال اللاجئين الفارين من الصراع في سوريا، وهو يفعل كل ما من شأنه التضييق على من يصلون بالفعل إلى هناك، حيث تشعر بغداد بالقلق من أن يكون هناك مقاتلون تابعون لتنظيم القاعدة يستعيدون نشاطهم من جديد ويتدفقون في كلا الاتجاهين عبر الحدود، وكذلك من أن يحدث التقاء بين الخصوم السنة للحكومتين. ورغم أن حكومة رئيس الوزراء نوري المالكي التي يسيطر عليها الشيعة في العراق تبنت موقفا رسميا محايدا، فهي مؤيدة للرئيس بشار الأسد في سوريا، التي تعد الطائفة العلوية الحاكمة بها فرعا من فروع المذهب الشيعي. وفي الأسبوع الماضي، على سبيل المثال، امتنع العراق عن تأييد قرار في جامعة الدول العربية يدعو الأسد إلى التنحي، معتبرا ذلك تدخلا غير مبرر في شؤون سوريا الداخلية.

ورغم أن السوريين يهربون من الاضطرابات الدائرة في بلادهم منذ أشهر، فإن العراق لم يقم بفتح حدوده أمام اللاجئين حتى الأسبوع الماضي، بعد احتجاجات من عشائر السنة في محافظة الأنبار. ويعتبر معبر بوكمال الحدودي، بالقرب من هذه المدينة، المعبر الأكثر حساسية بالنسبة للعراق، حيث أصبح الجانب السوري منه تحت سيطرة قوات المعارضة.

وقد بلغ من قسوة القيود التي فرضتها بغداد على اللاجئين أن نزل ممثلون لعشائر الأنبار والمئات من أتباعهم إلى الشوارع، يوم الجمعة الماضي، في ظل درجة حرارة بلغت 125 درجة فهرنهايت (51 مئوية) في الظهيرة، احتجاجا على المعاملة التي يلقاها السوريون الذين وصلوا مؤخرا، والذين توجد لدى الكثيرين منهم روابط أسرية وعشائرية مع عراقيين هنا.

وقال محمد حسن، وهو شيخ عراقي شارك في المظاهرات: «لا يمكننا حتى أن نذهب لرؤيتهم». ومثل الكثيرين غيره، اشتكى حسن من أن اللاجئين يعاملون كالمجرمين، حيث يتم احتجازهم تحت الحراسة العسكرية داخل 11 مبنى مدرسيا ومسجد واحد، ورفض السماح لهم بمقابلة أي زوار أو التصريح لهم بمغادرة مراكز الاحتجاز. وأضاف حسن: «نريد أن نرحب بهم في منازلنا. نريد أن نقدم لهم طعاما ومكانا جيدا للإقامة، تماما كما فعلوا معنا حينما كنا في سوريا». وهتف متظاهر آخر: «سوف ننام في الشارع وندعهم يقيمون داخل منازلنا فلماذا تخافون من السماح لهم بالخروج؟».

وعلى الصعيد الرسمي، أعرب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنطونيو غوتيريس، عن شكره لجميع جيران سوريا - بما فيهم العراق - على استقبالهم للاجئين. وقد سجلت المنظمة 120 ألف لاجئ سوري، لكنها تعترف بأنه ربما تكون هناك أعداد أكبر بكثير، استقبل منهم العراق، وهو البلد صاحب أطول حدود مع سوريا، أقل عدد، حيث تقدر الأمم المتحدة عددهم بما لا يتجاوز 8445 لاجئا، فيما أعلن الأردن أنه استقبل بالفعل 140 ألفا، وسجلت تركيا 88 ألفا بحسب تقديرات الأمم المتحدة. وصرح غوتيريس: «أنا في غاية الامتنان لأن الأردن ولبنان والعراق وتركيا أبقوا حدودهم مفتوحة».

وفي مدينة القائم، أكد موظفو الأمم المتحدة أن اللاجئين يلقون معاملة جيدة، لكن من لديهم جوازات سفر أو تأشيرات دخول عراقية فقط هم من يسمح لهم بمغادرة المدرسة. وكتب مسؤول أممي في رسالة عبر البريد الإلكتروني إلى مقر مفوضية اللاجئين في جنيف، وحصلت صحيفة «نيويورك تايمز» على نسخة منها بعد حذف اسم المرسل: «يمكنني القول فقط بأن بعض السوريين مضطربون ومتشككون ولا يفهمون لماذا يطلب منهم البقاء في المدرسة مقارنة بالآخرين، الذين يحملون جوازات سفر وبالتالي يمكنهم الذهاب إلى أسرهم وأصدقائهم».

