عمال غزة.. الحر والصوم يجعلان ليلهم نهارا

بات ظاهرة بالنسبة للكثيرين منهم

TT

في الوقت الذي يتجه فيه أهل الحارة إلى بيوتهم أو لزيارة أقاربهم ومعارفهم بعد أداء صلاة التراويح، كما هي العادة المتبعة في ليالي شهر رمضان المبارك، فإن عودة وشقيقه سامي يتجهان إلى العمل في مجال البناء، في إحدى الورش، التي تقع في محيط مخيم النصيرات للاجئين، وسط قطاع غزة. وفي ظل الحر الشديد والصوم في أيام يوليو (تموز) الطويلة، لم يكن أمام الأخوين سوى تحويل ليالي رمضان إلى أيام عمل ونهاره إلى ليال.

ويقول عودة لـ«الشرق الأوسط» إن ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق في قطاع غزة خلال شهر رمضان لا يجعل الإنسان قادرا على العمل وأداء فريضة الصوم في نفس اليوم. ويضيف عودة: «لو كنت قادرا عن الاستغناء عن العمل في رمضان لفعلت، لأني أجد لذة كبيرة في سهر لياليه برفقة الأهل والأصدقاء، لكن الظروف لا تدع مجالا سوى الاستغناء عن السهر من أجل العمل في ظروف أقل قسوة». لكن عودة وسامي ليسا الوحيدين اللذين يقبلان على العمل في ليالي رمضان، بل إن هذه باتت ظاهرة عامة بالنسبة للكثيرين ممن يمتهنون الأعمال الشاقة، إذ يحرص هؤلاء على العمل خلال ساعات الليل وينامون في النهار. وفي ورش البناء، فإن العمال يلجأون إلى استغلال ساعات الفجر وساعات الصباح الأولى التي تكون فيها الحرارة متدنية نسبيا للقيام ببعض الأعمال. فعلى سبيل المثال يحرص بعض مقاولي البناء على ضخ الباطون (الإسمنت المسلح) الجاهز اللازم لتشييد السقوف بعد أداء صلاة الفجر، وذلك بعد الاتفاق مع الشركات المنتجة للإسمنت المسلح، فالعمال يعملون نحو أربع ساعات تمتد من الساعة الخامسة فجرا وحتى الساعة التاسعة صباحا، يتوجه العمال بعد ذلك للاستراحة والنوم. وقد حرص بعض أصحاب المهن في مجال البناء على مواءمة ظروف العمل بشكل يسمح للعمال بالعمل خلال الشهر الكريم. فعلى سبيل المثال يحرص الحدادون الذين يتولون إعداد شبكات الحديد المستخدمة في البناء على إقامة خيام في محيط ورش البناء، ويقومون بإعداد هذه الشبكات، التي يحرص عمال بناء آخرين على تثبيتها قبل أن تتم عملية ضخ الإسمنت المسلح الجاهز. هناك من العمال في مجال البناء من يواصل العمل خلال نهار رمضان لأن نسبة تعرضهم للشمس متدنية، مثل العاملين في مجال التبليط، الذين يعملون عادة في منازل مسقوفة. لكن العمال الذين يستبدلون الليل بالنهار يقرون بأن قدراتهم على إتقان العمل خلال الليل أقل منها خلال النهار، إلى جانب أن العمل خلال الليل يكون أكثر خطورة بفعل الظلام، إذ إنه حتى في ظل استخدام الأضواء الكاشفة، فإن مستوى الرؤية يظل أقل من مستواه في النهار. ويقول طلعت عودة الذي يعمل في مجال البناء إن قدرته على الإنجاز في الليل أقل منها في النهار، وذلك بفعل تأثير دواعي الحذر.