«المدنية» و«العلمانية» و«الليبرالية».. أطباق ساخنة في مساجد مصر

خطباء استغلوها لتأييد مواقف مرسي ومهاجمة خصومه

TT

عشرات المئات يفترشون الرصيف، ينصتون بشدة إلى صوت جهوري يعلو صداه في أرجاء ميدان الجيزة المزدحم جنوب القاهرة، تترد كلمات «الشريعة» و«العلمانية»، «المدنية» و«الليبرالية»، «الكفر» و«الاضطهاد».. «المشروع الإسلامي»، ولأول وهلة يظن القادم إلى هذا الجمع أنهم ربما افترشوا الأرض للاستماع إلى ندوة سياسية تتحدث عن نظام الدولة مثلا، لكن في الحقيقة كانت هذه الجموع تستمع إلى خطبة الاستراحة بعد أربع ركعات متواصلة من أداء صلاة التراويح (القيام) بأحد المساجد الكبيرة جنوب القاهرة.

ويقبل المسلمون في مصر في شهر رمضان وبأعداد كبيرة على أداء الصلوات في المساجد، خصوصا أداء سنة صلاة التراويح التي يستغل خطباء المساجد استراحة المصلين بين ركعاتها لإلقاء الخطب الدينية، لكن يبدو أن المساجد في مصر لم تعد خطبها دينية بالمفهوم المعتاد، بقدر ما أصبحت سياسية بامتياز، تبتعد عن أمور الصلاة والزكاة والصيام، لتتحدث عن أمور الدولة بعد أن كانت من قبل لا تتطرق إلى هذه الكلمة إلا بالدعاء للحاكم في نهاية خطبة كل يوم جمعة.

ومنذ بداية العام الماضي بدأ المسجد في استعاد دوره السياسي في مصر، الذي توقف بحسب مراقبين منذ بداية عهد الرئيس المصري السابق في بداية الثمانينات من القرن الماضي، إلا أن هذا الدور ظهر مجددا بقوة خلال انتخابات البرلمان المصري بداية من العام الحالي، الذي حاز على أغلبية مقاعده التيار الإسلامي، واستمر هذا الدور مع انتخابات الرئاسة، ويبدو أنه يستمر أيضا دعما للرئيس الجديد، واضعا الصراع بين تطبيق الشريعة ومدنية الدولة على رأس أولوياته.

وتحدث خطيب مسجد «الاستقامة» بالجيزة عن الصراع الذي يشنه من وصفهم بالعلمانيين والليبراليين، ضد إقامة «شرع الله» في مصر، وأنهم يتشدقون بمفاهيم غريبة، رافضين الانصياع لأوامر الله. وبينما انتشر في الميدان المزدحم شحاذون يتسولون المارة وشباب يدخنون السجائر غير عابئين بما يتردد حولهم من كلمات، تابع خطيب المسجد، وهو أستاذ للفقه المقارن بجامعة الأزهر، مؤكدا على ضرورة تطبيق شرع الله والحكم بما أنزل وعدم مجاراة الغرب «الكافر». ودعا الخطيب المصلين إلى ضرورة تأييد الدكتور محمد مرسي في قراراته وعدم الانصياع لشائعات التيارات المضادة له.

ويبدو أن الصراع السياسي المستعر بين تيارات ليبرالية ومدنية وبين التيار الإسلامي حول مفهومي «المدنية» و«الشريعة» انتقل إلى ساحات المساجد، ففي محافظة المنيا (254 كلم جنوب القاهرة) لم يختلف الوضع كثيرا في المحافظة التي يتقارب عدد سكانها المسلمين من نظرائهم من المسيحيين، ففي خطبة ثاني جمعة من رمضان بأحد المساجد المحسوبة على التيار السلفي اختتم خطبته بالدعاء على منتقدي الرئيس محمد مرسي، يوجه حديثه إلى من يرفضون تطبيق الشريعة واصفا إياهم بالمعادين لدين الله وأن لهم مصالح مع دول أجنبية لا ترغب في إعلاء كلمة الله في الأرض. ويقول عادل سيد، أحد المصلين: «هناك الكثيرون من فلول النظام السابق و(أعداء الإسلام) يتربصون بالدكتور محمد مرسي ويسعون للوقوف في وجهه وعدم تمكينه من تنفيذ مشروعاته التنموية»، ويتابع سيد، وهو ملتحٍ (34 عاما) ويعمل نجارا: «يجب علينا كمسلمين الوقوف بجانب جماعة الإخوان المسلمين حتى لو أننا نختلف معهم، ولكننا يجب أن يساند بعضنا بعضا من أجل نصرة الإسلام وإفشال مخططات المتربصين بنا».

ويرى محمد رزق، وهو خطيب بأحد المساجد، ومن المؤيدين لحزب الأصالة السلفي بمنطقة شبرا بمحافظة القليوبية شمال القاهرة، إن حربا ضروسا تشن على التيار الإسلامي منذ أن فاز هذا التيار بالانتخابات البرلمانية والرئاسية الأخيرة، وأصبح مألوفا أن يتناقل منتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين على مواقع التواصل الاجتماعي صورا للرئيس محمد مرسي وهو يقيم شعائر شهر رمضان ويقرأ القرآن.

وأضاف الخطيب: «هناك من لا يريدون أن يتركوا فرصة للتيار الإسلامي كما تركوا مبارك 30 عاما.. نحن نحاول أن نوجه النصح إلى المصلين ضد من يرفضون الإسلام ويسلبون منا الحق في الحكم وتطبيق شرع الله».

وما بين اليقين بدخول التيار الإسلامي بكل فصائله للهيمنة على الساحة السياسية، والشك في مستقبل البلاد السياسي، يبدو أن المسجد سيكون له دور كبير في المرحلة القادمة، فمنه تبدأ التعبئة للنظام الجديد.