ويوم الأربعاء الماضي، في أول يوم بعد فتح العراقيين للحدود، عبر نحو 800 سوري إلى هنا، ولكن في اليوم التالي لم يعبر سوى 60 فقط، ويرجح المسؤولون العراقيون أن يكون السبب الظاهري لذلك هو أن قوات الثورة السورية على الجانب الآخر بدأت في تحذير الناس من الاستقبال غير المرضي الذي ينتظرهم.

ويبدو التناقض مع الوضع أثناء الحرب على العراق صارخا، حيث استقبلت سوريا عراقيين أكثر من أي بلد مجاور آخر، وكانت أكثر حفاوة من الأردن التي فرضت قيودا صارمة على حرية 750 ألف لاجئ قامت باستضافتهم في العمل والاستفادة من الخدمات العامة. وقد عاد حاليا معظم العراقيين الذين لجأوا إلى سوريا، رغم أن الأمم المتحدة أحصت 88 ألف لاجئ ما زالوا موجودين في البلاد، معظمهم في دمشق.

وترجع هذه الاختلافات تماما إلى تغير حظوظ البلدين الجارين، ففي أوج الحرب على العراق، كان الأسد يتمتع بسيطرة قوية على بلاده، وكان لديه اهتمام بزعزعة استقرار العراق وإضعاف موقف حلفائه الأميركيين، كما اعتادت سوريا على مساعدة تنظيم القاعدة وتمكين المقاتلين ومنفذي التفجيرات الانتحارية من التسلل إلى العراق.

والآن، فقد غادرت القوات الأميركية العراق، وقام تنظيم القاعدة بتحويل اتجاهه إلى حمل السلاح ضد نظام الأسد. ويقول شيخ سلمان مصلح، الذي يرأس مركزا في القائم يحاول مساعدة السوريين الذين يصلون إلى المدينة: «الجميع يعلمون أن العراقيين الذين يعودون هم المطلوبون والأشرار. السوريون عائلات، ونحن نريد أن نعتني بهم، فهم لن يؤثروا على الوضع الأمني في العراق. لا بد أن نعطيهم ما يستحقونه، بنفس الطريقة التي دعمونا بها أثناء أزمتنا». وأشار مصلح إلى أن متطوعين عراقيين قاموا بإرسال شاحنات تحمل إمدادات للاجئين في مدينة القائم، غير أن المسؤولين العراقيين منعوا وصولها.

وقد جاء مجيد خليل (48 عاما) من سوريا مع زوجته و13 من أفراد أسرته يوم فتح المعبر، ونظرا لأن زوجته مواطنة عراقية، فقد كان يتوقع أن يدخل بحرية، إلا أن السلطات العراقية لم تسمح سوى للزوجة بالخروج من الاحتجاز، في حين ظل هو والأطفال داخل أحد المباني المدرسية تحت الحراسة. ويقول ظفير خليل، الذي جاء يوم الخميس: «إذا لم يكونوا يريدوننا هنا، عليهم أن يتركونا نعود إلى بلادنا. من الأفضل أن نموت هناك بدلا من التعرض للإذلال هنا».

وقد فوجئ المسؤولون العراقيون الذين كانوا يزورون اللاجئين بانتقادات حادة منهم، حيث قال ديندار نجمان، الوزير العراقي المسؤول عن شؤون اللاجئين، بعد زيارة إلى مدينة القائم يوم الجمعة الماضي: «لم نكن مستعدين لاستقبال هذا العدد من الأشقاء السوريين. نعدهم بأن نجهز لهم أماكن جيدة قريبا».

كما جاء وزير المالية العراقي، رافع العيساوي، في زيارة إلى هنا يوم الجمعة الماضي، وصرح بأن الحكومة فوجئت بطلبات من اللاجئين لزيارة أقاربهم العراقيين وكذلك، في كثير من الحالات، العودة إلى سوريا، وأضاف قائلا: «سوف نعود إلى بغداد وندرس هذا الأمر. سوف تتناقش كل الوزارات الأمنية والخدمية وتقرر من سيبقى ومن سيغادر المراكز».

* كتب التقرير: دريد عدنان من القائم ورود نوردلاند من القاهرة

* خدمة «نيويورك تايمز»